نعيش في فلسطين حالة صعبة وحرجة بوجهيها الصحي والاقتصادي، حيث هاجمتنا جائحة الكورونا وأرهقتنا وتكاد تعطل مفاصل حياتنا، وفي الوقت نفسه تترك آثارًا اقتصادية لا يستهان بخطورتها على مستقبل فلسطين الاقتصادي الذي عملت القيادة السياسية على رفع علامات استشراف، ونظم الخطط والبرامج لتجسيده وفق الرؤية الشاملة للمشروع الوطني. 

قبل حوالي عشرين شهرًا تصدى الدكتور محمد اشتية لمهمة رفع قواعد الاقتصاد الوطني منذ اليوم الأول لتسلمه مهمة رئاسة مجلس الوزراء، وعندما أدى القسم لم يكن العالم يعرف شيئًا عن وباء الكورونا، الذي تم نشره في بلادنا كعملية نشر الاستيطان الاحتلالي، خاصة بعد نجاح الحكومة في تطويقه ومنعه من التوسع والاجتياح، وواجهت الحكومة التي رئِسها صعوبات وعراقيل ومتغيرات مفاجئة ما كان ممكنا لرئيس وزراء فلسطيني الاستمرار بالمهمة وبأقل الخسائر لو لم يكن أكاديميًا خبيرًا متخصصًا جعلته سياسيًا ورجل دولة من الطراز الرفيع والمتقدم. 

ربما لا يعرف عامة الجمهور الفلسطيني بعضًا مهما عن شخصية المناضل الدكتور محمد اشتية، ونحن نطلق عليه هذه التسمية، لأنها – حسب منظورنا كمناضلين في حركة تحرر وطنية، فإن هذا مسمى المناضل رئيس مجلس الوزراء يليق بمن استطاع حتى اللحظة إبقاء قطار الحكومة على سكته وفي الاتجاه الصحيح رغم ألغام الاحتلال الإسرائيلي المرئية وتفجيراتها العلنية وكذلك  المخفية  التي تزامنت مع هجمات الرئيس الأميركي الحالي العنصري دونالد ترامب السياسية وتشديد حصاره المالي والاقتصادي على السلطة الوطنية الفلسطينية، فالمناضل اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح يحمل شهادة الدكتوراه في التنمية الاقتصادية من جامعة ساسكس البريطانية، وكان رئيسًا للمجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)،  ووزيرًا للأشغال العامة والإسكان  ومن قبل عميدا في جامعة بيرزيت، وله مؤلفاته في المجالين الاقتصادي والسياسي، والمهم جدًا أنه كان عضوًا في الوفد الفلسطيني المفاوض مع الجانب الإسرائيلي في مفاوضات مدريد ومباحثات واشنطن والمفاوضات الاقتصادية ما سهل له معرفة عقلية سلطة الاحتلال تجاه مشروعنا الاقتصادي ضمن عملية بناء مشروعنا الوطني  قبل أن يستقيل من الوفد قبل سبع سنوات من اليوم. 

يمتلك الدكتور اشتية خبرة واسعة بالإقليم فقد رأس وفد فلسطين للمفاوضات المتعددة الأطراف المتعلقة بالتعاون الاقتصادي الإقليمي (REDWG) والتي تتناول موضوعات: التجارة والمالية والبنية التحتية والسياحة في منطقة الشرق الأوسط، فعمل مبكرًا على تهيئة مكانة لفلسطين على الخارطة الإقليمية ضمن دائرة الرؤيا الإقليمية في الاقتصاد، التجارة، المالية، البنية التحتية، المياه والعلوم والتكنولوجيا إضافة إلى رئاسة لجنة السياحة وتأسيسه "المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية". وهو مؤسسة للعصف الفكري تهتم بدراسات وأبحاث حول الشرق الأوسط. كما ساهم بوضع رؤى تطويرية وتدريبية للعديد من الدول العربية المستفيدة من برامج المعهد العربي للتخطيط /الكويت بحكم عضويته في مجلس أمنائه، وشارك في مجلس الاجتماعات الدورية لمجلس الحكماء الدولي الذي كان يترأسه المناضل نيلسون مانديلا – رحمه الله - ونعتقد أن كل مواطن فلسطيني سيكون فخورا بعضوية الدكتور اشتية  منذ العام عام 2002 في مؤسسة الإبداع العالمي التي معظم أعضائها حائزون على جوائز نوبل للسلام  وتعنى بالتعاون الاقتصادي العلمي. 

نعتقد ونحن بكامل وعينا السياسي وإدراكنا وبما نلمسه بحواسنا، وبما نعرفه جيدا عن شخصية  الدكتور أننا نمتلك فرصة ذهبية للشفاء من بعض أمراضنا الاقتصادية المستعصية، إذا ما اتبعنا تعليمات ونصائح الدكتور في السياسة والاقتصاد صاحب الخبرات التي ذكرناها، فالرجل يعمل وفق منهج علمي في واقع تكاد تكون فيه فرص النجاة والنجاح أقرب للمستحيل، خاصة مع تلازم الجائحتين الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الترامبي المزدوج من جهة، والكورونا القاتلة بلا رصاص ولا قذائف، والمعطلة لعجلة الاقتصاد، فقيادة حكومة السلطة الوطنية تمضي بما يمكن وصفه بإعجاز في ظروف ووقائع لا تخفى خطورتها على مواطن فلسطيني في الوطن، أو حتى ممن يتابعون أخبار فلسطين المحتلة من خارج الوطن، ونعتقد في هذه اللحظة بوجوب وقوفنا مع وإلى جانب الدكتور الذي يمتلك - بفضل خبرته النظرية والعملية – إمكانية نقلنا من حافة التشاؤم الى قلب الأمل، ليس هذا وحسب، بل الوقوف ضد محاولات اغتيال هذه (الفرصة) التي يعمل عليها جيش الطابور الخامس المنشور وفق منهج استخباراتي معاد بين شرائح المجتمع، فأعداء المشروع الوطني الفلسطيني معنيون بانهياره، ويتصيدون أخطاء هنا أو هناك، فيبثون الإشاعات، وروح الإحباط  لدى المواطنين، لأن مستخدميهم هدفوا لمنع نجاح تجربة عقل فلسطيني ريادي قيادي يتمتع بمكانة وطنية وإقليمية ودولية. 

إن التزامنا بتوجيهات وقرارات الحكومة حتى وصولنا إلى بر الأمان، وترك فايروس الكورونا خلفنا مدمرًا سبيلنا الذي لابد منه للانتقال إلى مرحلة حصد ثمار التخطيط العلمي والعقلاني، والبرامج الاقتصادية التي أعلنها رئيس الحكومة  الدكتور اشتية بعد توليه المهمة، ونعتقد في هذا السياق أن مسؤولية إيصال المواطنين إلى بر الأمان في هذه المرحلة بالذات، أو إلى الهبوط في انتكاسة صحية واقتصادية ستقع على عاتق كل مواطن في البلد بغض النظر عن موقعه، فنحن نشهد تراجعا في المنظومتين الصحية والاقتصادية في دول عظمى حتى، رغم امتلاكها لثروات وأرصدة بآلاف المليارات في خزائنها، أما نحن فليس أمامنا إلا العمل بلا كلل ولا ملل بعقلية الانتماء والالتزام... فلنعمل مع الدكتور المناضل إن أردنا حقًا المستقبل والأمان، فهو يكتب وصفته بقلم العلم والمحبة.