لم يجف حبر بيان وزراء خارجية الدول العربية، الصادر يوم السبت الماضي (1/2/2020) في أعقاب الاجتماع الطارئ، الذي دعت له دولة فلسطين بعد نشر الصيغة الرسمية لصفقة القرن. والذي أكد على الثوابت العربية المعروفة تجاه قضية العرب المركزية، ومنها أولا رفض التطبيع المجاني مع إسرائيل؛ ثانيا الرفض بشكل قاطع لصفقة القرن الأميركية وتداعياتها؛ ثالثا التمسك بمبادرة السلام العربية وفق محدداتها الأربعة الأساسية دون تغيير؛ رابعا الدعم الكامل للموقف الفلسطيني في مختلف المنابر والمحافل. حتى سمعنا خبر لقاء رئيس المجلس السيادي السوداني، عبدالفتاح البرهان مع بنيامين نتنياهو في أوغندا أمس الإثنين (3/2/2020) بتنسيق مسبق مع الرئيس الأوغندي، يوري موسفيني، الذي بدوره ابدى الاستعداد لفتح سفارة لبلاده في القدس العاصمة الفلسطينية المحتلة، وهي خطوة خطيرة، ومسيئة للعلاقات المشتركة الفلسطينية العربية الأوغندية، وتشكل ارتدادا غير مسبوق عن ثوابت منظمة التعاون الأفريقية.

وعلى خطورة الموقف الأوغندي، وتداعياته السلبية على القضية الفلسطينية في القارة السوداء. فإن الموقف الأكثر خطورة، وغير المفهوم، ولا المبرر، هو الزيارة غير المعلنة للبرهان لأوغندا، والتنسيق مع موسفيني للقاء نتنياهو، والاتفاق على التعاون الثنائي بين البلدين. والمصيبة ان تأتي الخطوة السودانية المرفوضة جملة وتفصيلا بعد مضي عام على الثورة السودانية، التي اطاحت بحكم الرئيس عمر حسن البشير الإخواني. لكن يبدو ان جذور النظام السابق مازالت متغلغلة في اوساط العسكر، الذين اختطفوا الثورة وعلى رأسهم البرهان نفسه.

وهنا تثار مجموعة أسئلة على القيادة السودانية: لماذا التواطؤ الآن على القضية الفلسطينية؟ اين هي مصلحة السودان، وماذا جنت من لقاء رجل فاسد ومارق، يقود دولة قائمة على التطهير العرقي والعنصرية والحرب على الشعب الفلسطيني؟ هل الثمن بقاؤك على كرسي الحكم؟ ألم يدفع السودان فاتورة الإملاءات الأميركية الإسرائيلية بتقسيمه؟ وإلى متى سيبقى العرب يقدمون التنازلات عن الحقوق والمصالح الوطنية والقومية؟ أهذا هو الموقف "الوطني" و"القومي" السوداني تجاه ابناء جلدتك؟ أليس من الأجدر ان يكون المجلس السيادي السوداني مع فلسطين، وضد الخطوة الأوغندية في فتح سفارة في القدس العاصمة الفلسطينية؟ لماذا لا تدافعون عن مصالحكم وحقوقكم الوطنية والقومية برجولة؟ هل لقاء نتنياهو سينقذك من لعنة الشعب السوداني؟ ماذا ستقول للثوار السودانيين؟ وهل وجودك على رأس المجلس السيادي يمنحك الإساءة لأبسط ثوابت الموقف السوداني والعربي القومي؟ وهل أنظمة الرذيلة والتطبيع المجاني مع إسرائيل، هي نموذجك وعنوانك؟ ألم تتعلم من تجربة جعفر النميري وتهريبه الفلاشا لإسرائيل؟ وهل تعتقد ان الشعب السوداني ونخبه السياسية الوطنية والقومية والديمقراطية ستغفر لك؟

عبد الفتاح البرهان ارتكبت خطيئة فادحة بحق شخصك، وبحق الشعب الشقيق. لأنك ورطت السودان بما لا يريده، ولا يتمناه، لا بل يرفضه من حيث المبدأ، ولم يكن يتصور حدوثه نهائيا. انك سلكت الطريق المحفوف بالمخاطر. وإن كنت معنيا بإعادة الاعتبار لذاتك، عليك ان تراجع نفسك، قبل فوات الأوان، وأن تعتذر للشعب السوداني الشقيق، وللشعب العربي الفلسطيني ولشعوب الأمة العربية.

نعم الواقع العربي صعب ومعقد ومتهالك، ولا يمكن الرهان عليه الآن. لكن تاريخ الأمم لا يقاس بلحظات الضعف والهوان فقط. انما باستحضار لحظات الصعود والمجد، والقوة، كي يتعظ كل قائد ومسؤول من تجارب من سبقوه، ومن مراحل التاريخ العظيمة للسودان خصوصا والأمة العربية عموما. ما حصل خطير وجريمة ضد السودان قبل فلسطين. على الشعب السوداني ونخبه وضع حد لما ارتكبه البرهان بحقه وحق فلسطين والأمة العربية.