لو كان الفقر رجلاً لقتله علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه وأراح البشرية منه، ولكن الخليفة الرابع، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالد الحسن والحسين، الشاعر والأديب والمفكر والفيلسوف وقف عاجزا أمام أمنيته الإنسانية، إلا أن في قوله دعوة لمحاربة الجوع الذي يقتل ملايين الناس سنويًا في العالم الثالث.

ما حدث قبل أيام في مدينة صنعاء عاصمة اليمن حيث تدافع الناس في ساحة إحدى المدارس كي يحصل الفرد منهم على مساعدة مادية معايدة لعيد الفطر قيمتها تسعة دولارات، فقط لا غير ما أدى إلى مقتل خمسة وثمانين يمانيا، فيهم الرجل والمرأة والطفل، وإلى جرح المئات منهم، ذكرني بكلمات الإمام علي الخالدة وأحزنني وأبكاني.

يموت الإنسان اليمني كي يحصل على مساعدة قيمتها تسعة دولارات، فما أرخص الإنسان في "بلاد العرب أوطاني من صنعاء إلى تطوان".

اعتدنا منذ صغرنا أن ننعت اليمن بالسعادة فنقول "اليمن السعيد".

أين السعادة؟

قال الشاعر الفلسطيني أبو سلمى عبد الكريم الكرمي، رحمه الله، في قصيدته الشهيرة التي تناقلها الفلسطينيون في عام النكبة كابرا عن كابر:

               عرج على اليمن السعيد وليس باليمن السعيد

               وأذكر إمامًا لا يزال يعيش في دنيا ثمود

               وسيوفه أثرية يا تعس هاتيك الغمود

               تفنى الحياة وقومه بين قات أو هجود

هكذا كان اليمن في زمن الإمام وهكذا بقي في عهد الثورات المتتالية من انقسام إلى وحدة، ومن وحدة إلى انقسام، إلى حروب أهلية، وفقر وجوع، ويعيش في دنيا ثمود.

وقال شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني:

ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي

                                 مليحة عاشقاها السل والجرب

ماتت بصندوق "وضاح" بلا ثمن

                                     ولم يمت في حشاها العشق والطرب

كانت تراقب صبح البعث فانبعثت

                                     في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب

لكنها رغم بخل الغيث ما برحت

        حبلى وفي بطنها "قحطان" أو "كرب"

وفي أسى مقلتيها يغتلي "يمن"

                                 ثان كحلم الصبا ينأى ويقترب

يا عبدالله البردوني، يا شاعر العروبة، يا معري العصر الحديث، يصرف أغنياء العرب بلايين الدولارات في عواصم الغرب، لندن وباريس وروما وبرلين وفيينا ومدريد وغيرها، يدعمون الفرق الرياضية ويتبرعون للجامعات وللمعاهد والمتاحف ويبذرون ويبذرون الأموال وملايين العرب جائعون يحلمون بأن تمطر السماء عليهم أرغفة وملابس وأحذية، وأما ثمن الإنسان اليمني فتسعة دولارات... وصنعاء مليحة عاشقاها السل والجرب.

وكل عام وشعبنا بخير بدون جوع.

المصدر: الحياة الجديدة