خاص/ مجلة القدس

رحل الشاعر كمال كامل احمد (أبو نزار) وآخر كلماته في ديوانه الذي لم يبصر النور بعد.

فلسطين والشوق يفري فؤادي... جنيناً، ويملأ قلبي الصدى... غداً تشهدين انبثاق الشروق... وإطلالة الفجر في الموردِ.

هكذا رحل وحنينه إلى فلسطين، مرتع الصبا، وذكريات الطفولة حلم العودة لم يفارقه.

سأعود للقدس الحبيبة في الغد... والصامدون وإخوتي الثوار... ستعود تجمعنا الديار على الصَفا... ستعود تضحك في الربى الأزهار... سيعود قومي، فابشري يا دار.

بدأ الشاعر أبو نزار ابن بلدة الدامون، والمولود في عكا عام 1937 كتابة الشعر يافعاً خلال وجوده على مقاعد الدراسة حيث كان السؤال الذي يجول في بال كل لاجئ فلسطيني دافعاً له للكتابة، لماذا أنا لاجئ؟ فكانت النكبة ومآسيها تحيط بعالمِه وأثرت في شعره، وكان المخيم يولّد في نفسه الألم، وشعوراً بالمهانة والذل وهو الذي وجد نفسه طفلاً لاجئاً في العقد الأول من عمره إثر نكبة فلسطين فعاش سنوات في الخيمة في مخيم الرشيدية، قبل أن ينتقل إلى مخيم البص ويقضي حياته هناك حتى رحيله بانتظار العودة.

أنهى الشاعر دراسته الجامعية وحصل على ليسانس في الأدب العربي، وعمل مدرساً للغة العربية في مدارس الاونروا. لم يمنعه عمله من الاستمرار في الكتابة فكان نتاجه غزيراً في الشعر والادب، باختلاف أنواعها، فكتب الشعر الوطني، والغزلي، والرباعيات إضافة إلى النثر.

ففي الشعر نشر أكثر من عشرة دواوين منها، العاصفة، دروب النضال، لأني مثلكم، مينا والسفر الى الدامون، مينا في لحظات الدم، بطاقات حب إلى فردانا، ويبقى الحب وحيداً، في طريقي اليكِ، حبك وأحزان أخرى، متى يا حبيبي تعود، أعمار فردانا. إضافة إلى ثمانية دواوين لم تطبع بعد. وفي النثر له، في ليل العذاب، في بحار الضوء، حبك الذي كان، معاً في كلمات أفكار من وراء الأسوار، أهدي إليك حبي.

كان أبو نزار يؤمن بأن الشعر هو نتاج إنسان يتفاعل مع الأحداث، مع الواقع. وعلى الرغم أنه كان لا يجزم بأن الشعر يمكن أن يغير الواقع لكن باستطاعته أن يفعل، ويجب أن نقيس مدى تأثر الثورات بالشعراء، وتأثير الشعر في التغيرات التي حدثت في المجتمعات الانسانية. وكان يعتبر أن الشاعر الفلسطيني أثّر في الثورة الفلسطينية والانسان الفلسطيني وتأثر بهما. فقد ألهماه صوراً، التقطها الشاعر أو الأديب ونقلها إلى الآخرين. هذه الصور زخرت بها قصائد شاعرنا الراحل، فكان الشعب والثورة، والعودة والشهادة والمخيم، والخيام والتشرد، والنصر، والبطولة، يشكلون زخماً لمادته الشعرية. فيقول في قصيدة قسم من ديوان العاصفة:

الشعب خلفك لا يزال مصمماً... فاضرب، وحطم، وإسحق الأعداءَ... واهدم خيام الذل، إن بقاءنا... رهن التشرد لا يعد بقاءَ... سنسير، لا عدمٌ يضل سيرنا... لِغدِ التحرر ثورة وفداء... لن يرجع القيد الذي حطمته أشلاء... سأظل أعصف، أو تُلمَّ كرامتي... ما عدت أحيا في الوجود هباءَ.

كانت مهمة الشاعر والاديب والمثقف الفلسطيني بالنسبة له هي الحفاظ على الحقوق والتراث والعادات الفلسطينية بكل الأشكال والقوالب الفنية حتى يحافظ عليها من المحاولات الاسرائيلية اليومية لسرقتها. فالمثقف برأيه هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع، والصوت الفلسطيني نحو العالم وذاكرة الأجيال الفلسطينية المتعاقبة.

وكما فعل الشاعر بدر شاكر السياب، فخلَّد قريته "جيكور" من خلال قصيدة، كان للدامون مكان عال بين كلمات قصائد أبو نزار.

ولـ"مينا" حكاية أخرى مع الشاعر الراحل، هذا الإسم الذي كان بوصلة الشاعر، تربع في عناوين دواوينه، "مينا في لحظات الدم" و"مينا والسفر إلى الدامون". و"مينا" التي تكاد لا تغادر شعر الراحل كمال كامل أحمد هي من لحم ودم، وهي ترمز إلى فلسطين في نفسه، فهو عندما يحب مينا، يحب ابنة بلاده وهي التي كانت من أكثر الناس حباً لشعره الوطني، فإذا ما كان يكتب لها غزلاً كانت تطالبه بكتابة شعر وطني، "مينا" هي وطن في صورة انسان.

رحل الشاعر أبو نزار وعينه على المثقف والمبدع الفلسطيني الذي لا يلقى الرعاية من المؤسسات الفلسطينية ورجال الاعمال وأصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين.

رحل وفي قلبه حسرة لأن دكتورة أميركية قامت بتغطية نفقة طباعة ونشر ديوان عن ملحمة جنين بينما لم يفكر أحد من أبناء جلدته بذلك.

رحل الشاعر كمال كامل أحمد وأمنيته أن يكون الناس الذين بيدهم الأمر أن يهتموا بالأدب وأن يجعلوا لفلسطين الأدب والشعر زاوية في أفكارهم وبيوتهم.

                                                                                   طارق حرب