القائد هو الذي يصنع التاريخ، وليس من البراعة في شيء أن يصنع التاريخَ زعيمٌ يمتلك دولة عظمى بمقدراتها وجبروتها وجيوشها، فقد صنع هولاكو وهتلر والإسكندر المقدوني -كل بطريقته- تاريخاً بقي محفوراً في ذاكرة البشرية..
لكن حنكة القائد تتجلى حين نرى قدرته على ترويض التاريخ الجامح ولٓيِّ عنق العقبات التي تعترض طريق شعبه ليسخِّر كل ما يظنه الجهلاءُ عواملَ ضعف، ويجعلَ منها سهاماً في جعبته التي يخالها خصومه وأعداؤه خاليةً من كل شيء إلّا من الفراغ.. وإذا بها تتفجّر عن ينبوعٍ من عوامل القوة والمناعة والقدرة على البقاء في مقدّمة بُناة التاريخ وبما يضمن لشعبه سرّ البقاء كرقمٍ صعبٍ لا يمكن لأحد مهما بلغت قوته أن يتجاهله..
قد يسأل سائل: ما الذي يجعل رئيس فلسطين وقائد "فتح" قادراً في كل مرة على قلب الطاولة فوق رؤوس الذين يجهزون المشهد للحظة اختفائه فإذا بهم يجدون أنفسهم عاجزين عن فهم أسرار إبقاء الشعلة مضيئة ومرفوعة عالياً في يد شيخ الدهاء الفلسطيني أبو مازن؟
الجواب بسيط: الرئيس أبو مازن هو من جيل المؤسّسين لحركة "فتح"، الرجال الذين تمرّدوا على واقع هزيمة الأمة بأكملها، أصحاب الفكرة الأولى، رعاة الحلم الوطني الممتد من أقصى نقطة في المنفى حتى بوابات القدس.. و"فتح" ليست ظاهرة عادية، قد تظن أنها شاخت واعترى الوهنُ عظامها لكنك تقف حائراً عندما تراها تنفض عن نفسها غبار آخر معركة خاضتها لتنطلق إلى معركة أخرى وتترك خلفها محترفي الشتائم يلهون بمغانم ومكاسب لا تليق بالرجال... يتسابق عبيد الظلام وغلمان الظلاميين إلى كتابة نعي حركة "فتح" والتحضير لمراسم موتها فتراهم كأنّ على رؤوسهم الطير وهم يرقبون "فتح" تستنهض ذاتها ومعها كل الشعب والأمة وضمير البشرية كلها يصنعون من عنفوانهم شمعة تضئ عتمة زنانين أسرانا البواسل.. قد يروق للبعض أن يظن أنَّ "فتح" قد تم ترويضها وتقليم أظافرها فإذا به يكتشف فجأة أن لفتح مخالب قاتلة وذراعاً طويلة تمدّها بعيداً لتضرب به أرباب الإرهاب في عين الحلوة، في الوقت الذي تصاب فيه الأمة بالجبن أمام داعش وإرهابها..
هذه هي "فتح" التي تعطي "أبو مازنها" كل هذه القدرة على الثبات في بحر يكتظ بالقراصنة وسمك القرش والألغام..
يقولون أن ترامب حليف اسرائيل الأقرب فإذا به يبدأ كلمته في البيت الأبيض بمديح رئيس فلسطين، الثابت على مواقفه، فيبادر رئيسنا إلى إلقاء محاضرة مختصرة ومركزة لتاريخ الصراع الفلسطيني مع المحتل يسمع لها ترامب كتلميذ مثابر مجتهد: تحدّث عن وجع شعبنا وعن معاناته، وعن الحق المطلق بالعودة وتقرير المصير وعن السرعية الدولية، عن الدولة وعاصمتها القدس، تحدث عن الأسرى -عنوان المرحلة وخيار شعبنا بالمواجهة حتى النصر..
اه صحيح: شو أخبار وثيقة حماس؟؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها