لم يعد خافيًا على أحد أنّ فيروس (كوفيد- 19) المعروف بِاسم فيروس "كورونا"، قد تحوّل إلى وباء عالمي بحسب ما أشارت إليه منظمة الصحة العالمية في تقاريرها الرسمية. هذا الفيروس استطاع خلال أربعة أشهر أن يهز العالم ويهدّد بانهيار الاقتصادات العالمية وإفلاس العديد من الشركات الدولية وأسواق البورصة العالمية.
لقد استطاع هذا الوباء أن يحتجز ما يقارب نصف سكان الكرة الأرضية في منازلهم، ويحصد الآلاف من الأرواح، فيما لايزال مئات الآلاف من المصابين يئنّون من أوجاعهم في المستشفيات في شتى أنحاء العالم بسبب هذا الفيروس الذي لا يميّز بين غني وفقير، أسود وأبيض، كبير وصغير، صحيح وسقيم.
ولا يزال العلماء والأطباء في مختلف أنحاء العالم، يكافحون لإبطاء انتشار هذا الوباء، وهم في أغلب الأحيان يقفون عاجزين أمام أوجاع مرضاهم، فهذا الوباء لا ترياق ولا علاج ولا لقاح له حتى هذه اللحظة، وهو بخبثه آخذ في الانتشار كأنّه في سباق مع الزمن ليحصد المزيد من الأرواح قبل أنْ يهزمَه العلماء.

البداية:
ظهر فيروس (كوفيد- ١٩) في بداية شهر ديسمبر، في سوق للأسماك في مقاطعة ووهان الصينية. وقد لاحظه أحد أطباء العيون وقال لزملائه الأطباء حرفيًّا "إنّه سارس بصيغة متطورة، احذروا أيها الزملاء واتّخذوا إجراءات الوقاية، إنّنا أمام أمرٍ خطير"، لكنّ السلطات المحلية في مقاطعة ووهان وبّخته واتّهمته بنشر الأكاذيب وهدّدته بالخضوع إلى المحاكمة إذا ما استمر في الحديث عن فيروس جديد، فما كان من الطبيب إلاّ أنْ أذعن لرغبات السلطات المحلية.
لكنّ الحالات السبع التي رصدها طبيب العيون في بداية شهر ديسمبر صارت سبعين، وسبعمائة وسبعة آلاف، حتى وصلت إلى سبعين ألفًا في أقل من أربعين يومًا. ومع نهاية الشهر الأول من العام ٢٠٢٠، كانت الصين تعيش كارثة تفشي وباء (كوفيد -19).
وقد تسارع انتشار الوباء بسبب مصادفة عيد رأس السنة الصينية وسفر نحو ١٠ ملايين نسمة إلى خارج مقاطعة ووهان، وعدد لا بأس منهم إلى خارج الصين لقضاء إجازاتهم السنوية، وكان العديد منهم لا يعرفون حتى أنّهم يحملون الفيروس. ومع ظهور الأعراض على المسافرين من مقاطعة ووهان، كان الأوان قد فات، وكان الفيروس قد فتك بعدد كبير من دول العالم.
تفشّي (كوفيد-19) في لبنان والعالم العربي
لم يكن العالم العربي، ومن ضمنه لبنان، بمعزل عن تفشّي فيروس (كوفيد-١٩)، فالعديد من الحالات بدأت تظهر في لبنان في منتصف شهر فبراير الفائت، وذلك إثر وصول مسافرين من عدد من الدول التي كان قد تفشّى فيها الوباء، ومن بينها مصر وإيران وإنكلترا وفرنسا وسويسرا.
وسارعت الحكومات العربية، ومن ضمنها الحكومة اللبنانية، إلى اتّخاذ خطوات عملية لوقف تفشّي الوباء، ويُحسَب للحكومة اللبنانية ووزارة الصحة قيامهما بخطوات جبّارة لخفض نسبة انتشار الوباء، على الرغم من ضعف إمكانيات الدولة اللبنانية.
حاولت الحكومة اللبنانية التكيّف مع تزايد أعداد المصابين بالفيروس، وصعّدت من إجراءاتها كلّما انتشر الوباء أكثر، حتى وصلت إلى إعلان التعبئة العامّة في البلاد وحظر التجوّل من الساعة السابعة مساءً حتى الساعة الخامسة صباحًا.
