كنا نحلم بهذه المطبعة، ونرجو تحقق هذا الحلم، لا لأنّنا نريد لصحيفتنا "الحياة الجديدة" تطورًا مهنيًّا لافتا في الصّورة والحرف، لعناية أجدى بالمضمون فحسب، وإنّما لأنّ المطبعة الوطنية في مشروعنا الوطني التحرّري، واحدة من مقومات الدولة، ومشروع استراتيجي من مشاريعها، لأنّه وحيثما ظهرت الطباعة بفلسفة وسياسة وطنية وإنسانية، ازدهرت المعرفة بضروراتها الإنتاجية والتنموية، وتنورت مجتمعاتها وتقدمت على دروب التطور والحرية والازدهار.
كنا نحلم، وكان الرئيس أبو مازن يرى حلمنا، وهو الذي يكرّس وعي الدولة في حياتنا كل يوم، بإصراره على بناء المزيد من مقومات الدولة، والمضي في دروبها خطوة إثر خطوة، قصر للثقافة، ومكتبة وطنية، ومطبعة وطنية باتت على الطريق، ومشاف متخصصة، ومدارس أكثر، ومناطق صناعية، وزراعة إنتاجية، وقضاء نزيه، بمحاكم تحكم بالعدل، وتشريعات تنظر للمستقبل حيث الدولة الحرة المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.
كنا نحلم، ونردّد على قدر أهل العزم تأتي العزائم، فجاء قرار الرئيس أبو مازن أن نمضي لإنشاء المطبعة الوطنية، بتمويل من موازنة الرئاسة، وبدأنا المسيرة في مجلس إدارة "الحياة الجديدة" الذي يرأسه المشرف العام على الإعلام الرسمي الوزير أحمد عسّاف، الذي أعطى لهذه المسيرة، والحق يقال، حيوية استثنائية، في البحث عن أفضل السبل، وأكثرها نزاهة لإنجاز هذا المشروع الاستراتيجي، وحدث أن المستشار الدبلوماسي للرئيس أبو مازن، مجدي الخالدي اقترح تمويلاً من تبرّع ممكن من حكومة الهند الصديقة، وتابع هذا الموضوع حتى بات واقعًا بعد زيارة رئيس وزراء الهند لفلسطين في الشهر الثاني من هذا العام، ومباحثاته مع الرئيس أبو مازن، التي أثمرت التوقيع على إنجاز عدد من المشاريع التنموية في فلسطين، بتمويل من حكومة الهند الصديقة، ومن بينها كانت المطبعة الوطنية.
شكّل مجلس إدارة الحياة الجديدة بعد هذا التطوّر لجنة شراء فنية برئاسة عضو المجلس باسم برهوم، وضمَّت اللجنة عددًا من الخبراء الفنيين وممثِّلين عن وزارة الاقتصاد والمالية وديوان الرقابة العام إلى جانب رئيس تحرير الصحيفة، لم تُبقِ هذه اللجنة بشأن هذا الموضوع، شاردة ولا واردة إلّا وأشبعتها بحثًا ونقاشًا، لأجل الوصول إلى امتلاك فلسطين لأفضل مطبعةً وطنيةً تساهم في التنوير، الذي يخدِم تطلّعات شعبنا في البناء والتقدم والحرية والاستقلال.
مطلع الأسبوع الماضي، وصلت مسيرة مجلس إدارة "الحياة الجديدة" إلى منتهاها بعد أن قدّمت أوراقها كاملة، التي خضعت لمراجعة المستشار القانوني في وزارة المالية، فداء أبو حميد، وفي مكتبه يوم الخميس الماضي وقع وزير المالية شكري بشارة عقد إنشاء المطبعة الوطنية مع شركة "كوزماس انترناشيونال الهندية" بحضور المشرف العام الوزير أحمد عسّاف والمستشار الدبلوماسي للرئيس أبو مازن، مجدي الخالدي، سبق التوقيع كلمات للوزير بشارة والوزير عسّاف والمستشار الخالدي، أجمعت على أهمية هذا المشروع وضرورته كأحد مقوّمات الدولة، ودعت إلى تعميم فكرة الضّرورة هذه في مختلف تطلعاتنا المستقبلية، خاصة وان فكرة الضرورة هذه هي ما يشغل الرئيس أبو مازن على مدار الساعة.
في لحظة التوقيع، دمعت عيناي أنا شخصيًّا، من غبطة وثقة بالمستقبل، وقد رأيت في تلك اللحظة، وبلا أية مبالغة وجه الرئيس أبو مازن مبتسمًا ابتسامة رضا، وقراره بشأن المطبعة الوطنية بات يمشي على قدمين. شكرًا للهند الصديقة، وشكرًا للرّئيس أبو مازن، وهو يضع أحلامنا موضع التّحقيق. ومرة أخرى ودائمًا، على قدر أهل العزم تأتي العزائم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها