أثبت الشعب الفلسطيني دائما قدرته على الصمود في أرضه، وعلى ثوابته في العودة والاستقلال. ومهما تمادى الاحتلال في غطرسته واستهتاره بالحقوق الوطنية لهذا الشعب العظيم ، ومهما حاصره بالاستيطان والجواحز والجدران العنصرية ، فإن لهذا الشعب كامل القدرة على التكيف، وعلى تعديل وابتكار أساليب نضالاته، وبما يناسب كل مرحلة من مراحل قضيته وظروفها.

إن الطريق إلى الامم المتحدة ليست آخر المطاف، ولا هي كلمة السر النهائية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بل هي واحدة من محاولات هزّ باب الضمير الانساني – الدولي للتذكير بمأساة هذا الشعب العظيم. وهي استحضار لاهمية  القضية الفلسطينية في معمعة الواقعين العربي والدولي المنشغلين بالكثير الكثير من الملفات الهامة اليوم. وهي – أي القضية الفلسطينية تدفع إلى سدة الواقع كأهم قضية عادلة – عالقة في المحافل الدولية بكل مؤسساتها واختصاصاتها ومصداقيتها.

الفلسطينيون والعرب، ومعهم المسلمون والاحرار، في عالمنا ذاهبون إلى الامم المتحدة للحصول على اعتراف المؤسسة الدولية بحقهم، الذي تأخر كثيراً عن الترسخ معنويا ومادياً ، فيما كيان الاحتلال المغتصب الذي ارتبطت شرعية وجوده بقيام الدولة الفلسطينية ، تم الاعتراف بوجوده ، وتثبيت قيامه – ولو كلقيط على المستوى القانوني – الشرعي.

الفلسطينيون ذاهبون، وهم مدركون كامل المخاطر والعوائق والتهديدات الصادرة من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ومدركون للتردد الاوروبي المشوب بزندقة بعض دولها وبالمغلفات المغلقة التي صدّرها البيت الابيض للعديد من الدول الضعيفة وغير المهتمة بفلسطين وشعبها  ولتلك الدول التي تعتاش او تتلهف لبعض فتات الرشوة الاميركية . الفلسطينيون وقفوا سلفاُ على حقيقة الفيتو الاميركي الجاهز والمعد للوضع على طاولة مجلس الأمن، مسبوقاً بمحاولة عدم ايجاد النصاب الذي يبرره... لكن الفلسطينيين ذاهبون إلى الامم المتحدة.

قد ينحج الامر ، وقد تنجح الضغوط الاميركية – الصهيونية ، لكنه ليس آخر المطاف . المهم أن تبقى جذوة القضية مشتعلة ونابضة ، والمهم أن تعي شعوبنا وقادتنا أن زمن الاحتلال المجاني للارض الفلسطينية والعربية قد ولى. فيما المهم أكثر أن تعرف الولايات المتحدة وكل من معها من موالين ومنحازين ومرتشين – على حساب الحق الفلسطيني والعربي أن لا تراجع عن تأكيد هذا الحق وعلى العمل بكل الوسائل لترسيخه واستعادته. والمهم ان يعلموا اكثر أن زمن الحديث عن الدولتين قد قارب انتهاء مفعوله ، لان الفلسطينيين لن يكرروا غفلة زمن أخرى ويتركوا أرضهم ... فالمرحلة القادمة من النضال الوطني سوف تتجاوز الحديث عن دولة على بعض قشور الارض الفلسطينية. أجل سوف يكون الحديث عن دولة وطنية واحدة، يتساوى فيها الفلسطيني والإسرائيلي، مضافاً إليها حق عودة كل فلسطيني . لذلك لن يحاصر الاستيطان شعب فلسطين، بل التجمعات الفلسطينية هي التي سوف تحاصر قطعان المستوطنين ومشروعهم العنصري... هو صراع بدأ منذ أكثر من 62 عاما، ولن يتوقف إلا بحصول الفلسطيني على حقه المنصوص في كل الشرائع والمواثيق.