بمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين لمجزرة صبرا وشاتيلا، كانت كلمة لسعادة سفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور، خلال الاحتفال التأبيني عند النصب التذكاري لشهداء المجزرة في بيروت. 

وجاء فيها: "أبدأ وإياكم بتلاوة سورة الفاتحة على أرواح هؤلاء الشهداء، ويستحق منا إخوتنا الموجودون في هذه البقعة المباركة أن يكون لهم صرحٌ يليق بمن ظُلموا على يد العدو الصهيوني وعملائه، وسنعمل معـًا من أجل بناء هذا الصرح إن شاء الله.

كلنا نعرف تمامًا ما هي الظروف التي واكبت العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام ١٩٨٢، حيثُ وُوجِهَ هذا العدوان بمقاومة بطولية شرسة من قبل القوات الفلسطينية اللبنانية المشتركة والشعب الفلسطيني واللبناني، والذي أذاق هذا العدوان المر من خلال صموده وبطولاته، وكلنا لا ينسى بالتأكيد أطفال الـ"آر بي جي" في الرشيدية ومعركة الكرامة والمعارك الكثيرة التي سطر فيها أبناؤنا أروع البطولات إلى أن استطاعت القوات الإسرائيلية محاصرة هذه المدينة الباسلة، وهي أول عاصمة عربية تُحاصَر من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي بعد القدس واستمر الحصار ٨٨ يومًا. 

هذا الحصار الذي لم تستطع كل آلات الجيش الإسرائيلي أن تتقدم مترًا واحدًا داخل العاصمة بيروت، حيثُ دافع أبناؤها عنها بشراسة وصمود وأذاقوا العدو معنى النصر والهزيمة وكيف يقاتل الإنسان مقتنعًا بحقه في وطنه وحقه المسلوب.

طال القتال لمدة ٨٨ يومًا والكل يعلم كيفية حصول المعركة وكيفية الضغط الذي مورس لإخضاع المدافعين عن هذه العاصمة الأبية بيروت العصية على الكسر.

وكان فيليب حبيب يتحرك ذهابًا وإيابًا بطروحات ومقترحات كان الهدف منها إخراج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان بعد المعارك البطولية التي خاضتها في الجنوب اللبناني على مر السنوات الماضية التي سبقت الاجتياح، وإلى أن قبلت منظمة التحرير الفلسطينية حينها بمبدأ التفاوض حول كيفية إيجاد مخرج لهذه العملية، حيثُ أصر الإسرائيليون في البداية عن طريق فيليب حبيب أن يخرج الفلسطينيون رافعي الأعلام البيضاء وبدون سلاح إلا أنّ صمود الفدائين وإصرارهم أفشل هذا المطلب إلى أن تم الاتفاق على أن تخرج قوات منظمة التحرير الفلسطينية وأن تأتي قوات متعددة الجنسيات لمراقبة كيفية الخروج وقالها القائد الرمز ياسر عرفات: (لبنان بالتأكيد عزيز على قلوبنا، وهو وطن مدينة الصمود البطولة والمقاومة في وجه العدو الصهيوني، ولو كانت بيروت عاصمةً فلسطينية لما خرجت منها). 

وخرجت قوات الثورة الفلسطينية من لبنان ودخلت القوات متعددة الجنسيات، وفجأة انسحبت هذه القوات وحضر شارون بنفسه إلى مبنى قريب من هنا، وعاين هذا المكان الذي يحتوي على هؤلاء الابطال الفلسطينيين واللبنانيين الذين بقوا هنا في لبنان بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية، وأراد من تلك المجزرة التي خطط لها جيّدًا أن يكسر إرادة وعزيمة الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني والقوات المشتركة والأمة العربية بأكملها عبر هذه المجزرة الرهيبة التي ارتكبها في هذين المخيمين على مدار 3 أيام وبغطاء كامل من جيشه.

 إلا أن الشعوب لا تموت والشعوب لا تكسر إرادتها ومن أراد أن يكسر إرادة هذا الشعب وجد أنَّ هذا الشعب أخرج وأفرز مقاومةً استطاعت أن تخرج الجيش الإسرائيلي من كل لبنان، واستطاعت أن تحرّر هذا الوطن العربي العزيز الغالي على قلوبنا جميعًا.

في مثل هذه الأيام كانت المجزرة، ويا للأسف نشهد في مثل هذه الأيام الاتفاقيات والتوقيع وما نراه آسفين على أن تصل الحالة في وطننا العربي إلى هذه الدرجة. 

لن أطيل عليكم، ولكن نقول هنا للذين نقف أمامهم بإجلال وإكرام السلام عليكم، السلام على الذين أزهقت أرواحهم غدرًا في عتمة الليل، السلام على الأبرياء الآمنين الذين ارتقوا على يد الحاقدين، دماؤكم كانت محاولة لكسر الإرادة لكنها فجرت مقاومة دحرت قوات الغاصب.

ونحن نحيي ذكرى الألم تتصاعد علينا الهجمة العدوانيه الأمريكية الصهيونية بأهدافها المرئية وغير المرئية والساعية إلى إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني وإنهاء الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية والتحرير، من خلال ما نراه من خطوات لتطبيق صفقة القرن بعد عجزهم عن تنفيذها راحوا يلتفون عليها بطرق أخرى في محاولة لتطبيقها ولكن خسئوا.

إن محاولة إقامة علاقات جديدة مع دول وأنظمة عربية هو انتهاك صارخ لقرارات القمم العربية التي أقرت قرارات يتم خرقها، وبانخراط هذه الأنظمة في تحالفات سياسية اقتصادية وأمنية تغير طابع ووجه المنطقة وتنشر ثقافة التبعية والالتحاق بالمشروع الصهيوأمريكي والسير في استراتيجيات تخالف طموحات وآمال الشعوب العربية.

في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة وفي هذا الزمن الرديء نقف موحدين تجمعنا قضيتنا العادلة معاهدين البقاء على عهد الشهداء وصدق الانتماء مستندين على وحدة وطنية سنكرسها في الاستمرار في المقاومة والتضحية التي لا تنتهي إلا بإنجاز حريتنا باستقلالنا الوطني وحقنا الأزلي غير القابل للتصرف، وستبقى فلسطين بتاريخها ومقدساتها ونضال شعبها أكبر من كل خوان.

والتحية إلى إخوتنا في لجنة كي لا ننسى والذين لم يستطعيوا أن يكونوا بيننا في هذه المناسبة بسبب الظروف التي نعيشها في هذا العالم وبسبب جائحة "كورونا" نبرق لهم تحيه إجلال وإكبار من هؤلاء الأطفال أبناء الشهداء الذين يصرون على أن يكونوا موجدين دائمًا في هذا المكان ليقولوا للعالم أجمع بأنَّ شبلاً أو زهرةً سترفع علم فلسطين فوق كنائس ومآذن القدس كما قال الشهيد الرمز أبو عمار.

اسمحوا لي أن أشكر الباكستان ورئيس وزرائها الذي قال بالأمس بأنه لن يكون اعتراف باكستاني بهذه الدولة الصهيونية طالما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه. وإنها لثورة حتى النصر، وإنها لمقاومة حتى النصر".