الخطة الحكومية لم تلحظ المخيّمات الفلسطينية
من المعلوم أنَّ لبنان يستضيف نحو ١٧٠ ألف لاجئ فلسطيني -بحسب الإحصاء الأخير لإدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني- وهو ما وضعهم في مواجهة مباشرة مع هذا الفيروس القاتل الذي يتطلَّب إمكانيات وميزانيات ضخمة.
هذا التجاهل، دفع بسفارة دولة فلسطين وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان بإيعاز من رئيس دولة فلسطين محمود عبّاس إلى التحرُّك داخل المخيّمات الفلسطينية، واستنفار الجهود والإمكانات كافّةً لمنع (كوفيد-١٩) من الدخول إلى المخيّمات الفلسطينية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ تداعى العشرات من الناشطين والجمعيات الأهلية الفلسطينية واللجان الشعبية و"الأونروا" وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وقوات "الأمن الوطني الفلسطيني" والقوة المشتركة والدفاع المدني الفلسطيني وجمعية الشفاء للخدمات الصحية والإنسانية إلى التحرُّك داخل المخيّمات لنشر التوعية بين السكان من جهة، وإجراء عمليات تعقيم لشوارع المخيّمات وأزقتها من جهة أخرى، في صورةٍ جسّدت أجمل صُوَر التضامن بين مكوّنات الشعب الفلسطيني في مخيّمات لبنان.
 الجهود التي بذلها أبناء الشعب الفلسطيني في مخيّمات لبنان، لا يمكن وصفها إلاّ بالجهود الجبارة، فعلى الرغم من ضعف الإمكانات استطاع أهالي المخيّمات والفصائل تشكيل لجانٍ أمنية وصحية واجتماعية وإعلامية للتعاطي مع أزمة تفشي الفيروس. فبالنسبة للجان الأمنية تكون مهمتها تعزيز الدوريات الأمنية عند مداخل المخيّمات لمنع دخول أو خروج سكانها إلاّ للضرورات القصوى والتعاطي مع أي حدث أمني ممكن أنْ يطرأ على المخيّمات. أمَّا بالنسبة للجنة الصحية، فتكون مهمتها التعقيم والوقاية ونقل المرضى إلى خارج المخيّم بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني في حال ظهور إصابات داخل المخيّم. واللجنة الاجتماعية مهمّتها السهر على الأمن الغذائي وتقديم الدعم للأسر الأشد فقرًا في المخيّم.
مبادرة فلسطينية-لبنانية لتنسيق مكافحة الوباء
التحرّكات الفلسطينية تواصلت في محاولة لدرء خطر فيروس (كوفيد-١٩) ومنعه من الدخول إلى المخيّمات الفلسطينية، لذلك زار وفدٌ من لجنتَي الطوارئ المركزية والتنسيق الميدانية بالتنسيق مع بعض القوى والأحزاب الوطنية اللبنانية المناصرة للقضية الفلسطينية، وزير الصحة اللبناني د.حمد حسن لوضعه في صورة الخطوات التي اتّخذتها لجان الطوارئ في المخيّمات الفلسطينية.
هذه اللجان لم تتَّجه إلى وزير الصحة لطلب الدعم -وإنْ كان قد أعلن عن استعداده لدعم المؤسسات الصحية الفلسطينية- إنّما كانت تهدف لتنسيق الجهود الفلسطينية-اللبنانية لمكافحة الفيروس. فهي كانت سبّاقة إلى تنفيذ إجراءات وقائية داخل المخيّمات على المستويات كافّةً بما فيها توعية السكان وإرشادهم حول كيفية التعامل مع هذا الوباء المستجِد.
أملٌ يرافقه تأهُّبٌ وترقّب
على الرغم من عدم ظهور أي إصابة بـ(كوفيد – 19) في المخيّمات الفلسطينية في لبنان حتىّ اللّحظة، لا تزال المخيّمات تعيش حالةً من الأمل والترقُّب، الأمل بعدم وصول الزائر الخبيث إلى المخيّمات الفلسطينية، وترقُّب وتأهّب لوصول أول حالة إصابة بالفيروس. وبين هذا وذاك، يبقى الفلسطيني يحيا على أمل عيش حياة كريمة تتوفَّر فيها أدنى مقوّمات الحياة التي تليق بمن يُطلق عليه "إنسان".

المصدر