لقرار وزير العمل اللبناني بشأن العمالة غير اللبنانية، التي أدرج فيها الفلسطينيين في لبنان، على نحو جارح للعدل والكرامة، ولطيب العلاقات اللبنانية الفلسطينية، وأصالتها الأخوية والقومية، نقول لهذا القرار مشاكله التي لو تركت دون حلول الحوار، فإنّها ستقود حتماً إلى تعقيدات لا تحمد عقباها!!
ولهذا أعلن الرئيس أبو مازن وأكَّد في مستهل اجتماع تنفيذية منظمة التحرير الفلسطينية يوم أمس، رفضه والقيادة الفلسطينية، "لكلِّ أشكال التصعيد من أية جهة كانت، مع الأشقاء اللبنانيين"، على خلفية هذا القرار، والعمل على حل المشاكل الناجمة عنه بالحوار "والمهم هو حل المشاكل بيننا والأشقاء اللبنانيين وليس تعقيدها"، كما أوضح الرئيس أبو مازن وأكَّد.
والحوار لطالما كان وسيبقى هو دأب الشرعية الفلسطينية، وضالتها، بوصفه من أعمال الحكمة، والحكمة كما نعرف ضالة المؤمن، ولبنان الذي نعرف ونحب، والذي غنته فيروز، مثلما غنَّت فلسطين، حين مشت في شوارع القدس القديمة، وحين أسمت ذلك الجسر الخشبي على نهر الأردن جسر العودة، لبنان الصخرة التي علقت في النجم كما رآه سعيد عقل، هو لبنان المعرفة والمحبة والتنور الحضاري الذي قال رئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية، طلال سلمان، إنَّ الفلسطينيين قد ساهموا بهذا التنور بما أعطوا لبنان من خبرات ومقومات وفنون وآداب، في مقالته الشهيرة "الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط"، ولطالما ذكرنا ذلك قبل هذا اليوم، وما زلنا نذكره، وسنذكره ونتذكره ونفخر به على الدوام، مع خالص تقديرنا ومحبّتنا لكاتبه طلال سلمان.
لن ندخل إلى جدل الملابسات السياسية وغاياتها، التي قد تكون وراء قرار وزير العمل اللبناني، ولن نذهب مطلقًا إلى أية مناكفات في هذا الإطار، ونحن لا نرى في لبنان واللبنانيين غير ما نرى من صواب العلاقات الشقيقة التي تعمدت بالدم، وملحمة التصدي المشترك الفلسطيني اللبناني، للاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 82 من القرن الماضي، تشهد على ذلك وقد غنّى حادينا يومها "اشهد يا عالم علينا وعا بيروت".
لن نذهب إلى غير الحوار مع بيروت التي نعرفها كما رآها شاعرنا الكبير محمود درويش "تفاحة للبحر.. وشكل الروح في المرآة.. ووصف المرأة الأولى.. ورائحة الغمام.. والصوت الفاصل بين الضحية والحسام.. بيروت التي من تعب وذهب وأندلس وشام".
هكذا نعرف بيروت ونحب، ولأنّنا حماة المعنى والذاكرة والقصيدة، ولأنّنا أوفياء الدم والتاريخ، سوف لا نعرف غير الحوار مع لبنان والدفاع عن أهله ضد الفوضى والإرهاب، حتى ونحن نعض على الجرح، وهذه أمثولتنا التي نفخر بها، لأنها هُويّتنا الإنسانية والثقافية، التي أبدع قبل قليل البطل الفلسطيني صابر مراد في تجسيدها وتأكيدها حقيقة لا جدال فيها.