كأنك تسير على شواطىء فلسطين متنقلاً من عكا شمالاً ثم حيفا وصولاً إلى يافا، فمدينة غزة هي ذات الخط الساحلي التي وصلت قديمًا بين مدن الشام شمالاً حتى فلسطين جنوبًا بالامتداد الذي شكّل مسيرة نضالية طويلة لأمة العرب.

 

في الحافلة التي أقلتنا إلى مدينة صيدا كانت الشوارع بالناس مزدحمة، وبين السيارات تفاجئك الدراجات النارية تتعرّج بين السيارات والشوارع.... حتى تبرز بين رموش عينيك والفضاء الممتد قلعة صيدا البحرية العظيمة التي يزيّن مدخلها أحجار غرانيتية منحوتة، ويقع داخلها مسجد بناهُ الأشرف صلاح الدين خليل، وجدده الأمير فخر الدين. إنها القلعة الشاهد على مقاومة الأمة العربية والإسلامية وجهادها، حيث افتكها المماليك بالدم من الغُزاة الفرنجة.

 

في صيدا كانت لنا زيارة لمستشفي الهمشري الذي يقوده الأخ د. رياض أبو العينين الذي استقبلنا بلحيته الكثة ووجهه الباسم وكلمته الجميلة عن المستشفى ومساره وتطويراته. 

 

مستشفى الشهيد البطل محمود الهمشري هو المستشفى الهام الذي يعد رمزًا من رموز الصمود والتأهيل الطبي، والحيوية البشرية التي ظهرت بجهود الدكتور أبو العينين والأخ السفير أشرف دبور، وبدت بحرس الطاقم الطبي، وكتيبة المتطوعين من الشباب والشابات بزيّهم الجميل والأنيق وشعار المستشفى ما ذكّرنا بباني الهلال ومؤسسه الراحل الشهيد فتحي عرفات، فما كان من الأخ الكريم والعزيز زيد تيم إلا وأن صدحت حنجرته بالأغاني الوطنية في باحة المستشفى، وهو مطرب جميل من سلالة  المبدع الشهير أبو عرب لتضج الشبيبة بالترداد وراءه.

 

على جانب الطريق البحري يزاملك البحر معانقًا أنّى ذهبت، فتنتشي برائحة البحر الذي لا يختلف عن ذاك الممتد والرابض على شواطيء رفح أو خانيونس أو حيفا أو عكا. ولكنه يزيدك ثقة بالامتداد الجغرافي الذي سيتحدى الواقع ويُفضي للتحرير ولتحقيق المستقبل المرجو. 

 

وفي الاتجاه الآخر للشارع تُبدع الطبيعة بأن تنقلك بين الأصفر الترابي والأخضر في عناق الشجر والبشر والحجر والأرض الطيبة حتى تستقبلك صيدا مرحبّة، ثم صور بصدرها الرحب ومزارع الفواكه، والموز المنتشر بكثرة على جانبي الطريق.

 

في مخيم الرشيدية في صور بالجنوب الثري والصامد كان لنا الحضن الدافيء مع أخوة كرام وقيادة مليئة بالعنفوان فيما قالته وأبدته من مظاهر التدريب للشبيبة بمعسكر الشهيد الخالد ياسر عرفات، في دورة الشهيد إبراهيم النابلسي، وحفاوة الاحتضان الأخوي من الأخ اللواء توفيق عبدالله، والصديق والأخ المتقد نشاطًا الحاج محمد البقاعي، وجميع الأخوات والأخوة، وحيث شرفنا الحبيب الحاج رفعت شناعة بحضور محاضرتنا، فلا فرق تشعر به، فالأرض تعرف أهلها ولا تميز بين الأشقاء أينما وجدوا.

 

في فترة الغداء وعزومتها الكريمة في المخيم كان لنا فرصة رتبها الأخ السفير أشرف دبور مع البقاعي للقاء مع منتسبي الدورة من الشبيبة الأشداء ففرحنا وانتشينا، حيث دخلنا معهم مدخل فلسطين الهدف وهدفنا الذاتي ومسارات البناء الوطني والشخصي بما يؤهلنا لبلوغ الهدف ما كان من الساعة ونصف تقريبًا التي قضيناها مع الشبيبة المنتسبة للدورة.

 

ورغم إرهاق الشبيبة المنتسبين للدورة وشدة الحرارة والرطوبة كانوا في قمة التفاعل والحيوية التي ظهرت في المداخلات التفاعلية، وتعبيرات الوجوه فيما حاولنا فيه أن نقدم جرعة سريعة مقرونة بنماذج حيوية من قصص عن تاريخ الثورة واستشهاد الكبار.

 

في الحقيقة فاتني الغداء بالمخيم، وأنا مستمتع بصحبة الشبيبة وصحبة الحبيب الحاج محمد البقاعي، ولولا حبّة الدراق الكبيرة التي استلها الحاج من طبق الفواكه لآكلها لغابت شمس الظهيرة وأنا على الطوى والجوع، حيث استكملنا اليوم في بيروت داخل فعاليات الورشة الحركية حتى العشاء في وقت متأخر-لم آلفه بالسنوات العشر الأخيرة بتاتًا- أي الساعة 12 ليلاً، فاضطررت للعشاء متأخرًا جدًا على غير عادتي التي تجعل من الساعة الخامسة الحد النهائي لأي لقمة تدخل المعدة.