يامن نوباني

يلاحق المخرج الفلسطيني خليل جبران تفاصيل القدس، تاريخها، ناسها، مقدساتها، أسواقها، حاراتها، أزقتها، بنيانها، مناسباتها، ويبرزها في أعمال فنية، من برامج تلفزيونية وأفلام وثائقية، في مواجهة تهويد المدينة المقدسة ومحو آثارها العربية والاسلامية.

جبران، يقيم بين القدس ورام الله، يدير شركة إنتاج، صنع منذ بداياته ما يقارب 1800 عمل فني تتحدث جميعها عن القدس، أبرزها: قلاع الأقصى، العاصمة المحتلة، مقدسيات، رمضان في القدس.

إلى جانب ذلك، صنع جبران العديد من الأفلام، أهمها: أنا القدس، بوابة السلام، الحجارة الناطقة، همزة الوصل، 51 يوم، طريقنا إلى القدس.

يقول جبران لـ"وفا": في كل أعمالي الفنية أبرز معلما من معالم مدينتي القدس المحتلة، لنقل الرواية والحقيقة للعالم لما يجري في القدس من استيطان وتهويد ومحو لمعالم المدينة، ومحاولات إفراغها من سكانها الأصليين، الفلسطينيين، خاصة في البلدة القديمة ومحيطها.

ويضيف: الملايين محرومون من زيارة القدس، ولا يعرفون ما الذي يجري فيها، وأنا أنقل الصورة، وأوصل للعالم ماذا تعني القدس، وكيف تسير الحياة فيها، وكيف يعيش الفلسطيني المهدد دوما بالترحيل أو هدم بيته، والملاحقة والمضايقة اليومية التي يتعرض لها.

وحول أبرز أعماله، يقول: هناك عمل فني اسمه 45 من قلاع الأقصى، يتحدث عن البوائك والزوايا والأبواب، وكل تفاصيل المسجد الأقصى.

يروي جبران، هناك تقصير من الإعلام العربي لمدينة القدس، حيث تقل الأنشطة الاعلامية التي تبرز جرائم الاحتلال بحق المقدسيين ومقدساتهم وبيوتهم وقوتهم.

"الماكينة الاعلامية العربية في القدس خيبت آمالي بتغيبها الواضح عما يجري في المدينة، خاصة المسجد الأقصى ومحيطه، من اعتداءات يومية وانتهاكات جسيمة بحق المقدسيين والبيوت والآثار والمقابر الاسلامية، وفي حال وجدت تغطية اعلامية عربية فهي تكون محدودة وعابرة، دون أن تتعمق في قلب وزوايا ما يقوم به الاحتلال، وهذا برز على الأقل في العامين الأخيرين، حيث يلاحظ تراجع عمل الاعلامي العربي في القدس والذي كان ينقل صورة ومشهدا أكثر قوة وغزارة"، يقول جبران.

ويضيف: قبل سنوات بدأت بعمل يتعلق بالأسرى خاصة المرضى منهم، لصالح إحدى المحطات العربية المشهورة بقوتها ونفوذها، لكن العمل لم يكتب له النجاح، بسبب أجندة خاصة بتلك المحطة والتي طالبتني بالحوار مع إدارة سجون الاحتلال، وأن يبدي رأيه في القضية، متذرعة بأنها تأخذ الطرف والطرف الآخر، ولا تتبنى فكرة من جهة واحدة، ما دعاني للرفض القاطع والانسحاب من استكمال العمل وبثه عبر محطتهم.

ينوب جبران عن الإعلام الضخم المتوفر بأيادي وأماكن كثيرة، بإمكانياته البسيطة، لكنه يؤكد أن دوره مهم وحيوي في مرحلة تصاعد تشويه المدينة المقدسة، مؤكداً أنه: "صاحب رواية ورسالة".

"كل عام أنقل صلاة التراويح والجمعة مباشرة من المسجد الأقصى لصالح تلفزيون فلسطين، الذي يطلب مني تصوير كل شيء وأي شيء في القدس، حتى أنهم يقولون لي: حتى لو وضعت الكاميرا باب العامود لتلقط الغادي والرائح" يضيف جبران.

وعن آخر أعماله الفنية قال: لدي عمل وثائقي 360 فيديو، كل فيديو مدته دقيقتان، يحكي نبذة عن زاوية بالقدس، أطلقت على هذا العمل "ألبوم القدس والتاريخ المقدس".

ويتابع: أعمل الآن على عدة أعمال تتحدث عما يجري من حفريات وتغيير معالم تحت المسجد الأقصى والأحياء المجاورة والمحيطة به خاصة سلوان وبطن الهوى، وعن "تسريب العقارات" 30 حلقة لصالح مركز الاعلام، وعمل حول العائلات المقدسية وهو مسلسل "جذور مقدسية".

يمتلك جبران اليوم أرشيفا ضخما عن مدينة القدس، قائلا: الأوضاع هنا تتغير بشكل مستمر، ولا بد لنا من تثبيت الذاكرة الفلسطينية التي يحاولون محوها.

ويبين: اضافة إلى التوثيق نحن نقوم بتعريف الناس بمدينة القدس، ليس فقط من يقطنون خارجها أو لا يعرفونها إلا عبر نشرات الأخبار، حتى لمن هم فيها، مثلا: الكثير لا يعرف أن أراضي "لفتا" المهجرة تصل أراضيها حتى باب العامود وشارع صلاح الدين.

ويشير جبران إلى أن "القطار الخفيف والحدائق التوراتية المعلقة شوهت الكثير من معالم القدس، والأنفاق والحفريات تحت المسجد الأقصى وسلوان، وأنا أعمل على توثيق تلك الحفريات، اليوم أصبح بإمكانك أن تمشي وتشرب قهوة وتحضر سينما تحت الأرض هناك!".

"مقبرة باب الرحمة، من الاماكن التي نمنع من تصويرها، ويمنع حتى من الوصول اليها، وقلة فقط تتمكن من دفن موتاها هناك، ليلا وبالخفية" يقول.

لا يمر عمل جبران دون مضايقات، فكاميراته تعرضت كثيرا للتحطيم ورش غاز الفلفل عليه وعلى زملائه، حتى باتوا يعملون كثيرا في الخفاء، "في عقبة الخالدية مثلا، هناك عائلة فلسطينية واحدة "عائلة صب لبن"، في محيط جميعه من المستوطنين، مع ذلك نغامر ونذهب للتصوير، بينما يعمل الاحتلال والمستوطنون على ألا تخرج الصورة وألا تبرز تفاصيل وقذارة الاحتلال في حي يسمونه "الحي الاستيطاني المتجدد".

ويوضح: ما يقهر الاحتلال في الآونة الاخيرة هو ممارسة السيادة الفلسطينية في القدس، ونحن قمنا بتصوير تلك السيادة، وتعرض الكثير من الرموز المقدسية للاعتقال والاحتجاز، وأمكنة تعرضت للمداهمات.

ويختتم جبران: الوضع مبكٍ في القدس، احتلال يسابق الزمن في التهويد، يخطط وينفذ، وما يجري تحت الأرض أكثر وأخطر مما يجري فوقها، خلال التصوير تتألم وأنت ترى تاريخك يذهب وترسم حدودا جديدة، ومخططات تهدف إلى ربط عشرات المستوطنات ومدن الاحتلال ببعضها وتقصير المسافات على المستوطنين.