تحقيق: امل خليفة
منذ العام 1948 وإسرائيل تحاول السيطرة على مدينة القدس وتهويدها بشكل كامل ضمن مخطط زمني وجغرافي وديمغرافي منظّم يهدف لخدمة غايتها الأصلية في ترحيل السكان الفلسطينيين الأصليين واستبدالهم باليهود. ولتحقيق غايتها تعمَدُ السلطات الاسرائيلية لممارسة صروف متنوعة من الضغوطات والانتهاكات التي طالت البشر والتاريخ والتراث ووصلت إلى حد تغيير معالم الحجر والشجر والمقدسات.
تكثيف الضغوطات لترحيل الفلسطينيين
يرى مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري ان الانتهاكات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وخصوصًا من طرف السلطات الاسرائيلية في تصاعد مستمر ولا سيما بعد الجريمة التي ارتُكِبت بحق الفتى الشهيد محمد ابو خضير حيثُ شرعت السلطات الاسرائيلية بحملات اعتقالات مكثفة وإلصاق وتهم أحكام غريبة عجيبة بحق الاطفال وتهاونٍ بحق المعتدين الإسرائيليين على الفلسطينيين.
ويضيف الحموري "هناك ضغوطات هائلة على المقدسيين من اجل ان يغادروا قراهم وبلداتهم واماكن عيشهم لإفراغ القدس من سكانها الاصليين واستبدالهم بالمستوطنين. وفي الوقت نفسه نشهد تصعيدًا في الانتهاكات على الصعيد الديمغرافي يتجلّى بزيادة في عدد الوحدات الاستيطانية في كل المناطق المحيطة بالقدس وتمددها لتتواصل مع بعضها ولتضيق الحلقة حول القدس من خلال ايجاد هذه المستوطنات التي بُنِيت على اراضي العام 1967. وكمقدسي ارى ان هناك خطورة كبيرة على الوجود الفلسطيني في القدس فهناك مناشدات عديدة على كل المستويات ولا سيما على مستوى المؤسسات مثل مناشدة مستشفى المقاصد من خطر انهيار اقسام منها، وشركة الكهرباء التي تقول انها ستُغلق، عدا عن الضغوطات الاقتصادية الهائلة على المقدسيين بشكل عام وعلى المؤسسات بشكل خاص، ومن الممكن ان تنجح المخططات الاسرائيلية اذا لم تنجح المستويات السياسية الفلسطينية والعربية الاسلامية في دعم الوجود الفلسطيني. فنحن اليوم نمر بأخطر المراحل لتهويد القدس ومن جانب آخر فإن المسجد الاقصى في خطر مُحدِق حيثُ أنهم أصبحوا يحاولون بشتى الوسائل ايجاد بديل عنه وهو ما يسمَّى بالهيكل، لمنع الفلسطينيين من زيارة الاقصى والصلاة فيه ولا ننسى الاعتداءات على موظّفي الاقصى والأوقاف ومنعهم من الدخول".
المسجد الاقصى عُرضة للعزل والاستباحة
يؤكّد مدير المسجد الاقصى الشيخ عمر الكسواني أن المسجد الأقصى يتعرّض لعملية عزل وتصعيد عنيفة ويوضح "لقد قامت الشرطة الاسرائيلية، وبحجة الاعياد اليهودية، بإغلاق وعزل بيت المقدس، ومحاصرة المسجد الاقصى، ومنعَت الرجال دون 50 عامًا والنساء بشكل تام من دخوله، ولكن بعض المرابطين تمكّنوا من الدخول والاعتكاف داخله ما دفع الشرطة الاسرائيلية لاقتحام المسجد في محاولة لإخلائه بإطلاق قنابل الصوت والأعيرة المطاطية على المصلّين والمرابطين ليتسنّى لهم ادخال اكبر عدد من المستوطنين لباحات المسجد الاقصى، وهناك دعوات مستمرة من المستوطنين وعلى رأسهم اعضاء في الحكومة والكنيست لاقتحام المسجد الاقصى وذلك ما حصل في الايام الماضية من تواجد للمستوطنين في باحات المسجد في حين لم يتعدَ عدد المصلين يوم الجمعة 7 الاف مصلٍّ من نساء ورجال".
ويضيف الشيخ الكسواني "نحن كدائرة اوقاف ومسؤولين عن المسجد الاقصى ننظر الى هذا التصرف من شرطة الاحتلال بعين الخطورة لأنه يمهّد لإطباق السيطرة على القدس. لذلك نهيب بكل المسؤولين على المستوى الاردني والفلسطيني حماية الاقصى لأن الاعتداء عليه هو اعتداء على الرعاية الاردنية والسيادة الفلسطينية واعتداء على الاوقاف".
ويتابع "مساحة المسجد 144 دونمًا واي مكان فيها هو مصلى ومقدّس للمسلمين وهذا فيه استفزاز واستهتار بمشاعر المسلمين، لذلك يتوجَّب على الدول العربية والإسلامية تفعيل هذه القضية لدى المحافل الدولية لما في ذلك من تجاوزٍ للقوانين الدولية والإنسانية والدينية".
