القيادة والحكومة لعبتا دورًا مهما في الحد من انتشار الكورونا في أراضي دولة فلسطين المحتلة في حزيران 1967. وكان لفرض قانون الطوارئ مطلع شهر آذار/ مارس الماضي، وتجديده مع مطلع نيسان/ إبريل الحالي دور مهم في السيطرة النسبية على الوضع، رغم عسر وضيق اليد والإمكانات، إلا أن الرئيس محمود عباس لم يتردد في اتخاذ القرار، ووجه الحكومة لوضع السياسات والآليات لحماية الشعب والمصالح الوطنية، لا سيما أن الإنسان يعتبر أهم وأعظم رأس مال لدى الشعب الفلسطيني.

وإنصافًا للحكومة ورئيسها د. محمد اشتية، يعتقد كل مراقب موضوعي، أنها قامت بدورها الإيجابي من خلال استخدامها الأمثل بمعايير ما هو موجود ومتوفر باليد لأدواتها المختلفة الصحية والأمنية والاقتصادية والمالية والإعلامية والاتصالات، وتمكنت من تقليل حجم المصابين بفايروس "كوفيد 19" في أوساط الشعب.

لكن هناك معضلة أساسية لا تستطيع القيادة السياسية ولا حكومتها الرشيدة تجاوزها أو التغاضي عنها، أو عدم تسليط الضوء عليها، باعتبارها نقطة الضعف الأساسية، والتي تشكل تهديدًا وخطرًا محدقًا بالشعب في كل المحافظات في جناحي الوطن بما في ذلك القدس الشرقية، وهذه المعضلة، أو الخاصرة الرخوة في جدار التحدي الفلسطيني لمواجهة الوباء العالمي، يتمثل في الاستعمار الإسرائيلي، الذي يعتبر وجوده بِحد ذاته على الأرض الفلسطينية خطرًا داهمًا سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا وتربويًا وصحيًا، لماذا؟ وكيف؟ أولاً لأنه جاثم على الأرض، ويحول دون حرية الحرية والسيطرة على الأرض والسكان والمصالح الوطنية، ويحد من قدرة الأجهزة الطبية والأمنية وغيرها من تأدية مهامها كما يجب، ووفق معايير منظمة الصحة العالمية؛ ثانيًا وجود المستعمرات الإسرائيلية فوق الأرض وتداخلها بين المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية يساهم في انتشار الوباء بشكل أسرع في الأوساط الفلسطينية، خاصة وأن غالبية أولئك المستعمرين من الحريديم، الذين لا يراعون شروط السلامة الشخصية والعامة، وينتشر وباء الكورونا في صفوفهم بِأعدادٍ كبيرة، وحدث ولا حرج بِالنسبة لأبناء الشعب الفلسطيني في العاصمة الأبدية، القدس حيث تكون نسبة التداخل عالية جدًا، وتترك آثارا مباشرة وفورية على المواطنين الفلسطينيين؛ ثالثًا كما أن انتشار قوات الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية أيضًا من عوامل انتقال الفايروس بِشكلٍ سريع. الجميع يتذكر الشريط الذي تم تصويره لمجموعة من الجنود المستعمرين، وهم يقومون في ساعات الليل بالبصق على السيارات الفلسطينية بِهدف تلويثها بالفايروس التاجي؛ رابعا العمال الفلسطينيين، الذين يعملون في المستعمرات الإسرائيلية وداخل أراضي الـ48، فهؤلاء أيضًا يشكلون حاملاً للوباء لأكثر من اعتبار، منها :
أولاً الاختلاط مع الاسرائيليين في العمل؛ ثانيًا عدم تأمين الحماية الصحية لهم، لا يتم منحهم كمامات وكفوف ولا المطهرات الكحولية، ولا يتم فحصهم عند المغادرة ولا عند العودة للعمل؛ ثالثًا حتى من تمت الموافقة على نومهم داخل أماكن عملهم، لم يتم تأمين أماكن منامة مناسبة وصحية لهم، وبالتالي يساهموا من حيث لا يعتقدوا بنقل العدوى بسرعة بين ذويهم وأصدقائهم ومعارفهم؛ رابعًا حتى التجار وأصحاب المصالح الاقتصادية بتعاملهم مع نظرائهم الإسرائيليين في الموانئ والبنوك والمؤسسات ذات الاختصاص لاعتبارات تتعلق  بمصالحهم، أيضًا يشكلون عاملاً مساعدًا في نقل الفايروس الجائحة.. إلخ.

كل هذه العوامل وغيرها تشكل خطرًا وتهديدًا حقيقيًا بانتشار الفايروس الوبائي. وهذه العوامل لا تخضع لسيطرة السلطة الوطنية، وهي تتبع دولة الاستعمار الإسرائيلية. وعليه فإن وجود الاستعمار على الأرض الفلسطينية، فضلاً عن أنه وباء خطير يهدد حياة الإنسان الفلسطيني على مدار الساعة نتاج جرائمه وانتهاكاته اللاإنسانية لحياتهم ومصالحهم، غير أنه أيضًا يعتبر حاملاً متحركًا للوباء الكوروني، ويثقل على حياة الشعب الفلسطيني. الأمر الذي يتطلب من دول العالم قاطبة، والأقطاب الدولية الرئيسية الضغط على حكومة إسرائيل على أقل تقدير الخروج من المدن الفلسطينية، وعدم العودة لها حتى تتم السيطرة على الوباء؛ وإلغاء التقسيمات المعروفة (A وB وC) واعتبار كل الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967 وفي مقدمتها القدس الشرقية وحدة إدارية وسياسية وأمنية واحدة، وتتبع أمنيًا وإداريًا واقتصاديًا وسياسيًا للسلطة الفلسطينية وحكومتها الشرعية كخطوة على طريق الانسحاب الكامل والناجز من الأرض الفلسطينية وبلوغ الحل السياسي الكفيل بوضع ركائز تسوية سياسية ممكنة ومقبولة باستقلال وسيادة دولة فلسطين على أراضيها. دون ذلك ستبقى الأرض والشعب الفلسطيني بِشكلٍ يومي ودائم عرضة لانتشار كل الأوبئة وفي مقدمتها وباء كورونا.