أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد أكثر من عامين عن مضامين خطته للسلام المزعوم في الشرق الأوسط المعروفة بـ"صفقة القرن". ورغم أنَّ البنود الكاملة للخطة لم يكشف عنها بعد، فإنَّ التسريبات المتلاحقة حولها، وما تتضمّنه هذه التسريبات من تصفية للثوابت الفلسطينية المستندة إلى قرارات الشرعية الدولية، وتداعياتٍ على الصُّعُد السياسيّة والاقتصادية والشعبية، دفعت قيادتنا الوطنية وشعبنا إلى رفض الصفقة وبنودها جملةً وتفصيلاً.


بنود صفقة القرن متوقّعة وقد رفضها الفلسطينيون قبل الإعلان عنها
يرى المحلّل السياسي عبد المجيد سويلم أنَّ إعلان ترامب عن بنود صفقته لم يأتِ بجديد، مُضيفًا: "الأمور على الأرض قد حُسِمَت كقضايا الحلّ النهائي، وكما قال أحد القادة الفلسطينيين هذا الإعلان هو عبارة عن مذكرة تفاهم بين (إسرائيل) والولايات المتحدة وليس للفلسطينيين أيُّ شأن فيها".
ويتابع: "ما عُرِضَ من خلال الإعلان هي قضايا عُرِضَت على الفلسطينيين سابقًا، وهي مرفوضة، فهي تُنكر حقّ العودة والقدس الشرقية كعاصمة ووجود "الأونروا" وغيرها من القضايا. وبالتالي كنّا نعلم أنَّ الصفقة تحوي حكمًا مسبقًا لقضايا الحل النهائي، وهي محاولة لزج الفلسطينيين في سجون متقطّعة الأوصال من خلال ضمّ مستوطنات الضفة لحدود دولة الاحتلال والفصل بين المدن الفلسطينية".
ويؤكّد سويلم أنَّ الإعلان لم يكن مفاجئًا بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يعلم أنَّ الولايات المتحدة و(إسرائيل) حسمَتا قضايا الحل النهائي من طرفهما فقط، وتحاول الضغط على شعبنا وقيادتنا للقبول بها.
ويردف: "الجيّد أنَّ هذه المحاولة كشفت للعالم كيف تحاول الولايات المتحدة فرض الأمور على الشعب الفلسطيني، ممّا دفع العديد من الدول والمنظمات للقول إنَّ هذه الصفقة لا يمكن أن تكون حلّاً نهائيًّا".

