يصادف غدا الأربعاء، التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، ذكرى قرار تقسيم فلسطين "181" عام 1947.

صدر قرار رقم 181 (د-2) عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/11/1947، فيما عرف بقرار "تقسيم فلسطين"، الذي تضمن إقامة دولة يهودية على مساحة 54% من مجموع مساحة فلسطين البالغة (27027 كم2)، ودولة عربية على مساحة تقدر 44%، فيما وضعت مدينتا القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية لأسباب دينية، وهذا يتعارض مع عدد السكان، فقرار التقسيم تعامل مع الوجود اليهودي كأغلبية بينما العرب هم الأقلية، وهذا يؤكد ما جاء في وعد "بلفور".

عملت الحركة الصهيونية بكل ثقلها وعلاقاتها آنذاك على تأمين ثلثي الأصوات لإقرار خطة التقسيم، لما تتضمنه من تحقيق المصالح الصهيونية، وهو حلم الدولة اليهودية على أرض فلسطين "أرض الميعاد"، التي كانت الهدف الأسمى لهم منذ مؤتمر بازل الذي انعقد عام "1897".

وحتى أن لم يحقق كامل الحلم فقرار التقسيم كان بداية طريق النجاح، وقد شارك بالتصويت (56) دولة من أصل (57)، حيث امتنعت بريطانيا عن المشاركة في التصويت لصالح القرار بحجة إبقاء فلسطين تحت نظام الانتداب، وقد صوت لصالح القرار 33 دولة، فيما عارضته 13 دولة، وامتنعت 10 دول عن التصويت، كما رفض العرب القرار بالإجماع، باعتباره ينفذ وعد بلفور ويتعارض مع مبادئ حق تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت الاحتلال .

 وبذلك اختار العرب المواجهة العسكرية مع العصابات الصهيونية، وفتحوا مراكز التطوع والتدريب في كل من سوريا ولبنان والأردن، واتخذوا قرارا بتشكيل جيش الإنقاذ بقيادة الضابط السوري فوزي القاوقجي، وتخصيص مبلغ مليون جنيه لدعم فلسطين، وجيش الإنقاذ الذي جاء لينقذها بتعداد قوامه لا يتعدى 10 آلاف جندي، في الوقت الذي جهل به العرب قدرات العصابات الصهيونية ومدى تسليحها.

بلغ عدد أفراد هذه العصابات الصهيونية قرابة 70 ألف مقاتل أي سبعة أضعاف جيش الإنقاذ، بالإضافة إلى اقتنائه أحدث أنواع الأسلحة الموجودة آنذاك والقادمة من مخازن الجيش البريطاني في فلسطين والتي تركتها للعصابات الصهيونية، بالإضافة إلى سفن الأسلحة التي قدمت من أوروبا الشرقية والولايات المتحدة.

وفي مذكرات كتبها أحد الجنود الأردنيين الذين شاركوا في حرب 48 حيث قال: "إن الذخيرة التي كانت لدينا لم تكن تكفي لإحياء عرس في البادية الأردنية لمدة ثلاثة أيام"، وهذا يظهر بشكل واضح مدى الاستهتار بالمهمة التي كلفوا بها وعدم إدراكهم لحجم المشكلة المكلفين بإنهائها .

وأمام هذا التفوق الكبير لم يستطع جيش الإنقاذ أن ينقذ نفسه من الفخ الذي نصبه لنفسه، بفعل عدم إدراك حجم المعضلة التي نسجتها بريطانيا طيلة سنوات احتلالها لفلسطين، والتي عملت على تسمين اليهود في فلسطين عسكرياً، وقدمت لهم كل ما يلزم من دعم مادي ومعنوي، للوصول إلى اللحظة التي يستطيع بها اليهود الدفاع عن أنفسهم في الأرض التي اغتصبوها عنوة في حال رغبت بريطانيا الانسحاب من فلسطين .

كما تحتفل الأمم المتحدة غداً باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وفقاً للولايات المخولة من الجمعية العامة في قراريها 32/40 المؤرخ بتاريخ 2 كانون الأول/ ديسمبر1977، و34/65 دال المؤرخ 12 كانون الأول/ ديسمبر 1979، والقرارات اللاحقة التي اتخذتها الجمعية العامة بشأن قضية فلسطين.

 ويتصادف ذلك مع قرار تقسيم فلسطين، ويمثل هذا اليوم فرصة لمعرفة أن ما تمخض عنه قرار التقسيم هو نشوء دولة واحدة هي دولة "إسرائيل" بعد 6 أشهر من صدوره، ولكن بزيادة بلغت 23% عن مساحة الدولة المخصصة لهم في قرار التقسيم، فيما دولة فلسطين الشق الثاني من القرار لم يكتب لها الحياة حتى اليوم، ولم يحصل الشعب الفلسطيني الذي يتواجد نصفه في دول الشتات على حقه في تقرير مصيره، والحصول على دولة مستقلة بعيداً عن التدخلات الخارجية، وأن الشعب الفلسطيني لم يحصل بعد على حقوقه غير القابلة للتصرف على الوجه الذي حددته الجمعية العامة، وهي الحق في تقرير المصير، والحق في الاستقلال الوطني والسيادة، وحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أبعدوا عنها.

