التقيت على أطلال قريتي ميعار، ظهيرة يوم الخميس 17 شباط 2022 مع مجموعة من تلاميذ مدرسة الشّاغور الثّانوية من بلدة مجد الكروم العامرة، برفقة مدرّساتهم ومدرّسيهم ليحاوروني حول قصّتي القصّيرة "النّخلة المائلة" الّتي يدرسونها ضمن منهاج الأدب العربيّ الحديث، وعلى الرّغم من إعجابي بأسئلتهم وتحليلهم ممّا يدّل على فهمهم العميق للقصّة وعلى ما بذلته مدرّسة اللّغة العربيّة من جهد يشي بحبّها لعملها وللأدب إلّا أنّهم أعادوني إلى موضوع طالما أوجعني كلّما التقيت بأولادنا في الجامعات وفي المدارس الثّانويّة والإعداديّة وفي النّوادي الثّقافيّة وهو الجهل لمواقع قرانا المهجرّة وبالأسماء العربيّة الفلسطينيّة لأسماء الأنهار والجداول والوديان والسّهول والجبال والأشجار والنّباتات في بلادنا.

لماذا يقول الكثيرون منّا جدول "الكيشون" وليس "المقطّع" ونهر "اليركون" وليس "العوجا" ومفرق "جولاني" وليس مفرق "مسكنة" ومفرق "مجيدو" وليس مفرق "اللجون" ومفرق "التشيكبوست" وليس مفرق "السعادة" مثلًا؟

وهل يعرف أولادنا في الجليل الغربيّ مثلًا عندما يسافرون إلى رأس النّاقورة أو إلى السّباحة في شاطئ الزّيب الّذي حوّلوا اسمه إلى "أخزيف" أنّهم يمرّون بأطلال قرى مثل السّميريّة والغابسيّة والبروة والدّامون والرّويس والنّهر والبصّة؟

وهل يعرف أولادنا في الجليل الأعلى حينما يسافرون إلى صفد وعكّا وحيفا وطبريا أنّهم يمرّون بأطلال قرى الصّفصاف وميرون وعين الزّيتون والخالصة وناصر الدّين والجاعونة واقرث وبرعم وطيطبا والسّموعي وكفرعنان وفراضية وغيرها من عشرات القرى؟

وهل يعرف أولادنا في حيفا وقرى وادي عارة مواقع قرى عين غزال وجبع وكفرلام وأم الزّينات وخبيزة وأخواتهنّ اللاتي كنّ مثل عقد اللؤلؤ على صدر جبل الكرمل وعلى شاطئ البحر؟

واعذروني لأنّني لن أتابع في تساؤلي حتّى أصل إلى اللّد والرّملة ويافا وما بعد بعد ذلك فلا تتسّع مقالة قصيرة لذكر أسماء مئات القرى وعشرات الوديان وعشرات الجداول وعشرات الجبال وغيرها من الأماكن "عبرنوها" أو الّتي مسحوها عن وجه الأرض ولم يبق منها سوى شاهد على عمق الجريمة مثل زيتونة أو صبّارة أو نخلة أو عنبرة أو خرزة بئر أو شاهد قبر أو قبّة وليّ تغربّ أو تهوّد عنوة.

زرت أطلال عشرات القرى المهجّرة في ألوية عكّا وحيفا والنّاصرة وبيسان وطبريا وصفد والتقيت بعشرات الرّجال والنّساء الّذين حدّثوني عن اليوم الأخير في قريتهم وعن عائلات القرية وأئمتها ومعلميها وعن شهدائها وأعددت ذلك في كتاب بخطّ يدي في السّنوات الأخيرة من القرن الماضي سميته "اليوم الأخير" حمله صديق وطنيّ واختفى وغاب الكتاب معه. خسرت كتابًا ولكنّي اكتسبت تجربة غنيّة.

حينما أسافر من الشّمال إلى زهرة المدائن أو إلى عروس البحر ومهد الثّقافة، يافا الجميلة، أو إلى بئر السّبع عاصمة النّقب برفقة صديقي المؤرّخ أ.د. مصطفى كبها ويسترسل في شرحه عن أسماء الأماكن الّتي نمرّ بجوارها وعن تاريخها وعمّا حدث فيها وعن أسماء الأعلام الّذين ينتسبون إليها أشعر كم نحن بحاجة إلى نقل هذه المعلومات الثّمينة إلى أبناء شعبنا، كبارًا وصغارًا، رجالًا ونساءً، شبّانًا وأطفالًا كي نحفظ تاريخنا وجغرافيّتنا.

نحن بحاجة في كلّ مدينة وبلدة إلى جمعيّة وطنيّة تعدّ رحلات تاريخيّة تعليميّة للجيل الجديد وتلاميذ المدارس والمدرّسين في ربوع الوطن كي يعرفوا ما تجاهلته برامج التّعليم الإسرائيليّة وما "عبرنته" المؤسّسة الصّهيونيّة على مدى عقود.. وعندئذ سوف يعرف أحبابنا تلاميذ المدارس في مجد الكروم العامرة مواقع البروة وميعار وصفوريّة والغابسيّة وجدول المقطع وجبل الدّيدبة .. وننشد معًا "عليك منّي السّلام يا أرض أجدادي.. فيك طاب المقام وطاب إنشادي، يا ما أحلى السّكن في أرض أجدادي!!".

وصدق من قال: على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة".

المصدر: الحياة الجديدة