الولايات المتحدة الأميركية لم تكف يومًا عن لعب دور الشرطي والبلطجي في آن في العالم، قبل وصول دونالد ترامب، وبعد وصوله مطلع عام 2017 ضاعفت من نزعاتها العدوانية، وحماقاتها، وهمجيّتها، وفتحت نيرانها في كل الاتجاهات، وفي أربعة أركان الأرض بما في ذلك داخل أميركا نفسها. وضربت، وما زالت تضرب بعرض الحائط القوانين والمواثيق والاتفاقات والمعاهدات الدولية، وتعمل بعناد وصلف لإعادة البشرية لقانون الغاب، وهي عن سابق تصميم وإصرار تسير بخطى حثيثة لإخصاء وتفريغ منظمة الأمم المتحدة من دورها الأممي، ومحتواها الإنساني، لأنَّها خرجت عمّا رسمته لها، عندما دعت لإقامتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية 1945، حيث كانت تأمل أن تلعب المنظمة الدولية دورًا إيجابيًّا في خدمة مشاريعها الاستعمارية، والاستئثارية بخيرات وثروات ومصالح الشعوب جنبًا إلى جنب مع الصندوق والبنك الدوليين، ولكن لم تأتِ الرياح كما اشتهت سفن القرصان الأميركي.
واستمرارا لدورها المافيوي واللا أخلاقي، واللا قانوني، والاستئثاري دعت سفارة أميركا في (إسرائيل) الاستعمارية لعقد مؤتمر في رام الله، العاصمة السياسية المؤقتة لدولة فلسطين المحتلة لـ"مناقشة أوضاع الشباب في الأراضي الفلسطينية"، وهي دعوة وقحة، وخارجة عن المنطق والقانون، وكل المعايير السياسية. وتعتبر امتدادا لـ"صفقة القرن" المشؤومة، وورشة البحرين الفاشلة. ولكنَّها من زاوية أخرى عميقة الصلة بنهج راعي البقر المتسلّط والسفاح، والمستبيح لحقوق ومصالح واستقلالية الشعوب.
ولو لجأنا لجادة السؤال لاستشراف أسباب وخلفيات الدعوة الأميركية الوقحة لعقد مؤتمر للشباب الفلسطيني، لمناقشة أوضاعهم، تبرز أمامنا مجموعة من الأسئلة، منها: ما علاقة إدارة ترامب بالشباب الفلسطيني؟ هل نحن خاضعون للاستعمار الأميركي؟ وحتى لو كان كذلك، ما هي مصلحة أميركا في مناقشة أوضاع الشباب الفلسطيني؟ ولماذا تناقش أوضاعهم؟ وعلى أي أساس؟ ولمصلحة من؟ وهل استشارت القيادة الفلسطينية في الأمر؟ أم أنّها تعتقد، كون الشعب الفلسطيني تحت سيطرة الاستعمار الإسرائيلي، فإنها صاحبة الباع الطويل في التقرير بمصير الشعب الفلسطيني، على اعتبار أنها باتت شريكا أساسيًّا في عملية الاستعمار، وكون سفيرها صهيونيا مستعمرًا، وصهر الرئيس الأميركي، كوشنير صهيوني وداعم للاستيطان الاستعماري، وكذلك الأمر لمستشاره الصهيوني غرينبلات؟ ولكن هل هذا يعطيها الحق في التدخل في الشؤون الفلسطينية؟ من حق أميركا والعالم أن يراقب أداء الحكومة والقيادة الفلسطينية، ولكن ليس من حقها التدخّل المباشر في أي منحى من مناحي الحياة، رغم المعرفة الأكيدة أنَّ العلاقات الفلسطينية الأميركية ما زالت موجودة على الصعيد الأمني، ولم تنقطع العلاقات الثنائية، ولهذا اعتباراته المختلفة، ولكن ليس من حق لا الإدارة الأميركية، ولا سفارتها الاستعمارية، ولا فريقها الصهيوني التدخُّل فيما لا يعنيها في الشؤون الداخلية الفلسطينية.
قضايا وهموم الشباب الفلسطيني، هي قضايا وطنية، تخص اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وحكومتها الشرعية برئاسة د.محمد اشتية، وجهات الاختصاص المكلّفة بالأمر. ولكن ليس مسموحًا، ولا مقبولاً لا من حيث المبدأ، ولا بالممارسة تدخل كائن من كان أقطابًا، أم دولاً، أو منظّمات (NGO’s) في الشؤون الداخلية إلّا بمقدار ما يسمح القانون. والقانون الفلسطيني، لا يسمح لأي دولة أجنبية بالتطاول على مكانة وهيبة ومسؤوليات المؤسسات الرسمية. ومَن يريد مناقشة قضايا الشباب الفلسطيني، ومعني بهمومه، عليه أولاً أن يدافع عن حقّ الشباب الفلسطيني في وطن حر ومستقل وسيد. ثانيًا، أن يعمل على تأمين سيادة القيادة الفلسطينية على أرض دولتها كاملة غير منقوصة وعاصمتها القدس الشرقية. ثالثًا، أن يلزِم حكومة الاستعمار الإسرائيلية بالانسحاب الكامل من أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران/ يونيو 1967 وأولها القدس الشرقية. رابعًا، وأن يضمن عودة الشعب الفلسطيني من دول الشتات والمهاجر إلى وطنه الأم فلسطين وفق القرار الأممي 194. أمّا التدخُّل لهدف خبيث وتخريبي، ولتضليل الشباب الفلسطيني، وحرف بوصلة أهدافه ومصالحه الوطنية، وللترويج لـ"صفقة القرن" الميتة، فليس مسموحًا، ومرفوضًا من حيثُ المبدأ التفكير بذلك. وخيرًا فعلت القيادة الفلسطينية والقوى الوطنية في محافظة رام الله البيرة في التصدي لمشروع المؤتمر التخريبي، الذي كان مقرّرًا عقده اليوم الأربعاء. ولكن جهود القيادة والقوى وإدارة الفندق الذي كان سيستضيف المؤتمر المزعوم حالت دون تمرير المشروع العبثي والتخريبي الأميركي، وهو ما يدعو إدارة ترامب لتعيد التفكير بخياراتها العدمية والفاشلة، وتعود لجادة خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، فهذا أفضل وأكرم لها ولنا ولكلِّ مُحبٍّ للسلام.