بعد أن اتفقنا على إجراء الانتخابات، واتفقنا على مواعيدها، هناك محطة القاهرة للحوار من أجل وضع النقاط على الحروف، وفي هذه المحطة يأتي السؤال الأهم، وهو سؤال اليوم التالي لإجراء الانتخابات، فهذه الأخيرة ليست هدفا بل ما بعدها هو الهدف. محطة القاهرة يجب أن تعطي الإجابات الواضحة والتفصيلية عما الذي نريده من إجراء الانتخابات، بالتأكيد أننا نريد إعادة الحياة للنظام السياسي الفلسطيني، وتوحيده على أسس ديمقراطية، ولكن الواقع الفلسطيني أكثر تعقيدًا ومتطلباته مختلفة عن أي واقع آخر.

نحن في حالة لا نزال نعيش فيها مرحلة التحرر الوطني، وإنجاز مهمات التحرير، وتحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال، وبالتالي هي مرحلة مقاومة الاحتلال الذي لا يزال جاثمًا على صدورنا، وفي الوقت نفسه نحن في مرحلة بناء الدولة، ونمارس بأننا دولة، ولكن لم تكتمل شروط الدولة، خاصة شرط السيادة لا يزال غائبًا، هذا الواقع الضبابي كان هو أحد أسباب الخلاف والانقسام، أو أنه قد تم استغلاله لإبراز الاختلاف ومن ثم تبرير الانقسام.

من هنا على محطة القاهرة أن تجيب على سؤال، وأن يكون متفقًا عليه وبشكل قاطع، وهو سؤال أي شكل من أشكال المقاومة نريد، لأنه لو قررنا الذهاب إلى شكل المقاومة المسلحة فلا داعي أصلًا لإجراء انتخابات، أما إذا اخترنا المزج بين بناء الدولة، ونظامها السياسي مع المقاومة الشعبية السلمية بهدف دحر الاحتلال وتحقيق هدف الاستقلال، فعلينا أن نتبنى هذا الخيار ونقول للشعب الفلسطيني بوضوح لماذا تم تبني هذا الخيار، وأن أي تعديل يجب أن يتم بالاتفاق، فهو قرار جماعي، وليس قرار فصيل بمفرده.

بهذا المعنى على محطة القاهرة تبني برنامجًا واستراتيجية سياسية لا تقبل التأويل، لأن أي إمكانية للتاويل، وتحت أي حجة، سيكون مدخلا جديدا لانقسام أكثر تعقيدًا. فالمطلوب وضع استراتيجية تقود إلى رفع الحصار عن قطاع غزة وإنهاء انفصاله، ولا تسمح بالمقابل لفرض الحصار على الكل الفلسطيني. في هذه المسألة تحديدًا يجب أن تنتهي النزعة لدى كافة الأطراف. والتي يعتقد فيها أي طرف، على سبيل المثال، أن قطاع غزة في جيبه ويريد في الوقت نفسه أن يكون شريكا في الضفة، والعكس صحيح، فالانتخابات بالضرورة أن تقود لأنها الانقسام وليس إعطاءه أية شرعية.

ولأننا نعيش ضمن واقع معقد ومختلف، فإن تحقيق الوحدة عبر تأسيس شراكة لمرحلة ما بعد الانتخابات، فنحن لسنا دولة مستقلة، ليكون الهدف الوحيد للانتخابات هو التداول السلمي للسلطة. فهذا الهدف على أهميته الحاسمة، فإنه في الواقع الفلسطيني نحتاج إلى مرحلة انتقالية من الشراكة لنكون جاهزين تماما لهذا التداول. لذلك نحن بحاجة لمعالجة مسؤولة وصياغة مرحلة انتقالية قد تحتاج إلى أكثر من جولة انتخابات، ليصبح التداول السلمي أمرًا يتم احترامه وتنفيذه من دون أية مشاكل.

وما يريده شعبنا الفلسطيني من محطة القاهرة هو ألا تؤدي بنا الانتخابات إلى واقع قد جربناه في عام 2006. عندما فازت حماس بالأغلبية، وقابلها المجتمع الدولي بشروط الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف، والموافقة على الاتفاقيات الموقعة. من هنا تأتي أهمية بناء شراكة تحدد فيها الأدوار بوضوح، وألا تكون أهدافنا محصورة بتحقيق مصالح حزبية على حساب المصلحة الوطنية، ومصالح الشعب الفلسطيني.

سؤال اليوم التالي للانتخابات وإلى أي واقع ستقودنا هذه الانتخابات هو الأساس، فاليوم التالي بالضرورة أن يأخذنا نحو مستقبل أفضل. وليس نحو أزمات أعمق. تجديد شرعية النظام السياسي هو أمر في غاية الأهمية، ولكن ما يريده المواطن الفلسطيني أيضًا هو حياة أفضل وواقع سياسي أفضل يقربه من لحظة الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، ومن لحظة الحرية الحقيقية، يريد إلى جانب الحرية ازدهارًا اقتصاديًا وليس مزيدًا من الفقر والبطالة.