تعهدت الدول المانحة المشاركة في مؤتمر اعادة اعمار قطاع غزة في القاهرة امس بتقديم 5,4 مليارات دولار، وألحت في الوقت ذاته على ضرورة استئناف المفاوضات للتوصل الى تسوية دائمة للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي.
وقال وزير خارجية النرويج بورغ بريندي في ختام المؤتمر ان المانحين تعهدوا بتقديم مساعدات "قيمتها قرابة5,4 مليارات دولار".
واضاف ان "نصف هذه المساعدات ستخصص لاعادة اعمار غزة"، مشددا على ان المانحين "الزموا انفسهم ببدء سداد هذه المساعدات في أقرب وقت ممكن من اجل تحقيق تحسن سريع في الحياة اليومية للفلسطينيين". وأكد ان رئاسة المؤتمر، التي تولتها النرويج بالاشتراك مع مصر، "تلح على المجتمع الدولي ان يلتزم بتعهداته وان يقدم مساعدات سخية خلال السنوات المقبلة". وعلى الفور رحب نائب رئيس الوزراء، رئيس لجنة اعادة اعمار غزة بنتائج المؤتمر. وقال محمد مصطفى "انها نتيجة عظيمة وتصويت جلي لصالح الشعب الفلسطيني".
وكان الرئيس محمود عباس شدد في خطابه أمام المانحين، على ضرورة توفير مبلغ أربعة مليارات دولار لإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الأخير على قطاع غزة، وطالب بوضع حدّ للاحتلال الإسرائيلي الذي يحرم الاقتصاد الفلسطيني بالضفة الغربية من نحو ثلاثة مليارات دولار سنويا. وقال "إن انعقاد المؤتمر في هذه الظروف البالغة الدقة والتعقيد، إنما هو تأكيد على ارتباط إعمار قطاع غزة بمجمل الاقتصاد الوطني الفلسطيني، وعلى حقيقة واضحة وراسخة، وهي أن قطاع غزة إلى جانب الضفة الغربية وبما فيها القدس الشرقية، تشكّل وحدة جغرافية واحدة، نسعى لجلاء الاحتلال الإسرائيلي عنها".
وقال الرئيس إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كشف هشاشة وخطورة الوضع في المنطقة في ظل غياب سلام عادل، وجهود دولية تراوح مكانها، ووعود لم تتحقق. وطالب المجتمع الدولي بدعم السعي الفلسطيني لإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، يضع سقفاً زمنياً لإنهاء الاحتلال، والذهاب من ثم إلى مفاوضات جادة لحل قضايا الوضع النهائي كافة. وقال "إن الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب لن تكون لها مصداقية طالما ظل شعبنا الفلسطيني محروماً من حريته واستقلاله".
وخاطب الرئيس أهلنا في قطاع غزة قائلا: "إنكم في صميم قلوبنا، وسنظل نعمل دون كلل أو ملل من أجل رفع الظلم عنكم، وإنهاء المعاناة التي تعيشونها منذ سنوات. سنضمد جراحاتكم التي هي جراحات عميقة في نفوسنا، سنعمر قطاع غزة، ونعيد بناءه بالاعتماد على الله أولاً، ثم على همة شعبنا، وقدراتنا الممكنة والمتاحة، وبدعم من أشقائنا، وأصدقائنا في العالم".
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خاطب في كلمته الافتتاحية، اسرائيل بالقول ان "الوقت حان لانهاء النزاع مع الفلسطينيين". واضاف أمام المؤتمر الذي شارك فيه موفدون من نحو خمسين بلدا بينهم وزراء خارجية حوالى ثلاثين بلدا وممثلو هيئات اغاثية ومنظمات دولية "أقول للشعب والحكومة في اسرائيل ان الوقت قد حان لانهاء النزاع".
وقال السيسي إنه يجب أن "نجعل من هذه اللحظة نقطة انطلاق حقيقية لتحقيق السلام الذي يضمن ... الاستقرار والازدهار ويجعل حلم العيش المشترك حقيقة تلك هي الرؤية التي تضعها المبادرة العربية للسلام الذي نتطلع اليه".
وفي كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري "اقول بوضوح وعن اقتناع عميق اليوم ان الولايات المتحدة تظل ملتزمة كليا وتماما بالعودة الى المفاوضات ليس من أجل المفاوضات ولكن لان هدف هذا المؤتمر ومستقبل المنطقة يتطلب ذلك".
واضاف كيري الذي كان يجلس على المنصة الى جانب الرئيسين عباس والسيسي والامين العام للامم المتحدة بان كي مون "لا اعتقد ان اي شخص في هذه القاعة يريد ان يعود بعد عامين او اقل الى نفس الطاولة للحديث عن اعادة اعمار غزة" بسبب التقاعس عن "التعامل مع القضايا الاساسية" التي تؤدي الى تكرار النزاع.
وتابع "ان وقف اطلاق النار ليس السلام، ينبغي ان نعود الى طاولة (المفاوضات) وان نساعد الناس على القيام بخيارات صعبة، خيارات حقيقية حول ما هو اكثر من وقف اطلاق النار لأنه حتى وقف اطلاق النار الاكثر ديمومة لا يمكن ان يكون بديلا عن السلام لتحقيق امن اسرائيل ولانشاء دولة وضمان الكرامة للفلسطينيين". واضاف "أتعهد لكم بالتزام كامل من الرئيس باراك أوباما ومني شخصيا ومن الولايات المتحدة بمحاولة تحقيق ذلك".