الإعلان عن صفقة القرن محاولةٌ لإنقاذ نتنياهو وزيادة شعبيّة ترامب
لا يستبعد سويلم أن يكون للانتخابات الإسرائيلية والأمريكية دورٌ في إعلان الصفقة في هذا الوقت، منوّهًا إلى أنَّ الولايات المتحدة كانت قد أجّلت أكثر من مرّة إعلان بنود صفقة القرن إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، ومُتسائلاً: "ما الذي جعلها تتحمّس فجأةً قبل الانتخابات القادمة؟".
ويقول: "برأيي المأزق السياسي الذي يعيشه نتنياهو هو السبب، وأعتقدُ أنَّ نتنياهو قد استنجد بترامب من أجل أن يحاول حرف الأنظار عن المأزق الذي يعانيه بسبب قضايا الفساد التي تطارده، وهي أيضًا وسيلة أخيرة لجذب الأصوات في الانتخابات الثالثة لعلّه يستطيع إنقاذ نفسه، مع أنَّ هذه المسألة باتت مفهومةً للكثير.
بالطبع هناك مَن يعتقد أنَّ نتنياهو استفاد من طرح هذه الصفقة، ولكن هناك أصوات كثيرة في دول الاحتلال تقول إنّه لن يجني شيئًا حقيقيًّا من ذلك، والدليل هو استطلاعات الرأي التي لم تُقدّم لنتنياهو ولا لحزبه أي نسبة مؤثّرة.
أمّا بالنسبة لترامب فقد حاول أن يستفيد من هذه الصفقة من أجل الإفلات من مُساءلة مجلس الشيوخ له مع أنّه كان يدرك أنَّ مجلس الشيوخ سيحسمها لصالحه ولن يعزله، ولكنّها كانت خطوة لتأكيد علاقته الخاصّة باللوبي الصهيوني المتطرّف المتحالف مع اليمين الأمريكي عبر بوابة المسيحية الصهيونية باعتبارها قاعدةً شعبويّةً لنتنياهو، ولذلك اختار هذه الفترة السياسية الحرجة في الولايات المتحدة".
ويتابع سويلم: "باعتقادي حظّ ترامب لن يختلف عن حظّ نتنياهو من طرح الصفقة، وذلك بسبب الظروف السياسية التي تعيشها الولايات المتحدة بسبب إجراءات ترامب المتهورة، وأنا لا أقول إنَّ ترامب لن ينجح ولكنّه سيواجه مطبّات كثيرة في طريقه إلى الرئاسة للمرة الثانية".
ويوضح أنَّ الولايات المتحدة تشهد فترة تغير سياسية، لأنَّ الأحزاب اليمينية تطالب بأمور لم يسبق أن طالبت بها، مُرجّحًا خسارة تحالف ترامب نتنياهو أمام تنامي المطالبة بالعدل والمساواة في الولايات المتحدة.
فلسطين أكبر من مذكرة تفاهم بين ترامب ونتنياهو
يؤكّد المحلِّل السياسي عبد المجيد سويلم أنَّ على شعبنا الفلسطيني التحلّي بقدرة هائلة على الصمود الذي سيفشل صفقة القرن، ويوضح: "المقصود ليس فقط الصمود السياسي أو رفض الصفقة، وإنّما تصويب الوضع الداخلي من خلال الوحدة الوطنية على المستوى السياسي والاقتصادي والمعيشي، وتنفيذ برامج تنموية هادفة، وزيادة فعالية المعركة الدبلوماسية على مستوى الدول والمؤسسات والشعوب، وقد رأينا مدى تعاطف الشعوب مع قضيتنا، إلّا أنَّ بعض الحكومات سواء أكانت عربية أم أجنبية تعيق محاولات الشعوب في دعمنا. ولكنّنا نؤكّد أنَّ فلسطين أكبر من مذكرة تفاهم بين ترامب ونتنياهو، فهي حقيقة سياسية ولا يمكن إلغاء وجودها بمثل هذه المحاولات".

٣١١ مخالفة للقانون الدولي في صفقة القرن
يُشير سويلم إلى أنَّ صفقة القرن مُخالفةً في بنودها للقانون الدولي، ومن تلك المخالفات دعمها لاحتلال أراضي الغير بالقوة، وإحداث تغييرات في المناطق المحتلّة، كما أنّها مخالفة للاتفاقيات التي عُقِدَت بين الإسرائيليين ومنظّمة التحرير الفلسطينية، وأيضًا مخالفة لمبدأ حقِّ تقرير المصير للشعوب وللشعب الفلسطيني، إلى جانب كون هدم البيوت واستمرار الاستيطان مخالفًا للقانون الدولي، بالإضافة إلى أنَّ الكثير من ممارسات (إسرائيل) هي جرائم حرب وتنتهك الأراضي الفلسطينية، وهي بالتالي تتضمّن ٣١١ مخالفةً للقانون الدولي ولا يمكن اعتمادها من قِبَل الفلسطينيين.

