ليس منا من يطيح بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني ليرفع مصالحه ومكاسبه المادية الحزبية الفئوية، وليس منا ولا من طينة الهوية الوطنية العربية الإنسانية الفلسطينية من يوظف جماهير جماعته وقدراته المسلحة لخدمة قوى إقليمية وينفذ أجندتها المتعارضة أصلاً مع الحق الفلسطيني، حتى لو رفع مليون نسخة من علم فلسطين، فهؤلاء مستثمرون متاجرون بالدم الفلسطيني، وبالحق الفلسطيني، يبيعونه للأجنبي الطامع باستعادة أمجاد إمبراطوريته على أرض وطننا العربي وحساب أمتنا العربية بثمن بخس.

يعي مشايخ حماس والمتحالفون معهم ما يفعلون، ويدركون جيدًا، وجريمتهم لم تكن انعكاسًا لغباء سياسي أو حماقة، إنما لضرب مصالح الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وإظهار الفلسطينيين كعنصر تخريب في بلدان عربية، والهدف الأفظع من جريمتهم دفع الشعوب العربية إلى سحب الثقة من الفلسطيني اينما كان بغض النظر عن انتمائه  السياسي، فجريمتهم فعلوها عن سابق تصميم وترصد، حتى وإن لم ينفذوا تعليمات الموساد مباشرة، فإنهم على الأقل كان عليهم المعرفة بأن منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري (إسرائيل) المستفيد الأول والأخير من مواقفهم وهتافاتهم ويافطاتهم التي رفعوها خلال مسيرتهم المخزية في (غزة)! إنها جريمة تضييق الخناق والحصار على هذا الجزء المقدس عندنا كما باقي تراب الوطن، قطاع غزة المسلوب بقوة الانقلاب والانفصال الحمساوي.

لقد استحى  إبليس  المستكبر الاتيان بجريمة كفعلتهم النكراء من وراء ستار، فهؤلاء الذين لطالما اعتبروا علم فلسطين مجرد قطعة قماش ملونة ورفضوا احترامه والوقوف أثناء رفعه – استظهروه في أسوأ عملية نصب واحتيال، بعد مواراة راياتهم الحزبية لإيهام مستأجرهم، وممولهم أنهم يمثلون الشعب الفلسطيني، لكنهم خسئوا حتى في حشد رقم مقنع من جماهيرهم وقياداتهم  الوسطى والمتقدمة والقاعدية التي دبت الخلافات والانقسامات بينها، ليس على أسس وطنية، إنما اعتبارًا لمفاهيم مذهبية فقط ، مازالت تنخر عقول وتفكير ورؤى قواعدهم، فحماس باعتبارها فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، ومثلها الجماعات والتنظيمات الإسلاموية لم تؤسس منتسبيها ومناصريها على الانتماء للوطن، والإخلاص له والعمل من أجله، وإنما يقسمون بالولاء والطاعة لمشايخ الجماعة، فتسلب قدرات التفكير والتحليل واستخلاص العبر منهم، حتى إذا وقعت الواقعة، ليكونوا أول ضحاياها.

لقد اعتمدت قيادة الشعب الفلسطيني، عدم التدخل في شؤون  البلاد العربية، وعملت على ألا يتدخل أحد ويلعب بمصير الشعب الفلسطيني، منذ امتلاكها القدرة على الاستقلال بالقرار الوطني الفلسطيني، واستخلصنا كقوى وطنية وشعب واع نتائج أخطائنا عندما انحرفنا عن هذا المبدأ، عندما دفع ملايين من شعبنا يقيمون ويعملون في دول عربية الثمن، ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن الذين نظموا تظاهرة السب والشتم والقدح بحق بلاد عربية، معنيون بتدمير الجسور مابين  الدول العربية وفلسطين، وتشويه مبدأ الوفاء في الشخصية الفلسطينية، ذلك أنهم قد ضمنوا مسار  العملة الصعبة في الحقائب، وضمنوا الاستقواء على مليوني فلسطيني في قطاع غزة بقوة السلاح الذي يثبت بين الحين والآخر أن سلاحًا لخدمة قوى اقليمية، تشتبك مع دول عربية منذ عقود في صراع تجاوز المذهبي والسياسي ليصل الى حد السيطرة  العسكرية على بقاع جغرافية، لتهديد أمن دول عربية كبرى، وإضعاف استقرارها وبنيتها الاجتماعية، ونسف مرتكزات اقتصادها.

مشاركة حماس وترخيصها لهذه العدائية ضد دول عربية اثبتت افتقارها للحد الأدنى من الإرادة بالتوجه نحو موقف فلسطيني وطني جامع، وتحديدا في هذه اللحظات حيث تنطلق حوارات جديدة  بين فصائل فلسطينية، ذلك أن العدائية المطلقة والفظة الطافحة علنا من مواقف مشايخها على رأسهم محمود الزهار ستدمر أي عملية ترميم للعلاقات الفلسطينية الداخلية، والتي نحتاج الى دعم عربي رسمي وشعبي لتعزيزها.

المصدر: الحياة الجديدة