ويتخلل هذا اليوم دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى عقد جلسة خاصة في الجمعية العامة تتعلق بفلسطين واتخاذ عدة قرارات لصالحها بالإضافة إلى إلقاء كلمة من رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بالإضافة إلى عقد ندوات وحوارات وتوزيع مواد دعائية، وعرض أفلام وثائقية عن فلسطين في شتى دول العالم، ورغم حجم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني إلا أن غطرسة الاحتلال وعنجهيته في السيطرة على الأرض ومواصلة الاستيطان وتجاهله لعشرات القرارات الدولية التي تؤكد حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، يبقي هذا التضامن في إطار البكاء المستمر وجلد الذات لما لحق من الشعب الفلسطيني من ويلات منذ عام 1948م وحتى يومنا هذا، فلم تعد المواقف والتأييد تكفي فالتحرك الإسرائيلي على الأرض، يجب أن يقابله تحرك على الأرض في الجهة المقابلة .

ورغم رمزية هذا اليوم تسعى إسرائيل في كل عام إلى عرقلة الاحتفال به، ومنع اتخاذ أي قرار لصالح الشعب الفلسطيني ، وإن كان لا يؤثر على مشاريعها الاستعمارية والاستيطانية، وهذا يظهر بشكل واضح على الدعم الذي تتلقاه دولة الاحتلال من راعيها الأول وهي الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تؤول جهداً في إظهار الدعم لدولة الاحتلال في المحافل الدولية وتقديم الغطاء السياسي والعسكري لها بغية تحقيق مصالحها واستمراريتها في آن معاً، وكان آخرها وليست الأخيرة إعلان قرار انسحابها من منظمة اليونسكو احتجاجاً على قراراتها لصالح القضية الفلسطينية، على الرغم أنها حبر على ورق.

كما تسعى الولايات المتحدة الأميركية حالياً، إلى حشد التأييد العالمي والإقليمي لما أسمته بـ"صفقة القرن" التي لا يعرف تفاصيلها حتى الآن، ولكن المؤكد إنها تقدم حلاً مغايراً للقضية الفلسطينية، لا يستند على أسس الحلول التاريخية وقرارات الشرعية الدولية.

ويتصادف ذلك الحديث بعد مرور خمسين عاماً على إصدار قرار الأمم المتحدة رقم "242" الذي يمثل أساساً لحل الصراع العربي– الإسرائيلي، والذي فقد قيمته المعنوية، بفعل رفض إسرائيل تطبيقه على ارض الواقع، فإصرار إسرائيل على البقاء في غور الأردن، والإبقاء على التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية والقدس، يقتل فكرة الدولة الفلسطينية ذات التواصل الجغرافي الداخلي والخارجي، ويدمر أي فرصة لإنجاح عملية السلام المتوقفة أصلاً، وما تقوم به إسرائيل هو امتداد لقرار التقسيم فهي تريد حالياً تقسيم المقسم وتجزئته، بعد أن ابتلعت الأرض وحولتها إلى معازل وكنتونات بواسطة المستوطنات والطرق الالتفافية والحواجز والجدران وغيرها من الأساليب العنصرية التي تبتكرها كل لحظة.

الأمم المتحدة .. قرارات بلا تطبيق

وفي تاريخ 29/11/2012 تقدمت القيادة الفلسطينية بطلب إلى الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، للحصول على دولة بصفة مراقب، بعد فشل مبادرة فلسطين 194 في جعل فلسطين دولة عضو في الأمم المتحدة عبر التصويت في مجلس الأمن، حيث صوت لصالح القرار 8 دول من 15 (أقل بصوت واحد من المطلوب) يوم 29 نوفمبر، الذي اعترفت فيه الأمم المتحدة بدولة إسرائيل، وقد نال طلب فلسطين أغلبية الأصوات بواقع 138 دولة أيدت القرار و9 دول عارضته فيما امتنعت 41 دولة عن التصويت، وقد أصبحت فلسطين نتيجة لذلك دولة تحت الاحتلال وليست كياناً أو سلطة، بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/19 .

واليوم وبعد خمسة أعوام من ذلك الاعتراف لم يتغير شيء على أرض الواقع ، فجرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين تضاعفت كما تزايد البناء الاستيطاني بنسب لم يسبق لها مثيل منذ توقيع اتفاق أوسلو، وارتفعت عمليات التهجير وهدم البيوت والمنشآت الفلسطينية خاصة في مدينة القدس المحتلة، بالإضافة إلى القتل الممنهج الذي يمارسه جيش الاحتلال ومستوطنوه، من إحراق الطفل محمد أبو خضير إلى حرق عائلة دوابشة إلى سياسة الإعدامات الميدانية على الحواجز .

لم تدفع كل هذه الجرائم الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها المنوطة بها، خاصة إن هذه الجرائم تخالف مبادئ حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي كون فلسطين إقليماً محتلاً، واكتفت الأمم المتحدة بإصدار قرارات ضعيفة شبيهه بالشجب والاستنكار دون تحرك فعلي لتطبيق هذه القرارات.