أن يلبس بنيامين نتنياهو جلد الحمل فهذا فعل مخادع لإخفاء طبيعته الاستكبارية وعقليته الاستعمارية، فحيله قد تنطلي على السذج، فهذا الذي ربط مصيره بمصير الهابط إلى قعر السياسة دونالد ترامب يظن أنه قادر على كسر عنق الحقيقة، واستغباء أكثر من مئة وأربعين دولة في العالم أقرت بأن الأراضي المحتلة منذ الخامس من حزيران عام 1967 هي أراضي دولة فلسطين بما فيها القدس الشرقية، وأن المستوطنات اليهودية فيها لا شرعية ولا قانونية بحكم القانون الدولي، حتى وإن كانت عائلة ترامب وسفيره فريدمان وكل المستشارين في البيت الأبيض والخارجية سيمنحونه كل يوم توقيعًا على شهادة مخالفة لمواثيق الشرعية الدولية.

يساوي نتنياهو بين المستوطنين والمواطنين الفلسطينيين العرب في مدن وقرى فلسطين التاريخية كالناصرة ويافا وحيفا والجليل وغيرها، فبدا كالواقف على رجل واحدة على حبل مشدود على عمود المصالح الاستعمارية الكبرى من ناحية، وعمود الخرافات والأساطير المسماة زورًا وبهتانًا بالدينية من الناحية الأخرى، واقف ومتأرجح ويحاول في الوقت نفسه مصارعة التاريخ، فهذا الرجل مهووس بالضربات القاضية دونما اعتبار للقوانين التي أثبتت استحالة الوصول إلى لحظة توازن تمكن أصحاب المفاهيم المعادية للانسانية من تحقيق أهدافها!

 قد يحتاج نتنياهو المشغول باعداد خطط (الهجوم المعاكس) على رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة التحرر الفلسطينية أبو مازن إلى من يقرأ له ولو صفحة واحدة من تاريخ فلسطين الإنسان الفلسطيني وجغرافية أرضنا المقدسة، وصفحة أخرى من كتاب الاستعمار والحروب الدينية والعرقية والجرائم العنصرية وضد الإنسانية، فلعله يقتنع بفشل الرهان على القوة والاستكبار وسياسة فرض الأمر الواقع، فينسحب، ويجنب المنطقة بما فيها إسرائيل حريقًا إضافيًا ونوعيًا أيضًا نظرًا لخصوصية فلسطين وقضيتها. فقبل إسرائيل استعمرت دول ذات جذور حضارية، ومنابع قوة ذاتية اعظم من إسرائيل، إلا أنها لم تترك على هذه الأرض إلا آثارًا عمرانية رغم أن موجاتها الاستعمارية كانت مسبوقة بدعايات ومبررات دينية وتاريخية لاحتلال واستيطان فلسطين وأقطار في الوطن العربي، كما فعلت الحركة الصهيونية ويفعل ورثتها من المستوطنين واليمين المتطرف.

 يدرك نتنياهو جيدًا أن الرئيس محمود عباس أبو مازن قد وضع ملف دولة إسرائيل على طاولة الجنائية الدولية، عندما قدمت القيادة الفلسطينية ملف الاستيطان كجريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، لمحكمة الجنايات الدولية، فالمستوطنات لم تبن على المريخ ولا على جزر مهجورة في المحيطات، وإنما بنيت على اراض يملكها فلسطينيون، وأخرى حكومية تملكها دولة فلسطين، وتم تهجير أصحاب هذه الأراضي بعمليات (إرهاب دولة) مخططة ومبرمجة، بدأت مع مرور جنزير أول دبابة لجيش الاحتلال على أراضي دولة فلسطين في العام 1967 واستمرت حتى وإن كان المنفذ بعد ذلك بلباس مدني يدعى في وسائل الاعلام (بالمستوطن) فالتطهير العرقي والقتل المدفوع بمنهج عنصري بدأ مع زحف جيش الاحتلال، وما زال مستمرا بغطاء من قيادته، وبقرارات من حكومته وبقوانين برلمانه الكنيست.

يعبث نتنياهو في استقرار وأمن المنطقة، وتحديدًا في فلسطين، حيث وضع الرئيس محمود عباس الذي نال احترام شعوب وقادة دول العالم، حجر الأساس لمنارة السلام، ليس كمبنى، وانما كمعنى وثقافة تتوارثها الأجيال العاقلة، القادرة على حل صراعاتها ومشاكلها بالحوار والاعتراف بحق كل ذي حق في الحياة أولًا والكرامة والحرية والاستقلال والسيادة، فنتنياهو يعرف جيدًا أن انتصار عقلية رئيس السلام الفلسطيني يعني بالمقابل تحرير عقلية دول وحكومات وشعوب ذات مكانة مهمة جدا في الحفاظ على توازن العالم، تحريرها من زيف وخداع دعايته المرتكزة على قاعدة الاحتلال والاستيطان والتطهير والقتل المدفوع بتعاميم عنصرية ودينية ايضا، كما يعني انتصار عقلية السلام بالنسبة لنتنياهو وائتلافه المتهور انزياح القناع عن وجه (اله الحرب) الذي يتبعون ويعبدون وينتهكون باسم الديمقراطية حقوق الإنسان.. ويكفرون علنا بشريعة وقوانين الأمم الحضارية المسالمة.