عوائد الاقتصاد الفلسطيني كفيلةٌ بتأمين الاكتفاء الذاتي
يؤكّد المحلِّل الاقتصادي د.هيثم دراغمة أنَّ هذه الخطّة التي تطرح على طرف لا يريدها مهما احتوت من سياسات اقتصادية لن تُثمِر بشيء. ويتابع: "الأمريكان يتحدّثون عن 50 مليارًا للاستثمار، لكنَّ طريقة تطبيق ما يسمّى بالتنمية الاقتصادية تنمّ عن عدم ثقة بالفلسطينيين كي يقوموا بها بأنفسهم، حيثُ أنّهم سيشرفون على الأموال التي ستأتي وهي أموال عربيّة خالصة، بمعنى أنَّ الأمريكان والإسرائيليين لن يدفعوا شيئًا، وهذا سيكون ثمنًا لتطبيع عربي علني بدلاً من السري، وهذه الصفقة ستسهّل الطريق على الراغبين بذلك، بالإضافة إلى أنَّ ما ستجنيه (إسرائيل) من التطبيع مع العرب سيكون أضعاف ما ستعطيه الصفقة للفلسطينيين ولن تُقدّم شيئًا ملموسًا".
من جهة أخرى، يشير دراغمة إلى أنّ عوائد الاقتصاد الفلسطيني تؤمّن الاكتفاء الذاتي، ويضيف: "نحنُ لا نحتاج إلى أموال بل نحتاج الوصول إلى مواردنا الطبيعية والسيادة عليها وعلى استثماراتنا وللسيطرة على مناطقنا في أراضي عام ١٩٦٧ المحتلّة وتطبيق ما تنصّ عليه الشرعية الدولية بما يخصّ فلسطين. ما جاءت به صفقة القرن ليس رفاهية اقتصادية كما يوصف، فالمبلغ الذي توفّره صفقة القرن هو ٥٠ مليارًا يذهب منه ٢٨ مليارًا للفلسطينيين، وهذا مبلغ ضئيل جدًّا بالمقارنة مع العائد المادي الذي ستجنيه فلسطين من أراضيها غير المستغلّة بسبب الاحتلال، والذي يقدّر بخمسة مليارات دولار سنويًّا، هذا إن لم يكن أكثر، أي أنّه وخلال ٥ سنوات سيعود للسلطة الفلسطينية ٢٥ مليار دولار، وبهذه الحالة سنستغني عن المساعدات الخارجية وسنكتفي ذاتيًّا، وسنكون بعيدين عن الابتزاز السياسي بالمساعدات".
ويتابع: "هذه المساعدات لن تُحدِث تغييرًا في الوضع الاقتصادي الفلسطيني، وليس لنا حاجة بها. فما نريده هو استغلال أراضينا في الأغوار التي نخسر سنويًّا فيها ٤ مليارات دولار بسبب سيطرة الاحتلال عليها ومنعنا من استثمارها. الأموال التي ستأتي ستشغّل عمالة أجنبية أكثر وستفيد (إسرائيل) أكثر ممّا ستفيد الفلسطينيين، وستكون تحت وصاية أجنبية خالصة حيثُ ستكون على شكل مشاريع سيعمل بها الأجانب أي أنَّ الفلسطينيين سيكونون آخر مَن سيستفيد".
ويختم بالقول: "القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني رفضا البنود الاقتصادية لصفقة القرن قبل البنود السياسية، لأنّها لا ترقى لمسمّى الصفقة كونها تفتقد وجود طرفين فيها، لأنَّ الفلسطينيين رفضوا أن يكونوا جزءًا منها، لذلك أفضّل بأن تسمّى خطة يُراد فرضها على الفلسطينيين ولا أتوقّع أن يقبلوا بها في المستقبل. وأنا أطلب إلى القارئ أن يدقّق في تفاصيل هذه الخطة، فالعناوين لا تكفي لأنَّ التفاصيل تجرّدنا من أيّ سيادة وتعطينا فقط حكمًا ذاتيًّا لا يرقى لمطالبنا".
الصفقة تحرمنا حقوقنا ولا تعود علينا بالفائدة
يؤكّد المواطن الفلسطيني محمود قرعان، وهو من سكّان مدينة البيرة، أنَّ شعبنا الفلسطيني بكلّ فئاته يرفض صفقة القرن، ويقول: "أنا من الشعب الفلسطيني وأرفضها بكلّ تفاصيلها، فهي عبارة عن سلبٍ لحقوق كافح من أجلها شعبنا لأكثر من 70 عامًا، وتنكُّرٍ لكلّ ما ضحّينا به وعملنا من أجله، فهذه الصفقة تحرمنا القدس كعاصمة والحدود وحقوق لاجئينا، ولا يمكنني أن أقبل بها".
ويضيف: "لا أعتقد أنَّ صفقة القرن من أهدافها رعاية مصلحة الفلسطينيين سواء اقتصاديًّا أو سياسيًّا، فالتجارب السابقة أثبتت أنَّ اهتمام الولايات المتحدة ينصبّ على رعاية مصالح الاحتلال. كفلسطيني لا أجد فائدة من أموال سيصرف معظمها على مشاريع بنية تحتيّة لا صناعيّة، بالإضافة إلى أنّها تفصل الشق الاقتصادي عن الشق السياسي وكأنَّ مشكلتنا مع الاحتلال اقتصادية فقط وليست سياسية، وهذا أمر خاطئ فالأراضي التي نستطيع الاستفادة منها اقتصاديًّا يسيطر عليها الاحتلال لأسبابه السياسية. فكيف لي كفلسطيني أن أقبل بحلول لا أرى أنّها تصبُّ في صالحي؟!".
من جهة أخرى يرى قرعان أنَّ دور الفصائل الفلسطينية في ظلِّ وجود الانقسام كان ضعيفًا في مواجهة صفقة القرن، وإن أجمعت كل الفصائل على رفض هذه الصفقة، مضيفًا: "طبعًا الرفض العام يُحسَب لها ولكنّنا كنّا نتمنى أن تكون جميع الفصائل مُتَّحدة حتّى يكون الرفض أقوى وذا تأثيرٍ أكبر. نحنُ نعيش حالة ضعف بسبب عدم وجود قرار فلسطيني موحّد وهذا يؤثّر على مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته".

