كما كل عام منذ 44 عامًا، يُحيي الفلسطينيون ذكرى "يوم الأرض" في الداخل والشتات. وتعدّ هذه الذكرى واحدةً من أكثر المناسبات المركزية رسوخًا في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني، لأنّها تأتي في صميم ثوابت القضية الفلسطينية المُطالِبة بتحرير الأراضي التي تمَّت مصادرتها من قِبَل العدو الصهيوني.


ولا يقتصر إحياء ذكرى يوم الأرض على المناسبات الخطابية في الداخل والشتات، إنّما يتعدّاها لزراعة الزيتون في مختلف الأراضي الفلسطينية واستصلاح الأراضي، بخاصّة في المناطق المهدّدة بالمصادرة من قِبَل العدو الصهيوني.

إحياء الذكرى الـ44 في العالم الافتراضي
يحيي الفلسطينيون ذكرى يوم الأرض هذا العام بطريقة مختلفة كليًّا عن الأعوام الـ44 السابقة، ويعود ذلك إلى اجتياح فيروس (كوفيد-19) للعالم بأسره، وتهديده حياة الملايين من البشر، ما دفع بلجان المتابعة للقضية الفلسطينية في العالمين العربي والإسلامي إلى التفاعل مع هذه الذكرى والدعوة إلى إحيائها رقميًّا ومن المنازل، حفاظًا على سلامة الجماهير.
وما إن بدأ فجر 30 آذار بالبزوغ حتّى تداعى العشرات من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إحياء الذكرى افتراضيًّا، من خلال التعليقات والصور والمنشورات والفيديوهات، التي تؤيّد حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه من الاحتلال، وتكشف الحقد الصهيوني الدفين على الشعب الفلسطيني.
وفي زمن الأوبئة والحَجْر المنزلي، كان لا بدّ للناشطين من إحياء الذكرى بفعاليات إلكترونية ومن على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، إذ دعوا إلى تظاهرة رقمية في الساعة الخامسة عصرًا بتوقيت القدس المحتلة على أن يرافقها النشيد الوطني الفلسطيني ورفع الأعلام الفلسطينية على شرفات المنازل وأسطحها ونوافذها. ودعا الناشطون المؤيّدين للقضية الفلسطينية إلى توحيد صور الـ"بروفايل" الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى إضاءة شمعة رقمية تخليدًا لذكرى الشهداء الذين سقطوا أثناء دفاعهم عن الأرض الفلسطينية المقدسة.
من جهتها، وحرصًا على السلامة العامة في مخيّمات المنطقة، فقد أصدرت قيادة حركة "فتح" في بيروت تعميمًا لأهالي مخيّمات بيروت ولكوادر الحركة وعناصرها بضرورة الاكتفاء برفع عَلم فلسطين في البيوت وعلى الشرفات والأسطح وعند مداخل مكاتب الحركة.

تحدّي الاحتلال في ذكرى يوم الأرض
فعاليات يوم الأرض، وإن كان الغالبية قد أحيوها افتراضيًّا، فإنّ العديد من أصحاب الأرض رفضوا أن تمرَّ هذه الذكرى من دون المشاركة الفعلية والحقيقية من على أرض فلسطين، فكانت مبادرة من بعض الناشطين بالتوجّه إلى مدافن الشهداء ووضع أكاليل من الزهر على أضرحتهم في عدد من المناطق الفلسطينية في سخنين والطيبة وعرّابة وكفر كنّا، وهو ما يشكّل تحدّيًا واضحًا للاحتلال الصهيوني الذي يستغلّ فترة انتشار الوباء لمتابعة أجندته الاستيطانية.
أجندة الاستيطان هذه التي لم يوقفها وباء (كوفيد-19)، يواجهها الفلسطينيون اليوم بجميع أشكال المقاومة الافتراضية والواقعية والأرقام التوثيقية، ففي أوج انتشار الوباء، كان الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء يتحضّر لإصدار تقريره عن المستوطنات الصهيونية، وقد صدر تقريره ليُفصِّل بالأرقام عدد المواقع والبؤر الاستيطانية.

بالأرقام
بحسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء فقد بلغ عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمنشآت العسكرية الصهيونية 448 موقعًا، من بينها ما يقارب 150 مستوطنة و128 بؤرة استيطانية مأهولة بالمستوطنين المحتلين الذين قدّر التقرير عددهم بـ607,000 صهيوني، بنسبة زيادة بلغت 2.7% عن العام 2018.
ويضيف التقرير أنَّ نحو 47% من المستوطنين مُقيمون في القدس المحتلة، وقد وصل عددهم إلى نحو 311,000 مستوطنًا، بينهم أكثر من 228 ألفًا يعيشون في الأراضي التي احتلها الصهاينة من الضفة الغربية في العام 1967. ومع هذه الأرقام المرعبة وصل عدد الصهاينة بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية إلى ما نسبته 23 مستوطنًا لكلّ 100 فلسطيني.
وفي الوقت الذي يستمر فيه الاحتلال بسرقة الأراضي الفلسطينية، أشارت التقارير إلى أنَّ سرقات الاحتلال للأراضي الفلسطينية بلغت منذ العام 1948 قرابة 85% من أراضي فلسطين التاريخية، ولم يتبقَّ للفلسطينيين أكثر من 15% من الأراضي الفلسطينية.
الأراضي الفلسطينية تواجه أزمات متتالية
سياسة تهويد الأراضي الفلسطينية التي تتّبعها حكومات العدو لم تقف عند حد مصادرة الأراضي الفلسطينية، إنّما تعدّتها إلى التمييز العنصري، فالاحتلال الصهيوني يعمل بكلّ قواه لمنع وصول الموارد الحياتية الحيوية إلى السكان الفلسطينيين وهو ما يضعهم في دائرة الخطر المباشر صحيًّا وإنسانيًّا ومعيشيًّا.
دائرة الخطر هذه تتّسع يومًا بعد يوم لتهدّد حياة الملايين من الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال خاصةً بعد إعلان الإدارة الأميركية عن ما أسمته بصفقة القرن وإعلان الاحتلال القدس الشريف عاصمةً له، في ظلّ صمت دولي مريب وتآمر البعض العربي لتصفية القضية الفلسطينية وتهويد أراضي فلسطين التاريخية.
بارقة أمل
على الرغم من السياسات والمؤامرات للاستيلاء على الأرض الفلسطينية، تطل بارقة أمل من خلال إحياء ذكرى يوم الأرض في الداخل والشتات، لتؤكِّد أنَّ الأرض الفلسطينية ستعود إلى أصحابها مهما طال الزمان ومهما كثرت المؤامرات. فالأرض الفلسطينية باقية في وجدان الفلسطينيين ينقلونها من جيل إلى جيل.

المصدر