في ذكرى التجديد أو التأسيس قبل خمسة وعشرين عاما للجبهة العربية الفلسطينية بقيادة الراحل الكبير الصديق العزيز جميل شحادة، لا يمكن ان تحل الذكرى ولا أتوقف أمام ذكرى أبو خالد، ليس لأنه الأمين العام للجبهة فقط، بل لأنه الصديق والأخ العزيز والقائد الوطني المتميز، الذي فرض حضوره بقوة في الساحة الوطنية، رغم كل العقبات والتعقيدات، وأوجد مكانا للجبهة كند للقوى الوطنية في منظمة التحرير والساحة السياسية عموما.
بعد غياب قارب من العامين على رحيل الرفيق والصديق الفارس والأصيل، ما زال جميل شحادة حاضرا بقوة في مسيرة الكفاح، لا بل نفتقده جميعا، وأقصد الكل الوطني، لما له من خصال وسمات قيادية متميزة. وإذا كان البعض يستحضر تجربة أبو خالد شحادة في ميادين العمل، فإني شخصيا أفتقده دوما بحكم العلاقات الأخوية الحميمة، التي ربطت بيننا. وكونه كان، رغم ما بيننا من تباينات، خير الأخ والصديق الشجاع، والحكيم وصاحب الكاريزما، ولأنه كان مثالا للوفاء والإباء والمصداقية والتواضع، ولم ألمس يوما حتى ونحن مختلفان إلا وجميل يواظب على التواصل، والحرص على ديمومة العلاقة ودفئها.
في ذكرى انطلاقة أو تجديد التأسيس الـ25 للجبهة العربية الفلسطينية كان جميل حسن شحادة موجودا بزخم في الوجدان، وكان حضوره مضيئا كالبدر بين رفاقه وأقرانه في الهيئات القيادية. ورغم ان رفاقه جميعا في المؤسسات القيادية، خاصة الأخ والصديق العزيز اللواء سليم البرديني، الأمين العام الحالي للجبهة، واصلوا مسيرة الجبهة، وحافظوا على مكانتها وثوابتها الوطنية، وتمسكوا بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب، وحرصوا على ملء الفراغ، غير ان الضرورة تحتم التأكيد، بأن غياب جميل شحادة كان ثقيلا عليهم وعلى مكانتهم، للخصال، التي كان يتمتع بها، وللإقدام والشجاعة في قول كلمته وموقفه ومواقف جبهته.
نعم، الجبهة العربية الفلسطينية، تنظيم صغير، ولكنه كان وما يزال كبيرا بأمينه العام السابق، الراحل النبيل جميل شحادة، وأيضا كبيرا بأقرانه وخلفه الأمين العام الحالي اللواء أبو خالد البرديني وأعضاء الهيئات القيادية. وأتمنى للجبهة العربية الفلسطينية ان تبقى قوية ومتماسكة ومتقدمة الصفوف الوطنية بثبات قياداتها وكوادرها وأعضائها، وفي دفاعهم عن المشروع الوطني بقيادة منظمة التحرير ورئيسها محمود عباس.
وفي ذكرى التأسيس والتجديد، التي لم يحالفني الحظ مشاركة رفاق جميل المناسبة في الخان الأحمر لأسباب موضوعية قاهرة، فإني أتمنى للجبهة المزيد من التقدم والرقي، ومضاعفة الإنجازات والنجاحات التنظيمية والسياسية والكفاحية، وحماية مشروعهم التنظيمي، والارتقاء فوق الصغائر والمنغصات، والابتعاد عن الهنات، وتجاوز المثالب والنواقص والحسابات الصغيرة والضيقة حفاظا على تجربتهم، ووفاء لروح المناضل والقائد الكبير الشهيد جميل حسن شحادة، ابن قرية ارتاح البطلة، التي احتضنت رُفات جثمانه الطاهر، والرابضة على تلال طولكرم الأبية، والرابطة بين البحر والجبل حاملة النسائم العطرة لأبناء الشعب في المثلث ومدن الساحل في داخل الداخل للجزء المحتل من فلسطين التاريخية في الخامس من حزيران 1967، أو أراضي دولة فلسطين المحتلة.
صديقي العزيز جميل لن اقول وداعا لك، لأنك باق ما بقي الوفاء للصداقة والأخوة والرجولة، وساهنئك حيث أنت في الفضاء السرمدي مع الأنبياء والصديقين واصحاب الضمائر الحية والشهداء بالذكرى، وأتمنى لرفاقك وخلفك النجاح والانتصار على الصعاب والإشكاليات المختلفة. وأتمنى لأبنائك وعائلتك الصغيرة والكبيرة الكريمة حمل راية الوفاء لمسيرتك، وخيارك وتجربتك، رغم كل المنغصات الصغيرة. نم يا صديقي قرير العين، ولا تفكر بشيء، ولعلها حكمة الله العلي القدير، أنه اختارك لجواره باكرا حتى لا ترى ولا تسمع ما جرى ويجري في المشهد على الصعد المختلفة.