وعلى صعيد التعهدات المالية، وعدت قطر، على لسان وزير خارجيتها خالد العطية، بتقديم مساعدات قدرها مليار دولار وهو اكبر رقم اعلنته دولة مشاركة في المؤتمر. وكان لافتا عدم اعلان السعودية عن اي تعهدات في المؤتمر ولكن حسن العطاس المدير العام لصندوق التنمية السعودي قال لفرانس برس "اعلنا من قبل عن مساعدات قيمتها 500 مليون دولار شهريا وهذا يكفي، لن نعلن مساعدات جديدة".
واعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي ان الدول الاعضاء فيه ستقدم في الاجمالي 450 مليون دولار خلال العام 2015 للفلسطينيين. وقال كيري ان بلاده ستقدم 212 مليون دولار مساعدات اضافية للفلسطينيين. وتعهدت الكويت بتقديم 200 مليون دولار على 3 سنوات، وكذلك اعلنت دولة الامارات العربية عن تقديم مساعدة قيمتها 200 مليون دولار.
وقالت فرنسا إنها ستساهم بمبلغ 40 مليون يورو (50.50 مليون دولار) واعلنت ألمانيا اليوم انها ستساهم بمبلغ 50 مليون يورو (63 مليون دولار) في جهود إعادة إعمار غزة.
وقال وزير الخارجية الألماني فرانك-فالتر شتاينماير في بيان "لا يمكن ان نسمح بان يغرق سكان غزة في اليأس."
وقال جون كاسون السفير البريطاني لدى مصر لرويترز إن لندن ستقدم 32 مليون دولار لاعادة الاعمار.
غير ان المانحين اعربوا بوضوح عن مخاوفهم من ان تذهب مساعداتهم سدى مرة اخرى اذا لم يتم التوصل الى تسوية دائمة للنزاع بين الفلسطينيين واسرائيل. وأكد مؤتمر القاهرة الدولي مساندته للمبادرة المصرية لوقف اطلاق النار دعمه لكل الجهود المقبلة التي من شأنها التوصل الى اتفاق دائم لوقف اطلاق النار. وأكد المشاركون في البيان الختامي للمؤتمر، استعدادهم لتعزيز اسس وقف اطلاق النار من خلال حشد الدعم الدولي لإعادة اعمار غزة في اطار طويل المدى مناسب لتنمية فلسطين ككل.
وشدد البيان على عدم امكانية نجاح اعادة الاعمار في غزة دون توافر رؤية دولية موحدة لإعادة الاستقرار ومواجهة التحديات طويلة المدى في غزة، وعلى ان إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 هو الضمان الوحيد لعدم تكرار اي تدمير.
ورحب البيان، بالخطوات التي اتخذتها حكومة فلسطين من اجل اعادة اقرار سلطتها في غزة، كما رحب المشاركون بالجهود المصرية من اجل تحقيق المصالحة الفلسطينية. 
واشار الى ان هناك حاجة عاجلة لتوفير 414 مليون دولار للإغاثة الانسانية و1.2 مليار دولار لتعافي الاقتصاد كمرحلة اولى، بالإضافة الى 2.4 مليار دولار تكلفة مبدئية لإعادة الاعمار.
وأعرب المشاركون عن موافقتهم للخطة التي تقدمت بها حكومة فلسطين لإعادة إعمار غزة. وأضافوا ان تقديم المساعدة لإعادة إعمار غزة يجب ان يواكبه دعم لموازنة الحكومة الفلسطينية وللتنمية في الضفة الغربية.
ودعا المؤتمر المانحين الى تقديم مساهماتهم عبر الآليات والصناديق القائمة وخاصة حساب وزارة المالية الفلسطينية ولا سيما ان حكومة فلسطين تمثل حاليا كامل الاراضي الفلسطينية، وبالتالي فأنه من الاهمية بمكان تعزيز دور هذه الحكومة باعتبارها الوعاء الشرعي للمساعدات.
واكد المشاركون ان عملية إعادة الاعمار لا يمكن ان تتم الا في إطار سياسي وإمني بناء، ودعوا الى كسر دائرة البناء والهدم في غزة وحماية أرواح وأمن كافة المدنيين والالتزام بالقانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي الانساني. 
وشدد المشاركون في المؤتمر على انه لا يمكن إعادة اعمار غزة إلا بفتح اسرائيل للمعابر وتسهيل التنمية الاجتماعية والاسراع في الانتعاش الاقتصادي. ودعا البيان الحكومة الإسرائيلية الى ازالة القيود بما يتيح للفلسطينيين التجارة بين غزة والضفة الغربية والدخول الى اسواق العمل.
ورحب المشاركون بإنشاء آلية قوية وفعالة للمراقبة في غزة ترعاها الامم المتحدة وتقبل بها اسرائيل وفلسطين ويمولها المانحون. وأعاد المشاركون التأكيد على ضرورة العمل من اجل التوصل الى حل إقامة الدولتين استنادا الى المرجعيات الدولية باعتباره الحل الوحيد لإنهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.
ودعا البيان الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني الى الامتناع عن اية اعمال أحادية الجانب من شأنها ان تقوض مفاوضات السلام المقبلة، مشددين على ان إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 هو الضمان الوحيد لعدم تكرار اي تدمير.
واعلن الاتحاد الاوروبي عن استعداده لتقديم دعم ميداني على الارض يتضمن التواجد في نقاط الدخول والخروج، بالإضافة الى تدريب والمساعدة في بناء القدرات وتعزيز الربط بين الضفة الغربية وغزة برا وبحرا.
ومن المقرر ان تدعو النرويج الى اجتماع اللجنة الخاصة بمساعدة الفلسطينيين في آذار 2015 في بروكسل بمبادرة من الاتحاد الاوروبي لتقييم مدى التقدم الذي تحقق في اعادة اعمار غزة والوفاء بالالتزامات التي خرج بها مؤتمر القاهرة.