بقلم: بسام أبو الرب 

التقى الباحث في شؤون التاريخ حمزة العقرباوي مع نائب قائد معركة "وادي القلط"، حسين أبو حاشية في مدينة نابلس، وكانت ذاكرته لم تخنه بعد، حول تفاصيل المعركة ورفاقه الذين كان بصبحتهم في ذلك الوقت.

يوم أمس أعلن عن وفاة الأسير المحرر اللواء حسين أبو حاشية في مدينة نابلس، عن عمر ناهز 72 عامًا، والذي كان نائب قائد معركة "وادي القلط التي وقعت في 20 كانون الاول عام 1968، وأدت إلى مقتل قائد الوحدة الإسرائيلية آنذاك تسيفي عوفر، واستشهاد اثنين من المقاتلين واعتقال ستة من الفلسطينيين.

أفرج عن الأسير أبو حاشية من سجون الاحتلال عام 1983 خلال عملية تبادل الأسرى مع حركة "فتح"، عقب الحُكم عليه ورفاقه بالسجن 4 مؤبدات وعشر سنوات، فيما استشهد أحد رفاقه وهو الأسير علي شحادة الجعفري، خلال إضراب الأسرى عام 1980.

ويقول العقرباوي "في أول مرة تواصلت فيها مع أبو حاشية صمت كثيرا وأجهش بالبكاء بعد ذلك، خاصة عندما يتذكر أحدًا من رفاقه الذين استشهدوا أو وقعوا في الأسر، فهو وفيٌ لهم ويتذكرهم دائمًا".

وعن تفاصيل معركة وادي القلط يضيف العقرباوي، "عند الساعة التاسعة مساءً، يوم الخميس 19 كانون أول 1968، وكان وقتها شهر رمضان، تناول ثمانية من الفلسطينيين فطورهم "طنجرة المقلوبة" داخل أحد معسكرات الشونة في الأردن، على أن تكون الوجبة القادمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

ويبين أن المقاتلين الثمانية هم: مفيد حافظ بركات (جمال حافظ) قائد الدورية، ونادر محمود التايه (عبد الناصر) نائب القائد، وحسين عمر أبو حاشية (علي الغول)، ومحمد شريف بدر عساف (مغوار)، وجميل لطفي أبو صقر (عطية عدنان)، وعبد الكريم أحمد حمودة (أبو أحمد)، وحسن ياسين القواسمي (سعد)، وعلي شحادة الجعفري (علي جبار) وهو دليل المجموعة، تحركوا بعد أن وصلتهم رسالة من ياسر عرفات ووداع خليل الوزير "أبو جهاد" لهم، بعد تأمين الطريق لهم عبر نهر الأردن باتجاه القدس التي كانت وجهتهم لتكون المحطة الأخيرة لأحياء ذكرى انطلاقة حركة فتح في الأول من يناير.

ويتابع العقرباوي: "عند نهر الأردن تفقد المقاتلون الأسلحة لآخر مرة، قبل أن يتعانقوا ويتعاهدوا على الالتقاء في القدس المحررة، ليعبروا على ظهر إطار مطاطي إلى الضفة الأخرى من النهر".

ويقول: " كان على المقاتلين اجتياز الأسلاك وحقل الألغام والطريق الرملية، كانت مهمة صعبة لأن التُربة طينية وموحلة بسبب الأمطار، ومن المستحيل العبور من غير ترك آثرٍ يدل عليهم، ولأجل ذلك ارتدت المجموعة صوف (فرو) فوق الأحذية للتمويه على خطواتهم والسير بشكل عكسي حتى لا يتم اكتشاف وجهتهم".

ويشير إلى أن المقاتلين الثمانية خلعوا صوف الأغنام عن أحذيتهم وألقوا به في بئر قديمة ومضوا نحو أطراف مخيم عقبة جبر في أريحا، إلى أن عبروا نحو وادي القلط المعروف بتضاريسه والمنحدرات الوعرة، وتسلقوا الصخور إلى حيث المكان المُناسب ليكمنوا فيه.

ويروي العقرباوي حسب ما وثقه "انقسم المقاتلون إلى ثلاث مجموعات وتوزعوا في المكان، مجموعة نزلت إلى قلب الواد وتحصنت بين أشجار القُصيب العالية وهم: جمال حافظ، عبد الناصر ومغوار، فيما تحصن عطية عدنان وأبو أحمد في مغارة في الاتجاه المقابل، وتحركت المجموعة الثالثة: علي الغول، سعد، علي جبار إلى مغارة مُرتفعة تشرف على مدخل الواد.

ويتابع: "في ساعات الصباح الأولى ليوم الجمعة 20 كانون أول، بدأت الطائرات الإسرائيلية تحلق في سماء المنطقة، وعند الساعة الرابعة كانت الطائرات ووحدات التتبع قد حددت مكان المقاتلين، وبدأت بالقصف العشوائي بمساندة المدفعية، بعد ساعتين من الاشتباك المتواصل أصيب عطية عدنان وأبو أحمد (عبد الكريم حمودة)، ليتم اعتقالهما فيما بعد".

ويؤكد العقرباوي "أنه مع ساعات الصباح الأولى ليوم السبت 21 كانون أول، بدأت السماعات تُنادي على المقاتلين لأجل الاستسلام، ثم تجددت الاشتباكات وظلت المروحيات والمدفعيات تدك أحد الكهوف في وادي القلط بقوة، الأمر الذي ادى الى استشهاد اثنين من المقاتلين وهما: جمال حافظ (مفيد حافظ بركات) نائبه عبد الناصر (نادر محمود التايه)، وإصابة الثالث وهو مغوار (محمد بدر عساف)".

ويضيف، "قبل غروب شمس يوم العيد، كانت طائرة عمودية قد حملت أربعة من الأسرى الجرحى إلى المقاطعة في أريحا، وكانت قبل ذلك نقلت أسيرين جريحين في الساعات الأولى من المعركة، أما جثماني الشهيدين مفيد ونادر فقد عُلقا أسفل الطائرة التي حلقت في السماء انتقامًا منهما".