لا يخفى على أحد حجم المؤامرة التي يتعرَّض لها النظام السياسي برمّته جرّاء رفض ما يعرف بصفقة العصر، وما سبقها من مخرجات تمثَّلت بالاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الإسرائيلي، بالإضافة لما يُعرف بمؤتمر أو الورشة الاقتصادية المزمع عقدها في المنامة، التي تدَّعي من خلالها الإدارة الأميركية أنّها لمساعدة الشعب الفلسطيني وتحسين الأوضاع المعيشية، بطريقة تثير الريبة والشك في مساعي هذه الإدارة، التي تتبنى وتنتهج مواقف سياسية متناقضة بشكل صارخ، ففي الوقت الذي قطعت مساعداتها تنظم ورشة اقتصادية لتحسين أوضاعه.
التناقض الأميركي ليس جديدًا علينا كشعب فلسطيني يرزح تحت الاحتلال منذ اكثر من 50 عامًا، فقد اعتدنا في اكثر من محطة مفصلية وتاريخيّة انحياز الإدارة الأميركية إلى الجانب الآخر، إلّا أن الإدارة الأميركية بدأت فعليًّا وعمليًّا تبني الرواية الإسرائيلية والانحياز لها فعلا وقولا، بما يحقق للكيان الإسرائيلي مصالح استراتيجية لن يكون من السهل تجاوزها من قبل الإدارات الأميركية اللاحقة. لكن الأمل بالكفاح الفلسطيني جذري وبنيوي في التركيبة السياسية والشعبية على حد سواء.
الحملات الإعلامية والسياسية التضليلية التي تنتهجها إدارة ترامب من خلال سياسييها لا سيما مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط جيسن جرينبلات، تهدف في محصلتها إلى النيل من كينونة النظام السياسي الفلسطيني والمتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية بكافة مؤسساتها وبنيتها، من خلال اطلاق الشائعات والأخبار الملفقة والمزيفة بطريقة تهدف إلى زعزعة ثقة الفلسطيني بقيادته الشرعية والممثل الشرعي والوحيد لنا كفلسطينيين، لكن هذا "بيمشيش"، لأن كافة شرائح المجتمع الفلسطيني بنخبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية رافضة وملتحمة مع الموقف الرسمي فيما يتعلق برفض صفقة العصر تحديدًا.
الحملات الإعلامية التي روجت للفساد في النظام السياسي الفلسطيني تجاهلت الحديث عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يتعرض إلى جملة من المعضلات وقضايا الفساد لا سيما فيما يعرف بتلقيه هدايا أو رشى، بالإضافة إلى قضايا الفساد الأخرى ومنها فساده فيما يعرف بصفقة الغواصات مع الحكومة الألمانية. وهنا لا ندافع عن الفساد ولا نسمح به، ونعمل على معالجته كباقي الأنظمة السياسية في كافة أرجاء العالم، فأي حكومة معرضة للوقوع في الأخطاء. لكن ما نريد قوله إنّ الإدارة الأميركية إنَّما تكيل بمكيالين كلما تعلق الأمر بإسرائيل.
الحملة الأميركية تدرجت منذ قدوم إدارة ترامب لتصل اليوم إلى ذروتها، التي بدأت تدعو على لسان جرينبلات إلى تغير نهج الرئيس محمود عباس. هذه الدعوة التي جاءت خلال سلسلة تغريدات وتعليقات له على تويتر، بالتزامن مع فشل ما يعرف بقمة المنامة التي تبدو كأنها عرس تغيب عنه العريس. وسبقتها تغريدات أخرى تتحدّث عن إفشال حركة "فتح" برئاسة الرئيس محمود عبّاس للمؤتمر وللصفقة كلها. نعم صحيح، ففتح برئاسة الرئيس عباس أسقطت وأفشلت صفقة القرن. وكذلك أعطى الرئيس عباس الإدارة الأميركية دروسا سياسية، باعتراف بعض السياسيين الإسرائيليين ومنهم يوسي بيلين وعدد من الصحفيين. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة بصورة جلية لا لبس فيها ولا تقبل التشكيك أو التأويل أنّ الرئيس عبّاس تمكن باقتدار من إحراج الإدارة الأميركية سياسيًّا وأخلاقيًّا، كونه تمسك بالقانون الدولي الذي لطالما كانت الولايات المتحدة الأميركية من الدول الأساسية والمركزية في صياغته، لتتجاوزه بطريقة متناقضة لمبادئها وقيمها التي لطالما تغنت بهما لتمرير سياساتها ومصالحها في أرجاء العالم كله.
اليوم تتعرى من كافة ادعاءاتها التي سقطت أمام ممارساتها المعاكسة لجوهر ما تدعيه من منظومة تفوقية في المجالات كافة لا سيما السياسية والدبلوماسية. وهنا تثبت القيادة الفلسطينية ومعها كافة أبناء شعبنا في كافّة أماكن وجوده انهم حجر الأساس في حل القضية الفلسطينية وفقا لحقهم المشروع بالحرية وتجسيد دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس  الشريف وحقهم في العودة إلى أرضهم المتجذرين فكريا ووجوديا فيها بالرغم من بعدهم المكاني عنها.