في موازاة الجهود التي تبذل على الخط السياسي من أجل تذليل العقبات أمام المبادرة التي أطلقها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بترشيح زعيم التيار الوطني الحر ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون إلى منصب رئاسة الجمهورية، تبرز مسألة ذات بعد دستوري وقانوني تتعلق بآلية انتخاب الرئيس الجديد من قبل المجلس النيابي في ظل حقيقة أن هذا المجلس قد انتهت ولايته، ولجأ إلى التمديد هذه الولاية لمدة أربع سنوات على مرحلتين.
وعلى الرغم من الاعتقاد لدى شريحة ليست بالقليلة من الطبقة والقوى السياسية بأن الأرضية غير متوفرة للوصول إلى تفاهم يفضي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلا أن البعض الآخر، يراهن على تسويات في اللحظات الأخيرة تساهم في حل هذه الأزمة، وإن كانت الأطراف الرئيسية تسعى ليكون مرشحها هو صاحب الحظ الأكبر في الوصول إلى الكرسي الرئاسي، بغض النظر عن كل الإشكاليات القانونية والدستورية التي قد تثار حول شرعية دور المجلس النيابي في انتخاب الرئيس بسبب التمديد.
قانونيون يعتقدون أن دور المجلس في انتخاب الرئيس الجديد لن يواجه أية عوائق دستورية أو قانونية، اعتمادا على التجارب السابقة التي حصلت في لبنان تحت ظروف خاصة أمنية بالدرجة الأولى.
ويستشهد هؤلاء القانونيون بما حدث في المرحلة التي رافقت الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت عام 1975 التي فرضت تمديداً لعمل المجلس النيابي حتى العام 1992 بعد التوصل إلى اتفاق الطائف وعودة الحياة السياسية اللبنانية الى طبيعتها بعد وقف الحرب الأهلية.
ويشير القانوني شوقي داغر إلى أن المجلس الذي انتخب عام 1972 قد مدد لنفسه ست (6) مرات، قبل إجراء الانتخابات عام1992 بناء على اتفاق الطائف، وأن هذا المجلس الذي مدد لنفسه قام بانتخاب خمسة (5) رؤساء جمهورية هم إلياس سركيس وبشير الجميل وأمين الجميل ورينه معوض وإلياس الهراوي، وذلك بناء على مواد واجتهادات دستورية وقانونية سمحت له بذلك.
وفي هذا الإطار، أي البعد الدستوري لتسويغ شرعية وقانونية قيام المجلس المدد لنفسه بانتخاب رئيس الجهورية، سبق أن قدم النائب نقولا فتوش، الذي يعتبر من أهم وأبرز المشرعين والخبراء القانونيين والدستوريين في البرلمان اللبناني وصاحب قانون التمديد للمجلس الحالي، قدم مطالعة دستورية وقانونية حول شرعية عمل المجلس ودوره في انتخاب رئيس الجمهورية.
ويعتبر النائب فتوش أن التمديد في المبدأ "غير جائز وغير مقبول" على اعتبار أن "الولاية الشعبية لا يستطيع أحد أن يقصر مدتها أو يزيدها" كونها تشبه الوكالة الشعبية. ويعتمد فتوش في هذه القطعية في عدم جواز التمديد إلى رأي المجلس الدستوري اللبناني في القرار الصادر عنه عام 1997 والذي يقول إن هذا الأمر لا يجوز.
إلا أن فتوش يذهب إلى فتوى أخرى للمجلس الدستوري يمكن اللجوء إليها لتسويغ أي قرار تمديد في أي مؤسسة رسمية وتقول "عندما يكون هناك ظروف استثنائية (وهي غير القوة القاهرة) تتولد شرعية استثنائية"، وتقول أيضاً "في الظروف الاستثنائية للمشترع أن يخالف أحكام الدستور والمبادئ الدستورية والقواعد ذات القيمة الدستورية حفاظاً على سلامة الشعب والنظام العام أو ضماناً لاستمرار سير المرافق العامة وصوناً لمصلحة البلاد العليا".
حول الظروف الاستثنائية التي تسمح للمشّرع أن يلجأ الى خيار التمديد يقول فتوش إن المجلس الدستوري سبق له أن أصدر نصوصاً قال فيها "وبما أنه يعود للمشّرع أن يقدر وجود ظروف استثنائية تستدعي منه سن قوانين لا تتوافق مع النصوص التشريعية، لكنها مكرّسة بمبادئ دستورية أو ذات قيمة دستورية".
ويعود فتوش إلى قرار المجلس الدستوري رقم (1) "أن المبادئ الواردة في مقدمة الدستور اللبناني تعتبر جزءاً لا يتجزأ منه وتتمتع بقوة دستورية شأنها شأن أحكام الدستور". لذلك يعتقد فتوش أن مهمة المجلس النيابي في ظل الشغور الرئاسي هي انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة التي تحدد من أجل ذلك، ولا يسري هذا الأمر على الجلسات التشريعية الأخرى، بناء على المادة (16) من الدستور.
