يجوز لنا أن نصف الانتفاضات أو الثورات التي شهدها العالم العربي بأنها ثورة الشباب العربي، علماً أنَّ المشاركين فيها من مختلف الأعمار، والقضية الجوهرية لا تكمن فقط في الأعمار، وإنما تتوقف أيضاً على الأفكار، وحسن الإختيار، ورفض كل ما يؤدي إلى الانتحار أو الانهيار.
الانتفاضات والثورات ليست عملاً إرتجالياً أو ثأرياً، بل هي الدقة في معالجة الواقع من أجل تثويره، وتحريك عوامل النهوض فيه لتأسيس القاعدة التي سيتم البناءُ عليها. المهم في عملية التثوير، ومسيرة الاصلاح هو وضوح الرؤية، وتحديد الأهداف التكتيكية والاستراتيجية وحسن الربط بينهما.
إنَّ عملية التغيير التي تنشدها الحركات الشبابية المحاطة بمساندة قطاعات جماهيرية واسعة مندفعة باتجاه الخلاص من واقع ميؤوس منه إلى واقع آخر تتوافر فيه الديموقراطية والحرية، هذه العملية على أهميتها فإنها تحتاج من أجل تحقيق أهدافها قيادة مركزية تعرف ماذا تريد، وتبتعد عن الصراعات، وتتجنب تغليبَ ما هو فئوي وحزبي وشخصي على ما هو وطني وشمولي. المطلوب قيادة مجرِّبة ذات خبرة، قيادة تُحسن الاختيار، ولا تلهث خلف الشعارات التصعيدية، تنظر بعين الحقيقة إلى الحقائق.
المطلوب قيادة تفهم الخريطة السياسية القائمة، وتعي جيداً الخطط والبرامج والاهداف لدى مختلف الاطراف، قيادة تؤمن بالحوار من أجل بناء الوطن، قيادة قادرة من خلال وفائها وحسن إدارتها لعملية التغيير أن تصونَ مسيرة التغيير، وأن تحمي الأهداف المرسومة من حراك العابثين، والعفويين، والمشبوهين، والانقلابيين، والمغامرين، لأنَّ مصير الوطن لا يمكن التعاطي معه بعقلية المغامرة.
مسيرة الاصلاح والتغيير ليست بالسهولة التي يتصورها البعض، وهي ليست مجرد مظاهرات ومسيرات، وصدامات واعتقالات، فهذه كلها وسائل وأساليب، لكنَّ الجوهر يكمن في العقل المدبِّر. لكن هل هو عقلٌ طائفي؟ أو عقل حزبي؟ أو أنه عقل وطني جمعي قادر على صياغة القرار المدروس المبني على المصالح الوطنية العليا.
القيادة المطلوبة لا تساوم، ولا تغامر، وتحترم الثقة الممنوحة لها، والقواعد التي بنيت عليها هذه الثقة. وحتى لا تقع هذه القيادة في فخِّ الاطمئنان، والتسكين، والتضليل، عليها أن تدرك سلفاً بأنَّ القوى المتضررة على المستوى الدولي والعربي والمحلي لن تقف مكتوفة الأيدي، وهي تصرُّ على أن تؤدي دوراً مؤثراً على مسار التغيير والاصلاح يصبُّ في مصلحتها، ويخدم مخططاتها ومشاريعها، هذه القوى المضادة تنشط في عقد الصفقات، وتصيُّد المواقف، واستثمار نقاط الضعف، وبث الفتنة لتعطيل مسيرة التحرير والتغيير. فالقوى المضادة للثورات والاصلاحات لا تعرف النوم، ولا يهدأ لها بال حتى تحقق أهدافها، وتعيد صياغة ما يجري في الوطن العربي على طريقتها.
باختصار المشوار طويل، والعقبات كبيرة، والصراعات متوقعة، وليس أمام القيادات التي تنشد الاصلاحات، والحريات إلاَّ أن توسِّع أُفقَ المعالجات، ووضع الضوابط، واعتماد الخطط والبرامج لمواجهة كافة التحديات، والتدخلات السافرة للحفاظ على الإنجازات التي تمت وتراكمت خلال السنوات السابقة.
مفوضية الثقافة والاعلام – لبنان
الحاج رفعت شناعه
1/8/2011
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها