ليسَ مصادفةً أن يكونَ تأسيسُ حركةِ "فتح" مواكبًا لبداياتِ ثورةِ ٢٣ يوليو / تموز ١٩٥٢ المصرية، فقدْ كانَ أحدَ أهمِّ أسبابِ هذهِ الثورةِ هزيمةُ الجيوشِ العربيةِ وفشلُها في حمايةِ فلسطينَ من أطماعِ الحركةِ الصهيونية، تمامًا مثلما شكّلَ احتلالُ الجزءِ الأكبرِ من فلسطينَ سببًا لتشكيلِ حركةِ "فتح". وسرعانَ ما نمَت العلاقةُ وتوطّدَت بينَ "فتح" ومجلسِ قيادةِ الثورةِ في مصر، وخاصّةً مع الزعيمِ جمال عبد الناصر، وكانت ذروةُ تلكَ العلاقةِ في الفترةِ التي أعقَبتْ هزيمةَ حزيران / يونيو ١٩٦٧ بما مثَّلتهُ من ضَربةٍ للمشروعِ الناصريّ التحرريّ-الوحدويّ وما أضافتهُ من أعباءٍ ومهامّ جديدةٍ أمامَ حركةِ "فتح" التي بدأتْ الكفاحَ المسلّحَ في مطلعِ كانون الثاني / يناير ١٩٦٥ بهدفِ تحريرِ أرضِ فلسطينَ التي استولَتْ عليها العصاباتُ الصهيونيّة سنة ١٩٤٨، لكنَّ الحركةَ الفتيّةَ وَجدتْ نفْسهَا أمامَ واقعٍ جديدٍ هو احتلالُ ما تبقّى من أرضِ فلسطينَ إضافةً إلى سيناءَ والجولان.
 لقد واجهت حركةُ "فتح" ومصرُ الناصريّةُ تحدّياتٍ مشترَكةً تتمثّلُ في إعادةِ الأملِ إلى الأمّةِ العربيةِ بعدَ هزيمةِ حزيران/يونيو، وفي كَسْرِ أسطورةِ الجيشِ الإسرائيليّ "الذي لا يُقهَر". من أجل ذلكَ فتحتْ الدولةُ المصريّةُ معسكراتِ التدريبِ التابعةَ لقوّاتها المسلَّحةِ وعَملتْ على رفعِ كفاءةِ مقاتلي حركةِ "فتح"، وهو ما ساهمَ بينَ عواملَ عديدةٍ في انتصارِ الفدائيينَ مع إخوتِهم من الجيشِ الأردنيِّ في معركةِ الكرامةِ بكلّ ما مثّلهُ هذا الانتصارُ من ضربةٍ لهَيبةِ جيشِ موشيه ديان الخارجِ مَزهوًّا من حربِ "الأيامِ الستّة".
لقد كانتْ معركةُ الكرامةِ نقطةً حاسمةً ساهمت في تبنّي الزعيمِ جمال عبد الناصر للمشروعِ الفتحوي، وهو ما عبّرَ عنهُ في مقولتِه الشهيرة: "المقاومةُ الفلسطينيةُ وُجِدَتْ لتَبقى" التي ظلَّ القائدُ الخالدُ أبو عمار يردّدُها ويضيفُ إليها: "ولِتنْتَصر".
لم يكُنْ غريبًا أن يلجأ عبدُ الناصرِ بعدَ معركةِ الكرامةِ إلى اتّباعِ أسلوبٍ شبيهٍ بقتالِ الفدائيينَ، وذلكَ عندما أطلقَ حربَ الاستنزافِ الطويلةَ ضدّ الجيشِ الإسرائيليّ بهدفِ مَنعِهِ من ثتبيتِ احتلالِهِ لشبهِ جزيرةِ سيناء، وفي المقابلِ فقد ساهمتْ قواتُ العاصفةِ -الذراعُ العسكريُّ الضاربُ لحركةِ فتح- في هذهِ الحربِ بعمليّاتٍ يوميّةٍ بهدفِ إشغالِ جيشِ العدوّ على طولِ الخطّ الفاصلِ بين الأردنّ وفلسطينَ المحتلة، ضمنَ خِطةٍ استراتيجيةٍ لتخفيفِ الضغطِ عن الجبهةِ المصريّة.
ظلّت "فتح" ومصرُ الناصريةُ متمسِّكَتيْن بأولويةِ الصراعِ معَ العدوِّ الإسرائيليّ وبأهميّةِ التضامنِ العربيّ الداعمِ للقوى والدُّولِ المنخرطةِ مباشرةً في هذا الصراع، ورغمَ ذلكَ فإنَّ حركةَ "فتح" منذُ انطلاقتِها، وكذلكَ ثورةَ ٢٣ يوليو / تموز قد تعرّضتا إلى الاستهدافِ من قوى عديدةٍ وبذرائعَ مختلفةٍ، وكانت حركةُ الإخوانِ المسلمينَ وما زالتْ في مقدّمةِ تلكَ القوى التي ناصَبَتْ ثورةَ عبد الناصر وحركةَ فتح العداءَ وحاكتْ ضدّهُما المؤامراتِ، وما زالتْ تحاولُ الإساءةَ إلى هاتَينِ التجربتَيْنِ الرائدتَينِ في تاريخِ الأمةِ العربيةِ الحديثِ، وذلكَ عبرَ عمليةِ غسيلِ دماغٍ للأجيالِ الشابّةِ يقومُ بها "شهودٌ على العَصرِ" ليس لهُمْ أيُّ دورٍ في صناعةِ التاريخِ سوى ظهورِهم من خلالِ شاشاتِ الفضائياتِ التي احترَفَت الكذبَ والتضليلَ وبثَّ الفِتنة.
في ذكرى ثورة ٢٣ يوليو/تموز ١٩٥٢ نجدِّدُ العهدَ للزعيمِ جمال عبد الناصر أن نبقى أُمناءَ على أهدافِ المشروعِ الناصريّ المتطابقِ مع فكرِ ونَهجِ وأهدافِ حركةِ "فتح"، وسنظلُّ أوفياءَ لِما كانَ يردّدُهُ الزعيمان الخالدان أبو عمّار وعبد الناصر:
*المقاومةُ الفلسطينيّةُ وُجِدَتْ لِتَبْقى ولِتَنتَصِرْ