ويرى فتوش أنه طالما بني اقتراح القانون (التمديد) على الظروف الاستثنائية يعني ذلك عدم وجود مهلة زمنية، وعندما تزول الأسباب أي الظروف الاستثنائية يحق لمجلس النواب أن يأخذ قراراً جديداً يعلن فيه زوال الظروف الاستثنائية ومن ثم يتم إجراء الانتخابات قبل انتهاء المدة التي اخذت في الاعتبار لتمديد ولايته. وهذا حصل في لبنان فمجلس النواب كان ممدداً له لغاية نهاية 1994 وعندما تشكلت الحكومة عام 1992 برئاسة الرئيس رفيق الحريري تم تقصير مهلة التمديد، وحصلت الانتخابات عام 1993.
النائب السابق إلياس عطاالله لا يرى أي إشكالية في قيام المجلس النيابي الممدد له بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بناء على التجارب الدستورية والقانونية السابقة، وهو يعتقد أن الرئيس نبيه بري قد تحسب لكل هذه الأمور من الناحية الدستورية والقانونية بناء على التجارب الماضية.
وأضاف عطاالله أن الاعتراض الوحيد الذي كان بالإمكان صدوره هو من قبل النائب ميشال عون وتكتل التغيير والاصلاح، وبالفعل يضيف عطاالله أن هذا التكتل قدم طعناً أمام المجلس الدستوري بقرار التمديد، إلا أنه لم يؤخذ به لاعتبارات متعددة، وبما أن الجنرال عون يعتبر أحد أبرز المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية وفي ظل صعوبة الاتفاق على إجراء الانتخابات البرلمانية قبل الانتخابات الرئاسية لجهة عدم قدرة التوافق الوطني حول ذلك، وأيضاً لاستمرار الخلاف حول طبيعة القانون الانتخابي الجديد الذي من المفترض أن تجري على أساسه الانتخابات البرلمانية، فإن عملية انتخاب الرئيس من قبل هذا المجلس الممدد لنفسه لن تواجه أي صعوبة قانونية أو دستورية.
إلا أن رئيس البرلمان السابق حسين الحسيني يعبر عن اعتقاده في "ضرورة إجراء انتخابات نيابية على أساس النسبية، ينبثق منها نظام حكم حديث وطبقة سياسية جديدة، فتستقيم الأمور وتعود الشرعية الى البلاد والمؤسسات".
الحسيني شدد في مطالعته السياسية البرلمانية أنه لا يحق لمجلس نواب ممدد له أن ينتخب رئيساً جديداً للجمهورية، بناء على إمكانية "الطعن بشرعية الانتخاب" انطلاقاً من قراءة لدى الحسيني ترى أن "مجلس النواب مدد لنفسه من دون مسوغ شرعي وخلافاً لرأي رئيس الجمهورية والحكومة التي أعلنت – في حينه - عن دعوة الناخبين إلى الانتخاب". وعليه يدعو عراب اتفاق الطائف إلى "إجراء انتخابات نيابية سريعة – على أساس النسبية – لكي نسترجع الشرعية.
ويؤكد الحسيني على "ضرورة إجراء انتخابات نيابية لأننا في معركة من أجل إعادة الشرعية إلى المؤسسات الدستورية، وبديلها الذهاب إلى الفوضى. لذلك الانتخابات الآن، لتأتي انتخابات الرئاسة شرعية".
وبحال انتخب هذا المجلس رئيساً للجمهورية، اعتبر الحسيني أنه "يكون رئيساً غير شرعي. هذا المجلس الممدد لنفسه هو نوع من أنواع اغتصاب السلطة التي تجعل النتيجة غير قائمة ومعدومة الوجود".
يبقى القول إن القوى السياسية جميعها، سواء تلك التي طعنت بالتمديد أو التي وافقت عليه، باتت شبه متفقة ضمنياً على ضرورة حل أزمة الشغور الرئاسي كخطوة أولى، بانتظار أن تسفر أعمال اللجنة البرلمانية الخاصة التي شكلت لوضع قانون جديد للانتخابات عن النتيجة التي يتوافق عليها جميع الأطراف، خاصة أن القوى السياسية، خاصة تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، سبق أن توصلت إلى اتفاق بينها على تمرير الجلسات التشريعية التي عقدت في شهر ديسمبر من العام الماضي 2015 والتي خصصت لإقرار التشريعات المالية، اتفقت هذه القوى على تمرير قانون استعادة الجنسية على أن لا تقعد أي جلسة لمجلس النواب لا يكون على جدول أعمالها في البند الأول قانون جديد للانتخابات، لذلك فإن تمرير استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية سيمهد الطريق أمام تفعيل العمل في المؤسسات الدستورية ويسمح بانتخاب مجلس للنواب جديد على القانون الذي يتفقون عليه وبالتالي حكومة جديدة، وهي مسارات يبدو أن لا بصيص يلوح من آخر نفقها الذي استمر لأكثر من 18 شهرا حتى الآن.
لبنان.. التجارب السابقة تسقط أي طعن بدستورية البرلمان
21-01-2016
مشاهدة: 407
إعلام حركة فتح - إقليم لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها