ردت إسرائيل بشدة على ما اعتبرته تهديداً من جانب الإدارة الأميركية، في إطار المعركة على الاتفاق النووي مع إيران. ورفض مسؤولون إسرائيليون التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الجمعة الماضي، من أن إفشال الكونغرس للاتفاق النووي سوف يدفع العالم إلى تحميل إسرائيل المسؤولية ويزيد في عزلتها الدولية. وقال الإسرائيليون إن الكونغرس صاحب قراره، وأن محاولات منع إسرائيل من إبداء موقفها ضد الاتفاق الذي يُعَرِّض أمنها للخطر، لن تجدي نفعاً.

وقد أعلن الوزير الإسرائيلي المسؤول عن الملف الإيراني يوفال شتاينتس رفضه لتحذير كيري، موضحاً أن "إسرائيل سوف تسمع مواقفها في الشأن النووي الإيراني، المتعلق بأمنها ووجودها، ولا صلاحية لأحد بترهيبها وتهديدها". وحسب شتاينتس، فإن الحجج ضد الاتفاق تنبع من أسباب موضوعية، وهي ليست قصراً على إسرائيل. وأشار إلى أن "الانتقادات ضد الاتفاق في أميركا عموماً، وفي الكونغرس خصوصاً، تنبع من العيوب الكبيرة التي وُجدت فيه، ومن الثغرات التي تجعل ما وصف بالمراقبة الوثيقة والعميقة فضيحة".

وأبلغ مصدر إسرائيلي رفيع المستوى وسائل الإعلام وصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن إسرائيل ستواصل الإفصاح عن موقفها. وقال: "نحن نرفض التهديد الموجه لإسرائيل في الأيام الأخيرة. والكونغرس الأميركي سيحدد قراره استناداً إلى المصالح الأميركية، ومن ضمنها أخذ الحلفاء بالحسبان. والمحاولة المؤسفة لتهديد إسرائيل لن تمنعنا من إسماع قلقنا بشأن الاتفاق، الذي يشكل تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل".

وكان كيري اتهم، الجمعة الماضي، معارضي الاتفاق بأنهم يسمحون "للخوف والعواطف" بإملاء مواقفهم. وتساءل، في خطاب ألقاه أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك: "اننا بدأنا المفاوضات مع إيران بفارق شهرين عن وقت الاقتحام (للقنبلة النووية). وبواسطة الاتفاق وطوال عقد من الزمان، فإن وقت الاقتحام سيكون سنة واحدة أو أكثر. فهل إسرائيل آمنة أكثر عندما يكون وقت الاقتحام سنة أم شهرين؟".

وقال كيري، في خطابه الذي كان موجهاً أساساً إلى الجمهور اليهودي وأنصار إسرائيل في الكونغرس، إنه إذا رفض المشرعون الأميركيون الاتفاق النووي فسيتهم العالم إسرائيل، التي ستجد نفسها في عزلة أشد من أي وقت مضى، وبعدها سوف ينهار التحالف الدولي الذي بلوره الاتفاق مع إيران، وستلغى العقوبات وستغدو إيران حرة في تطوير مشروعها النووي، زاعمة أن أميركا أخلت بالاتفاق.

ودافع المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي عن أقوال كيري، معلناً أن "كيري لم يطلق تهديداً. إنه فقط أشار إلى واقع. إذا لم يؤيد الكونغرس الاتفاق، فإنه سوف ينهار. فضلا عن ذلك، الأسرة الدولية لن تؤيد فرض عقوبات جديدة على إيران، التي ستواصل حينها تطوير مشروعها النووي على هواها".

وقبل خطابه أمام مجلس العلاقات الخارجية، أجرى كيري مقابلة مع شبكة "ان بي سي" حذر خلالها الحكومة الإسرائيلية من مغبة الهجوم عسكرياً على منشآت إيران النووية. وقال: "هذا سيكون خطأ هائلا مع عواقب قاسية على إسرائيل وعلى المنطقة. وأنا لا أعتقد أن هذا حيوي".

ولا يمكن أخذ كلام كيري بعيداً عن المعركة الدائرة في واشنطن بين إسرائيل والإدارة الأميركية لكسب الرأي العام والكونغرس. وحاول كيري المساهمة في جهد إدارته لطمأنة الجمهور اليهودي في أميركا، عبر لقاءات أجراها مع نشطاء وقادة يهود. وفي لقائه مع قادة لجنة رؤساء الطوائف اليهودية في أميركا الشمالية، كما في لقائه مع رؤساء تنظيم المؤتمر اليهودي الأميركي، رد كيري على أسئلة صعبة بشأن الاتفاق النووي طرحها أنصار لإسرائيل. وقال نائب رئيس لجنة الرؤساء مالكولم هونلاين، لصحيفة "نيويورك بوست"، إن اللقاء تضمن تبادل كلام قاس بين كيري والحضور.

وقد بدأت إسرائيل حملتها داخل أميركا عبر سلسلة التظاهرات التي بدأها أنصارها في العديد من المدن، وعبر حملة إقناع بدأها السفير الإسرائيلي هناك رون دريمر. وشرع دريمر بحملة لقاءات مع مشرعين، جمهوريين وديموقراطيين، لإقناعهم بالتصويت ضد الاتفاق عند عرضه على مجلسَي الكونغرس في 20 أيلول المقبل، عبر المطالبة بإزالة العقوبات التي فرضها الكونغرس على إيران.
وكان موقع "بوليتيكو" الأميركي ذكر، الجمعة الماضي، أن دريمر التقى في الأيام العشرة الأخيرة مع أعضاء في مجلس النواب من الحزب الديموقراطي يفكرون في التصويت ضد الاتفاق. وشدد دريمر أمام هؤلاء على أن لا خوف من عواقب إسقاط الاتفاق، لأن أميركا أيضا، من دون اتفاق، لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي.

في كل حال يرى معلقون إسرائيليون أن المعركة على الرأي العام والكونغرس الأميركي هي مقامرة خطيرة من جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وفي حالة فشل رهان نتنياهو، فإنه قد يخسر حسن نوايا أميركا لمساعدة إسرائيل، وفي حال نجاحه فقد يتفكك الائتلاف الدولي وهو ما قد يسرع خطوات إيران لامتلاك السلاح النووي.