صفقة القرن مؤامرة على قضيّتنا
ترى عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" كفاح حرب أنَّ ما جاء به مؤتمر الإعلان عن صفقة القرن كان التفاصيل ولكنه لم يأتِ بالجديد، لأنَّ معالمها العامّة معروفة منذ سنتين.
وتقول: "أنا أفضّل تسميتها (خطة ترامب المشتركة مع الحكومة الإسرائيلية)، فالصفقة التي تُبرَم بين طرفين هي خطّة من طرف واحد مُتَّفَق عليها مع الطرف الإسرائيلي فقط، وترامب جاء لفرض حلٍّ على الشعب الفلسطيني، لذلك أجدها في نطاق المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية على القضية الفلسطينية".

الموقف العربي داعم للحقّ الفلسطيني
حول الموقف العربي من صفقة القرن تقول حرب: "الموقف العربي المتمثِّل بوزراء الخارجية العرب كان واضحًا من خلال الجلسة العاجلة التي عُقِدَت وبحضور الرئيس محمود عبّاس "أبو مازن"، وقد كان موقفًا ممتازًا، نتجت عنه مواقف مماثلة من قِبَل الدول الإسلامية ومجلس التعاون الإسلامي والاتحاد الافريقي، إضافةً إلى وجود جهد يبذَل في الاتحاد الأوروبي لاتّخاذ موقف قائم على القرارات الدولية لأنّ خطّة ترامب تجاوزت القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وجاءت برؤية أحادية الجانب ولم تأتِ برؤية مُتَّفَق عليها مبنية على القرارات الدولية القائمة على حلّ الدولتين والسلام مقابل أن يقيم الفلسطينيون دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 والعمل على حل قضية اللاجئين".

الخيارات الفلسطينية للردِّ كثيرة
تؤكِّد كفاح حرب أنَّ خيارات الردّ الفلسطيني على هذه الصفقة كثيرة، من بينها الصمود على الأرض، والثبات في المواجهة مع الاحتلال.
وتضيف: "كذلك يتمثّل الرد بالتمسُّك بالقرارات الدولية والحراك الدبلوماسي الدولي الذي تقوم به القيادة الفلسطينية مع كلّ الجهات في دول العالم سواء أكانت الإقليمية المحيطة أو القارة الافريقية أو القارة الأوروبية، إضافةً إلى الاختراق في الموقف الأمريكي نفسه والموقف الإسرائيلي نفسه من خلال المجتمعَين الأمريكي والإسرائيلي حيثُ يجب أن نعمل على جعله يضغط على قادته. هذا هو الردّ من قبل القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني لرفض ما تُسمّى بصفقة القرن واعتبارها إحدى المؤامرات على القضية الفلسطينية لصدع هذه القضية".
وتختم بالقول: "استمرار نضال شعبنا واستثمار هذا النضال طوال هذه السنوات يشهد أنّنا سنصل لحل عادل لهذه القضية، حلٍّ يكفل بالحد الأدنى للشعب الفلسطيني حقوقه وعلى رأسها إقامة دولته الفلسطينية بعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين وحل قضية الأسرى والمبعَدين".

 

المصدر