العلاقات الفلسطينية العربية تقوم على ركيزة أساسية اعتمدتها منظمة التحرير الفلسطينية منذ بداية تأسيسها، وهي "عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية" كناظم أساس مع أهل النظام السياسي العربي.

ويعود الأساس في تبني هذا المبدأ لأكثر من اعتبار، منها أولاً القيادة والشعب الفلسطيني يرتبط بعلاقات ووشائج عميقة وتاريخية وثقافية مع الجماهير العربية وأحزابها وقواها ونخبها الثقافية/ الفنية والإعلامية والأكاديمية؛ ثانيًا الحرص على نسج أفضل العلاقات الإيجابية مع أهل النظام الرسمي العربي، بغض النظر عن التباينات السياسية؛ ثالثاً تجنب سياسة كسب الأعداء، بل العكس صحيح، العمل على إزالة كل التوترات مع مكونات أهل النظام الرسمي، أو على الأقل تحييد الأنظمة والقوى الفاعلة ذات الخلفيات غير الايجابية؛ رابعًا الحرص وحماية مصالح الجماهير الفلسطينية العاملة في الدول العربية. لأن ردود الفعل السلبية، التي يمكن أن تتركها المواقف العنترية والمسيئة من قبل بعض القوى السياسية تنعكس سلبًا على الجماهير الفلسطينية العاملة في هذا البلد او ذاك، ولنا أكثر من تجربة في هذا الحقل، ولكن أبرزها ما حدث في أعقاب حرب الخليج الثانية، وفي تورط حركة "حماس" في الصراع الداخلي السوري عام 2011، وما تركه من آثار تدميرية على المخيمات الفلسطينية وخاصة مخيم اليرموك، مركز الشتات الفلسطيني؛ خامسًا أهمية ومركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب قاطبة، رغم كل التراجع الحاصل، بيد أن فلسطين ما زالت قبلة الاشقاء العرب؛ سادسًا التأثير السلبي الذي تتركه المواقف الخاطئة والصبيانية من قبل بعض الحركات والفصائل ضد بعض الدول العربية على العلاقات البينية بينها وبين السلطة، وبينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية، وما يمكن أن تتركه من آثار وردود أفعال غير إيجابية من بعض القوى والنخب العربية ضد القضية الفلسطينية ومنظومتها السياسية؛ سابعاً كما ترفض منظمة التحرير وقيادتها التدخل من قبل الدول العربية في شؤون الشعب الفلسطيني الداخلية، وتحرص على حماية قرارها الوطني المستقل.

ويعود السبب في الكتابة حول الموضوع للمظاهرة المسيئة، التي نظمتها حركة "حماس" قبل أيام قليلة في محافظات الجنوب (قطاع غزة) وشاركتها الجبهة الشعبية فيها، وانحازت لطرف سياسي تابع لإيران الفارسية ضد المملكة العربية السعودية، ما ترك ندوبًا في بعض أوساط الشارع السعودي، وردود فعل غير مقبولة، ومرفوضة أساءت للقضية الفلسطينية ولرمزيتها، حين خلطت تلك الأوساط بين حركة "حماس" ومنظمة التحرير وقيادتها الشرعية. مع أن الجميع يعلم أن القيادة الشرعية الفلسطينية رفضت وترفض التدخل في الشؤون العربية، وتأبى التورط في الإساءة للأنظمة السياسية بمجملها، وأن كان في الكثير من الأحيان توجد مرارة. لكن معظم الخلافات تحرص القيادة الفلسطينية على مناقشتها مع الدول الشقيقة ثنائيًا أو في الاطار العربي المشترك، ليس هذا فحسب، بل أن القيادة الفلسطينية واضحة وصريحة في وقوفها إلى جانب الاشقاء العرب في الدفاع عن الأمن القومي العربي، وترفض المساومة بين الاشقاء العرب ومن يستهدفهم من القوى الإقليمية او الدولية.

وعليه فإن الأساس الناظم للعلاقات الفلسطينية العربية يقوم على الندية، والاحترام المتبادل، والحرص على المصالح المشتركة للكل العربي، وعدم الخلط بين الغث والسمين، وأية قضايا خلافية يجري نقاشها والحوار بشأنها داخل الغرف المغلقة، إلا ما ندر في حال تجاوزت بعض الأنظمة حدود المنطق، وإساءة للقضية الوطنية، وتورطت في العلاقات التطبيعية المجانية مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني وقضيته المركزية.

كما أن فلسطين وقيادتها السياسية تحرص على نسج علاقات إيجابية ووطيدة مع كل شعوب ودول العالم. وتعمل على تحييد القوى المعادية، واستقطاب الأصدقاء من أصقاع الأرض كلها لدعم القضية الفلسطينية، والمشروع التحرري الوطني، وتقليص دائرة الأعداء قدر الإمكان، لا العكس. وبالتالي لا يجوز لفلسطيني عاقل أن يورط الشعب بمواقفه العنترية والديماغوجية، التي لا تجلب إلا الإساءة للشعب والقضية الوطنية.

وأنا هنا لا أتحدث عن المشروع القومي العربي النهضوي ومعاييره الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وإنما أتحدث عن العلاقات السياسية مع أهل النظام الرسمي العربي في ظل شروط الصراع القائمة، ومركبات المنظومة العربية الرسمية. وعليه تستدعي الضرورة الحرص على العلاقات مع الاشقاء جميعهم إن أمكن، وتدوير زوايا مع الأنظمة ذات الخلفيات الإشكالية، ووأد اية مواقف مسيئة من قبل أي حركة أو فصيل أو مجموعة فلسطينية حرصًا على مصالح الشعب أولاً وثانيًا .. وعاشرًا.

 

المصدر: الحياة الجديدة