ويلفت الشيخ الكسواني إلى أن التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى موجود ويتمثّل في سعي الشرطة والحكومة الاسرائيلية بتبادل الادوار مع المستوطنين والحكومة وأعضاء الكينيست ويردف "لكن بفضل جهود المصلين والمرابطين وتواجدهم المكثّف فهذه المحاولات تتبدّد، وننحن نشدد على ضرورة اخذ المسؤولين الخطوات اللازمة لكبح جماح اسرائيل وانتهاكاتها بحق الأقصى".
حرمان مواطني الضفة وغزة من دخول القدس اولى خطوات استهداف الاقصى
يرى الصحفي المقدسي محمد عبد ربه أن "التصعيدات الإسرائيلية الأخيرة التي تتعرّض لها القدس تمثّل مرحلة هي الأخطر من قِبَل سلطات الاحتلال لفرض أمر واقع جديد، يفضي إلى سيطرة الجماعات اليهودية المتطرّفة على المسجد وبناء هيكلهم المزعوم. كما أنها تأتي استجابة من حكومة الاحتلال لضغوط التطرف اليهودية التي ترى ضرورةً لوضع حد لسيطرة الأوقاف على الأقصى، بل وانتزاع هذه السيطرة منها".
ويضيف "بدأ استهداف الأقصى بحرمان مواطني الضفة، ومن قبلهم غزة، من دخول القدس، ثم صعّدوا في الموقف بمنع مواطني القدس والداخل الفلسطيني (أراضي الـ48) من الوصول إليه وتحديد سن من يُسمَح لهم بالدخول، إضافة إلى مئات أوامر الإبعاد عن المسجد لـمُصّلين ورموز وطنية ودينية، وحتى حراس الأقصى أنفسهم، في مقابل السماح بتدنيسه من قبل آلاف الجنود والمستوطنين والوزراء وأعضاء الكنيست، حيث يقترب أعداد مقتحميه منذ مطلع العام الحالي إلى نحو عشرة آلاف، وهو عدد ضخم غير مسبوق. وهذا ينقلنا إلى موضوع التقسيم الزماني للمسجد بين المسلمين واليهود الذي بدأ يُطبَّق بالفعل منذ شهور، وبلغ ذروته خلال العدوان على غزة، حيث يُمنَع المسلمون من دخول مسجدهم منذ ساعات الفجر الأولى وحتى ساعات الظهيرة، وهي فترة تُخصّص للاقتحامات من قِبَل المتطرفين وجنود الاحتلال. وهذه المعطيات مجتمعة تضعنا أمام واقع خطير جدًا، يخشى إزاءه المقدسيون، وعلى رأسهم رجال الوقف، من الانتقال إلى مرحلة التقسيم المكاني أي اقتطاع مساحات مُهمة من الأقصى ونقلها لليهود ليبدؤوا ببناء أجزاء من هيكلهم. وقد علَت أصوات كثيرة مؤخّرًا داخل كيان الاحتلال تنادي بذلك. ولم يبقَ إلا أن يفتعِل المتطرّفون، وحكومة الاحتلال التي تدفعهم، حدثًا دمويًا يفضي إلى مجزرة أو قتل يهودٍ في ساحاته لتستولي عليه كما فعلت في الحرم الإبراهيمي مستهلَّ تسعينيات القرن الماضي، علمًا أن السيطرة حاليًا على المسجد باتت شبه مُطلَقة من قِبَل قوات الاحتلال".
دعم السلطة للقدس غير ملموس ولا يقارن بمليارات الشواقل المخصّصة لتهويدها
ينوّه عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" حاتم عبد القادر إلى أن "ما تُقدّمه السلطة لتدعيم صمود المقدسيين، هو دعم غير ملموس –للأسف- ولا يمكن مقارنته بمليارات الشواقل التي تُخصّصها حكومة الاحتلال لمشاريع التهويد سنويًا. ويكفي أن نشير هنا إلى أن مجموع ما أنفقته السلطة في القدس خلال العام 2012 لم يتعدَ 23 مليون شيكل، مقابل 5 مليارات شيكل ترصدها سلطات الاحتلال لتهويد القدس سنويًا، منها 79 مليون شيكل تُدفَع لتمويل حراسة وحماية المستوطنين في القدس القديمة وسلوان، والشيخ جراح، وجبل الزيتون، ورأس العمود".
أمَّا في موضوع الانتقام من المقدسيين لموقفهم من العدوان على غزة، فيقول: "هذا ليس بالأمر الجديد، فالمقدسيون عُرضة للانتقام المستمر حتى ولو حدث هجوم فدائي محدود، يشرعون بالتنكيل بالمواطنين ومعاقبتهم وملاحقتهم اقتتصادياً، وممارسة التطهير العرقي الصامت بحقهم".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها