شكل قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي القاضي بوقف إمداد قطاع غزة بمواد البناء بعد اكتشاف نفق خانيونس ثورة جديدة في أسعار مواد البناء وعلى وجه الخصوص " الأسمنت" الذي ارتفع سعره إلى أكثر من الضعفين في السوق السوداء دون رقيب ولا حسيب حيث وصل مؤخراً سعره إلى (1200 شيكل).

ولكن اللافت والغريب في هذا الأمر انتشار الأسمنت المصري المسمى بالأسمنت " العسكري" والذي يدخل رسمياً عبر معبر رفح البري لصالح المشاريع القطرية في قطاع غزة بتمويل القطريين والأتراك.

وتدخل السلطات المصرية الأسمنت رسميا من فوق الأرض بعد أن كانت الحكومة المقالة التي تديرها حركة حماس تعتمد كل الاعتماد على الأنفاق الأرضية في تهريب المنتجات والسلع ومواد البناء إلى القطاع.

 

كابونة وشروط التوزيع..

وبحسب الناشط والكاتب هشام ساق الله فإن وزارة الاقتصاد المقالة استحدثت نظام جديد لتوزيع الأسمنت على المواطنين تمثل في ( الكابونة) حيث يتم تجميع كل الاسمنت الذي يدخل إلى قطاع غزه عبر معبر رفح البري ووضعه تحت سيطرة الوزارة وهي التي تقوم بتوزيعه على التجار والمواطنين الذين لديهم ورشة بناء في بيوتهم .

ويشترط من كل مستفيد من كابونة الاسمنت أن يكون لديه ترخيص من المجالس البلدية القروية ودافع لكل الرسوم الخاصة فيها كما يطلب منه أن يكون دافع لفواتير الكهرباء والبلدية حتى يستطيع أن يأخذ كابونة اسمنت وهي بالمناسبة لا تزيد عن طن أو طن ونصف بأحسن الأحوال. وفق ساق الله.

ويضيف ساق الله " إن وزارة الاقتصاد المقالة تحتسب طن الأسمنت على المواطن "النظيف" من كل الرسوم والملتزم والدافع للكهرباء ولكل شيء بمبلغ 525 شيكل ويدفع أيضا مبلغ 50 شيكل لكي يوصله إلى البيت الذي يقوم بانجازه ويعود مره أخرى ليقف في دور الوزارة من اجل الحصول على طن اخر لإتمام كل ما يحتاجه وإنهاء منزله وورشة البناء المفتوحة لديه ".

 

1200 شيكل الطن في السوق السوداء..

وأكد عدد من المواطنين أن تجار كثر يبيعون طن الأسمنت بـ"1200" شيكل حيث يقومون باستغلال تراخيص قديمة موجودة لديهم لأناس موثوق بهم خوفا من ملاحقة الجهات المسؤولة التي لا تفرض رقابة كافة على هؤلاء التجار.

ويقول أبو محمد فتوح لـ" فلسطين برس" إنه اضطر مؤخراً إلى شراء طن الأسمنت بـ"1200" شيكل من أجل استكمال بناء عمارته التي وقف البناء فيها على "تشطيبات" بسيطة كما قال.

وأضاف فتوح "  حاولت الحصول على طن اسمنت من الوزارة ولكن الأمر يحتاج إلى وقت من أجل أن يصلني الدور لذلك اضطررت إلى الشراء من أحد التجار الذي استغلني ولكن ما باليد حيلة واضطررت لذلك لإنهاء معاناتي في إتمام عمارتي ".

مواطن أخر رفض كشف هويته قال انه قام بشراء 20 طن اسمنت على حسابه الخاص وإرسالها إلى إحدى شركات الباطون من أجل إتمام بناء سقف منزله, مشيراً إلى أن اضطر هو الآخر بشراء الاسمنت بسعر مرتفع ولكن هذه المرة بسعر أقل من 1200 شيكل نظراً لأن التاجر الذي يتعامل معه صديق له.

وأضاف " شركة الباطون طلبت مني أن أشتري الاسمنت على حسابي الخاص نظرا لعدم تمكنهم من الحصول على تلك الكمية من وزارة الاقتصاد المقالة وهذا الأمر الذي دفعه لشراء الكمية بسعر مرتفع لإنهاء " بناء سقف منزلي" وهو ما كلفه أكثر من الضعف.

وأشار إلى أنه إذا ما سعى وراء الوزارة للحصول على تلك الكمية فإن الأمر سيحتاج إلى أشهر طويلة نظراً لأن الوزارة لا توزع سوى طن واحد على كل مواطن يريد البناء وهو الأمر الذي سيكلفه وقت وتكليف كثيرة.

