مناورة جديدة لجأ لها نتنياهو أمس الاثنين الموافق 27 آذار / مارس الحالي عندما أعلن تأجيل مواصلة الانقلاب القضائي لما بعد عطلة للكنيست الحالية، ودعا للحوار مع المعارضة، التي رحب زعماءها من حيث المبدأ بها، بالإضافة للرئيس الإسرائيلي، هيرتسوغ، الذي أيد مبادرة رئيس الحكومة، وأبدى الاستعداد للعمل فورًا للشروع بالحوار ورعايته في مقر الرئاسة. كما أن الإدارة الأميركية رحبت بها، وهذا ما صرح به جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي.


وجاء إعلان زعيم الائتلاف الحاكم بعد أن أجله لساعات، وبعد أن نزل ممثلو اليمين للشوارع لاستعراض قوتهم، وتمكنوا من حشد حوالي 160 ألف متظاهر أغلبهم من الشباب والأطفال، وفي أعقاب منح إيتمار بن غفير، وزير ما يسمى "الأمن القومي جائزة ترضية بتشكيل الحرس الوطني، الذي يتكون من 25 ألفًا من أنصار اليمين الفاشي جلهم من "شباب التلال" ومجموعات "تدفيع الثمن"، تشكيل الحرس جزء من اتفاق الليكود مع حزب القوة اليهودية. وستكون مهمته الأساسية في أراضي السلطة الوطنية بما فيها قطاع غزة للسيطرة على الأراضي والمصالح الوطنية. 


لكن خطاب نتنياهو لم يتضمن جديدًا بالمعنى الدقيق للكلمة، ولم يأت على ذكر إقالة وزير الحرب، يوآف غالانت، ومازال مصرًا على الانقلاب القضائي، الأمر الذي أثار حفيظة كل من ليبرمان، زعيم "إسرائي بيتنا"، وميراف ميخائيلي، زعيمة حزب العمل، ويئير لبيد، زعيم المعارضة وحزب "هناك مستقبل"، وشككوا في نوايا الملك الفاسد. مع ذلك لم يرفضوا الحوار، لأنهم سيتحملوا المسؤولية لاحقًا أمام الشارع الإسرائيلي. بيد أن النتائج يمكن أن نستقرأها من الآن، بأنها ستكون فاشلة. لأن رئيس حكومة الترويكا الفاشية سيستخدم التسويف والمماطلة للاستفادة من الوقت، وفي محاولة منه للعب على تناقضات أطراف المعارضة، أو ما سماه لبيد "التحالف الليبرالي". لا سيما وأن بيني غانتس، وزير الحرب السابق، وزعيم حزب المركز رحب بالمبادرة دون تحفظات.  


في ضوء هذا التطور خلال ال24 ساعة الماضية في اعقاب اقالة غالانت، وزير الحرب مساء الأحد أول أمس، واندفاع المظاهرات العفوية لشوارع تل أبيب وحيفا والقدس وبئر السبع وغيرها بمئات آلاف، وفي أعقاب اعلان الهستدروت الانضمام للمظاهرات، وإعلان الجامعات تعليق الدراسة، وازدياد أعداد الرافضين للانقلاب القضائي، تراجع نتنياهو خطوة للوراء لتنفيس الأجواء، وخفض نسبة الاحتقان في الشارع الإسرائيلي، والخروج من تحت الضغوط الدولية المفروضة عليه وعلى ائتلافه الحاكم، ولاعادة تنظيم أوراقه للانقضاض مجددًا على المعارضة، وتمرير مشروعه الانقلابي، خاصة وأن جزءًا أساسيًا من أقرانه داخل الحزب (الليكود) ومن الائتلاف الفاشي مصممون على المضي قدمًا بالسيطرة على القضاء بما فيه المحكمة العليا. وبالتالي استراحة المحارب المؤقتة لن تفضي الى حلول مقبولة من الطرفين. لأن كل منهم متمسك باهدافه، وكون التناقضات اتسعت حدودها لتشمل مجالات حيوية أخرى داخل المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي السيناريوهات الافتراضية قد تؤول الى الاتي: 


أولاً في حال تعمق الاستعصاء قد يتم التوافق على الذهاب لانتخابات جديدة بالتراضي، وأن لم يحدث بالتوافق، قد تسقط المعارضة الحكومة. لا سيما وأن أطرافًا وقوى وقطاعات جديدة من المجتمع دعمت خيار المعارضة، ولولا تراجع نتنياهو لتوقفت كل مجالات الحياة في إسرائيل؛ ثانيًا تشكيل حكومة وحدة وطنية، بحيث يخرج نتنياهو من تحت سيف حلفائه من الصهيونية الدينية والقوة اليهودية وماعوز واضرابهم. لكن قد يكون شخص نتنياهو نفسه، هو المشكلة لاحقًا، حيث أن هناك العديد من قوى المعارضة ترفض التعامل معه شخصيًا، ومطالبة الليكود بترشيح شخص آخر، الأمر سيعود لتفجير الأمور؛ ثالثًا نشكيل حكومة طوارئ، بخلاف حكومة نيسان / إبريل 2020 بين نتنياهو وغانتس، التي انقلب فيها زعيم الليكود على زعيم "أزرق أبيض "، وأخرجه من مولد تلك الحكومة بلا حمص، أي بلا أي ثمن. ويكون قوامها من رؤساء حكومات سابقين ووزراء حرب ورؤساء الأركان السابقين لمدة عام أو عامين بهدف وقف الاحتقان الداخلي، ولترميم الجسور بين الأقطاب المختلفة. وهذه الحكومة أيضًا لن تعمر طويلاً لأنها قائمة على حقل الغام؛ رابعًا فتح حرب من قبل نتنياهو وائتلافه الحاكم على الشمال أو الجنوب بهدف خلط الأوراق، وتأجيل المعارك مع المعارضة لحين. 


وفي كل الأحوال، كافة السيناريوهات ستكون ذات طابع مؤقت، ولا تستطيع معالجة الازمة العميقة التي تعيشها دولة المشروع الصهيوني، الامر الذي قد يعيد فتح ملفات الأزمات المختلفة مجددًا، والعودة لدوامة الصراع، مع ما يحمله من تداعيات وآفاق غير محمودة على الدولة الإسرائيلية اللقيطة والفاشية.