واحد وسبعون عامًا مرّت على النكبة التي أرادت في سنواتها الأولى أن تدفع بشعبنا إلى مهاوي العدمية، وبفلسطين إلى الشطب المطلق من الجغرافيا والتاريخ معًا، لكنّ أمر الحق لا يمكن شطبه وأصحابه بإرادة حرة، وبهوية وطنية وقومية وإنسانية، لا تقبل الزيف ولا التغيير ولا التحول نحو عبث العدمية وحياتها الفارغة من كل معنى وهُويّة.

ومع أنَّ صنّاع النكبة الذين جاءوا من خلف الأطلسي بسفن ومصالح الغرب الاستعماري، ما زالوا يحاولون ولخدمة المصالح الاستعمارية ذاتها، تحقيق أهداف ما صنعوا، غير أنَّهم لا يرون أنَّ اليوم الذي بدأ إطلالة جديدة مع مطلع عام خمسة وستين من القرن الماضي والذي ما زال يتفتّح أكثر وأكثر على مستقبل الحُرّيّة والاستقلال، لا يرون أنّ يوم فلسطين هذا وقد بات مشرقًا بالإرادة الوطنية الحرة، ليس كيوم البارحة الذي شهد خيام اللجوء والتشرُّد، وحتى أنّهم لم يروا أنّ هذا اليوم، ونعني يوم النكبة، كان يوم الأسئلة الوطنية الكبرى، ويوم البحث عن دروب الخلاص واستعادة الحضور الفلسطيني في خرائط الواقع السياسية والإنسانية، وفي وقائع القرار الوطني المستقل، الذي سرعان ما تفتح على ثورة المستحيل وقد باتت واقعًا لا يقبل الجدل ولا الهزيمة.

نقول حاول صنّاع النكبة ذلك، وأكثر وهم يستهدفون في اللحظة الراهنة، وبمشروع ما يسمى "صفقة القرن" إغلاق الآفاق كلها أمام مستقبل فلسطين السيدة بدولتها المستقلة، وبعاصمتها القدس الشرقية، ومرة أخرى لا يرى هؤلاء وحلفاؤهم، حقيقة الإرادة الفلسطينية الحرة، وحقيقة قرارها الوطني المستقل، بقيادته الشرعية التي تكرس في كل لحظة استحالة شطب الحقوق الفلسطينية المشروعة وتدمير أهدافها وتطلعاتها العادلة، وهي تتصدى لكل مؤامرات المشاريع التصفوية، وفي مقدمتها اليوم مشروع صفقة ترامب الصهيونية، وحين يقول الرئيس أبو مازن إن فلسطين كلها على قلب رجل واحد تقول لا لصفقة العصر وان القدس أغلى من كل أموال العالم فهذا يعني أن الإرادة الوطنية الحرة كانت ومازالت وستبقى بالصلابة ذاتها وبالخير والعافية كلها، وان القرار الوطني المستقل، هو قرار فلسطين وموقفها الذي يشير إلى حتمية هزيمة "صفقة القرن" التي تتوهم بإمكانية اقتلاع فلسطين من اسمها وهويتها وتاريخها ومستقبلها تحت مسمى "فلسطين الجديدة" (!!)

ما قاله الرئيس أبو مازن وما يقوله دائمًا بالموقف والخطاب وفي كل مكان ولحظة أنّ فلسطين هي ذاتها فلسطين التاريخ، والقضية، والحقوق المشروعة، والأهداف والتطلعات العادلة، وجديدها على مدار الزمن، هو جديد الحرية، وصلابة القرار الوطني المستقل، الذي وحده من يبقي الآفاق مفتوحة على مستقبلها الحر الأكيد، ولو كره المتآمرون، الأعداء والخصوم معًا.

وأمام هذا الموقف الراسخ والحاسم، لعلّنا ننصح أصحاب الصفقة الفاسدة واللاهثين في دروبها أن يقرأوا ما قاله شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش "على هذه الأرض سيدة الأرض كانت تُسمّى فلسطين، صارت تسمى فلسطين". وستبقى دومًا هي فلسطين الحضارة والتاريخ وأيقونة النضال الوطني الإنساني النبيل في سبيل الحُرّيّة والاستقلال.