 

الأسمنت يدخل عبر معبر رفح للمشاريع القطرية..

وبحسب مختصون في المجال الاقتصادي فإن الأسمنت الذي تدخله الحكومة المقالة عبر معبر رفح يدخل للمشاريع القطرية في قطاع غزة ولكن ما يجري حالياً هو قيام حماس بالسيطرة على تلك الكميات وبيعها للمواطنين والتجار حسب شروطها.

وأشار المختصون إلى أن مواد البناء التي تدخل القطاع يجري إدخالها عبر شركة المقاولون العرب التي تولت توريد مواد البناء للجنة الاعمار بموجب اتفاق تم توقيعه العام الماضي بتمويل قطري.

ويبقى التساؤل هنا مطروح هل القطريين على علم بما تفعله حماس في غزة بشأن بيع اسمنت المشروع القطري ومن المستفيد من ذلك.

هذا واشتكى العديد من التجار من جودة الأسمنت الذي تقوم حماس بتوزيعه على السوق نتيجة سوء تخزينه في بعض الأماكن الخاصة بوزارتي الأشغال العامة والاقتصاد التابعتين للحكومة المقالة.

وأقر مختصون أن حركة حماس كانت تعتمد بشكل كبير خلال الفترة الماضية على أنفاق التهريب حيث كانت تهرب يومياً إلى قطاع غزة ما يقارب من (3000-4000) طن اسمنت يومياً للقطاع.

 

هل الأمر مرتبط بتجاوز حماس لأزمتها المالية..

ويرى مراقبون أن تلك الخطوة التي تقدم عليها الحكومة المقالة هي محاولة للتخفيف من أزمتها المالية بعد إسقاط حليفتها جماعة الإخوان المسلمين في مصر حيث أثر ذلك بشكل جلي على مصدر تمويلها.

ويشير المراقبون إلى احتمال أن يكون ذلك بالاتفاق بين حركة حماس وقطر من أجل تخفيف حدة الأزمة التي تعاني منها حماس حيث يعتبر قطاع غزة أرض خصبة "للبناء" الأمر الذي تراه حماس فرصه لجباية الأموال من المواطنين.

 

الأسمنت الإسرائيلي لا يلبي احتياجات القطاع..

 

وقال عدد من المختصون إن كميات الاسمنت التي أدخلتها إسرائيل خلال البعض اسابيع الماضية تعادل 25 % من احتياجات قطاع غزة وذلك للقطاع غزة في الوقت الذي يحتاج فيه القطاع الخاص ما يقارب 800 طن من الاسمنت.

وأضاف المختصون لـ" وكالة فلسطين برس للأنباء " أن ما جرى إدخاله من الجانب الإسرائيلي قبل قرار المنع على إثر اكتشاف نفق المقاومة في خانيونس لا يلبي احتياجات السوق نهائياً الأمر الذي أعاد الوضع إلى أسوء حالاته في قطاع غزة.

وأوضح المختصون أن قطاع الإنشاءات في قطاع غزة تعطل بشكل كلي في الوقت الحالي وخاصة المباني التي تم إنشاءها دون استكمال تشطيبها نتيجة عدم توفر مستلزمات البناء.

 

قطاعات تعتمد على قطاعات أخرى..

ورأي المختصون أن توقف محطة توليد الكهرباء عن العمل في قطاع غزة أثرت هي الأخرى على قطاع الإنشاءات والقطاعات التشغيلية التي تعمد على الكهرباء والوقود بشكل أساسي.

ويشار إلى أن المراحل الأولى من تنفيذ المشاريع القطرية في غزة والتي تبلغ تكلفتها نصف مليار دولار قد انتهت ويشرع بالمراحل الأخرى التي لوحظ توقف العمل فيها بشكل جزئي بعد إغلاق السلطات المصرية لأنفاق التهريب بالرغم من أن مصر تدخل مواد البناء اللازمة لتلك المشاريع بصورة رسمية وفقا لاتفاق مسبق مع قطر عبر معبر رفح.

ومن أهم المشاريع القطرية هي تعبيد شارع صلاح الدين وشارع البحر إضافة إلى بناء مدينة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني السكنية في مدينة خانيونس.

وهنا السؤال إذا كانت السلطات المصرية تسمح باستمرار دخول مواد البناء لتلك المشاريع فلماذا تباطء البناء فيها بشكل سريع منذ إغلاق الأنفاق رغم توفر المواد اللازمة بطرق رسمية وهل اتفقت قطر مع حماس على بيع هذه المواد للتخفيف من أزمتها إلى حين حل مشكلة اغلاق الانفاق أو توريد مواد أخرى عن طريق إسرائيل بديلا عنها.