الشعب الفلسطيني الذي استطاع في ظل قيادته الشرعية أن يوحد عنوانه وقضيته، وأن يحقق عبقرية البقاء في معركة مستمرة منذ مئة سنة، وصل في صراعه مع الاحتلال الإسرائيلي إلى مرحلة عالية جداً،  بحيث هو اليوم يعتبر أحد الحقائق المكونة للنظام الإقليمي العربي وأحد الروائع الأساسية لهذا النظام،  وأحد الأسئلة الأساسية في إيجاد صيغة أساسية للسلام في هذه المنطقة في العالم، صيغة ترتكز أساساً على إعادة زراعته في الجغرافيا التي حذف منها تبعا لشطحات الفكر الاستعماري البائد الذي قامت على اساسه وبسبب ثقافة الحركة الصهيونية ومقولاتها ضد التاريخ.

وفي الأيام الاخيرة من العام الماضي، الذي سجل مئة سنة على نشوء القضية الفلسطينية، استطاع هذا الشعب بوعي قيادته الشرعية ان يسجل عدة انتصارات بشكل يفوق التوقعات أولها المؤتمر العام السابع لحركة فتح، وقرار مجلس الامن رقم 2334، وخطاب كيري الذي تضمن رؤيا وشهادة تاريخية، وتطبيقا لنظرية استثمار الفوز، فإننا على موعد قريب مع المؤتمر الدولي حول قضيتنا في باريس، ومع انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، ومع ملفات اصبحت جاهزة لمحكمة الجنايات الدولية حول ملفين اساسيين هما ملف الاستيطان وملف الاحتلال.

وهذه القائمة الكبرى من الانجازات الفلسطينية تحققت دون ان يكون الانقسام الاسود لا على جدول الاعمال ولا على جدول الذاكرة العالمية، بل ان الاحتلال الاسرائيلي الذي أوحى بذلك كله، وعبر عن مخاوفه بصراخ هستيري من جماعات التطرف في اسرائيل، وبمناقشات عميقة من اطراف اسرائيلية أخرى، لم يرد على بالها الانقسام الفلسطيني، وظهر انه بضاعة فاسدة لا تصلح للاستخدام، ولكن نحن فلسطينيا تتجدد رغبتنا في انهاء الانقسام الذي ارتكبت خطيئته منذ عشر سنوات، لانه لا يليق بشعبنا ان تلصق به صفة رديئة من هذا النوع تشوه مسيرته العظيمة.

الانقسام ليس فعلا فلسطينيا بأي درجة بل هو اوهام واباطيل قام على مقولات ساقطة، وبسبب رهانات تأكد اصحابها بفشلها، لكن الجزء الذي تورط فيها في فلسطين ظل يعبدها ويتشبث بها، وبينما نحن في الطريق لاقتلاع هذه الشوكة السامة، فعلينا ان نفرق بدقة بان قبول حماس في حضن الشرعية لا يعني قبول شرعية الانقسام ولا التعاطي معه بأي شكل، وطوال عشر سنوات مضت حاول عبيد الانقسام دمجه مع قضايا اخرى عديدة لشرعنته، ولكنه ظل عاريا ومفضوحا غير قابل للشرعنة، وكان اخر تلك المحاولات الحديث عن الفيدرالية، لا شرعنة للانقسام، ولا تعاطي معه، ولا تعامل مع فعالياته، فهو- فكرة وتطبيقا- لا ينتمى الى الزمن الفلسطيني، وترتكز خطيئته بسقوط هيكلهم الفكري والتنظيمي، ولن يحصلوا على اي ثمن سوى ممارسة حق الانتحار، وحتى في حماس نفسها فان الاغلبية ترى في الانقسام بناء فوق الموج ورطتهم فيه الفئة الباغية التي تعاني من مسكرات الموت والهزيمة.