عندما يبكي الرجال في غزة يكون قهرهم وصل الحد الذي لم يعد يطيقهُ صبر الرجال، فالصور التي نراها كل يوم منذ أن بدأت حرب الإبادة في غزة تُبكي الصخر، فكيف بحال الآباء وهم يودعون فلذات أكبادهم، ويصرخون يا الله أنقذنا من هذا الجحيم.

كلما جاءت صورة من غزة فتحت بابًا للوجع، وكلما رأينا صبر الناس الذي عجز عن صبرهم الصبر، قلنا يا الله متى تنتهي هذه المقتلة؛ ومتى تتوقف هذه الإبادة؟ وفي الوقت الذي تخرج فيه التصريحات بالاتفاق حول الهدنة والصفقة، تزداد رغبة الاحتلال بالقتل، وترتفع عمليات القصف والتدمير، وهو بذلك يصرّ على مواصلة الإبادة حتى اللحظات الأخيرة، قبل البدء بسريان الاتفاق، كما لو أنه لم يشبع من دم الأطفال والنساء طوال أيام وأشهر الإبادة، فيزداد منسوب الألم والوجع وتتسع رقعة الخراب.

آباء وأمهات وجدات وأجداد ونساء ثكلى ورجال صبروا حتى عجز الصبر عن صبرهم، طيلة أيام الحرب وقد ضاقت بهم الأرض وحاصرهم العدو والصديق، فبكوا قهرًا وقد ضاقت بهم سُبل النجاة والحفاظ على أرواح أنجبوها لتحيا، لكن الحرب جاءت لتقتلهم ظلمًا وإبادة. عائلات بكاملها لم تعد موجودة في غزة، مسحت بالكامل من السجلات، وويلات لا تعد ولا تحصى، وتجيء التقارير الدولية لتقول، أن الإحصائيات المنشورة ليست هي الأعداد الحقيقة، بل إن الأعداد تفوق الأرقام المعلنة، فآلاف الضحايا سقطوا ولم يسجلوا ضمن قوائم وزارة الصحة، ودفنوا تحت أنقاض بيوتهم المدمرة، والكشف عن ذلك يلزمه الوقت، بعد أن تتوقف هذه الحرب. 

مشاهد تُبكي الصخر تنقلها الصور القادمة من غزة كل دقيقة، لأطفال استشهدوا أو أصيبوا من دون ذنب، وآباءٍ لم يكن باستطاعتهم حماية الأبناء والأحفاد من هول الإبادة، فرأينا دموعًا تنهمر، وسمعنا صرخات العجز والضعف، مثل نحيب متواصل بكلمات حفرت مكانها واحتلت الذاكرة.

مشاهد من دم ووجع وسط واقع عصيب، وأيام ثقال على الناس الذين يعيشون أهوال الإبادة المستمرة منذ 467 يومًا، وبين قتل وموت وخراب ودمار، يواصل الناس في غزة البقاء على قيد الحياة ما استطاعوا إليها سبيلا، فليس هناك أصعب من الأهوال التي مرت على الناس في غزة، ولا أقسى من الوجع الذي يصيبهم.