من دون أن نطمئن أو ننخدع بالبلبلة الجارية في إسرائيل بشأن موضوع الضم، فقد آن الأوان لأن نشكر كل الدول والحكومات والقوى والأحزاب في العالم التي انحازت إلى منطق الحق والعدل، إلى مبدأ احترام القانون الدولي.

من دون شك أن هذه المواقف ما كانت لتتشكل على هذا النحو الحازم لولا الموقف الفلسطيني الصلب، وبالتحديد موقف الرئيس محمود عباس وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والالتفاف الشعبي الكامل حول هذا الموقف.

ولا يمكن أن يفوتنا هنا أن اشمئزاز العالم من جنون الرئيس الأميركي ترامب قد لعب دورًا مهمًا في تشكيل هذا الإجماع الدولي ضد صفقة القرن وخطة الضم، فالعالم وبقدر غاية الشعب الفلسطيني يريد أن يضع حدا لانتهاكات ترامب للقانون الدولي، واستخفافه بأعراف العلاقات الدولية.

لقد ختم رئيس الوزراء البريطاني جونسون هذه المواقف بالمقال الذي نشره أمس في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، وقال كلاما بمنتهى الوضوح إن بريطانيا لن تعترف بأي ضم إسرائيلي للأرض الفلسطينية لأنه انتهاك للقانون الدولي.

 لهذا الموقف أهمية معنوية ورمزية، لأن بريطانيا هي صاحبة وعد بلفور، الذي جعل من فلسطين "وطنًا قوميًا للشعب اليهودي"، وهي من التزم بتنفيذه حتى أقيمت إسرائيل عام 1948. كما أن هناك أهمية لتوقيت نشر المقال، في اليوم الذي أعلنه نتنياهو يوما للضم، الأمر الذي يتضمن نوعًا من الإنذار، وهو إنذار باسم المجتمع الدولي يأتي من أصحاب وعد بلفور.

الشكر بالأساس إلى الاتحاد الأوروبي، الذي كان لموقفه الحاسم من الضم وصفقة القرن أهمية كبرى في تشكل الموقف الدولي عمومًا. والموقف الأوروبي أيضا جاء ما يشبه الإنذار ليس لإسرائيل نتنياهو فقط، بل لواشنطن ترامب أيضًا.

وهناك بالطبع الدول التي تدعم تقليديا القضية الفلسطينية مثل الصين وروسيا ودول آسيا وأفريقيا  وعدم الانحياز، والدول العربية والإسلامية.

ولعل التطور الأهم بهذا الشأن، هو موقف الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية، وبعض أوساط الحزب الجمهوري، الذين أعلنوا مواقف واضحة ضد الضم وحتى ضد صفقة ترامب. هذا التطور يحدث للمرة الأولى، أن تصدر مواقف علنية ضد السياسات الإسرائيلية، فالكثيرون في أميركا شعروا بالضيق من حلف ترامب - نتنياهو، ومن تدخل هذا الأخير بالشؤون الداخلية، وبشكل وقح  لصالح ترامب.

هذا الحراك، وهذه المواقف الدولية لن تكون فعالة على المدى الطويل إذا لم تقترن بعمل جدي على الأرض، سواء كان بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً بموجب المبادرة العربية والقرار 194. كما لن تلجم هذه المواقف إسرائيل، إذا لم تقرن بعقوبات، فما دام المجتمع الدولي يتعامل مع دولة الاحتلال بأنها دولة فوق القانون، فإنها ستتمادى في انتهاك القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وستواصل ارتكابها لجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني  الأعزل.

وبالرغم من كل ذلك، فإن حجر الزاوية سيبقى الموقف والصمود الفلسطيني، وبقدر ما يكون هذا الموقف صلبًا وموحدًا، سيؤسس لموقف عربي ودولي أقوى. وفي هذا المجال على كل المراهنين من الداخل الفلسطيني على الأجندات الخارجية، أن يتوقفوا عن ذلك. كما أن الانخراط  بالمحاور والأزمات الاقليمية من شأنه هدر طاقاتنا وحرف البوصلة عن القضية الأساس في المنطقة وهي القضية الفلسطينية، فبوحدتنا وبصمودنا ومقاومتنا للاحتلال يمكن أن نغير المعادلات ونقلب الطاولة على ترامب ونتنياهو.