تحقيق/ ولاء رشيد
وسط التجاذبات العربية والأحداث الـمُتسارعة التي تمر بها المنطقة وما شهدته المخيمات ولا سيما عين الحلوة من اشكالات أمنية كانت تطاله بين الحين والآخر، جاء نشر القوة الأمنية المشتركة في عين الحلوة ليمنع انسحاب أية تجاذبات على أمنه وليقطع الطريق على المتربّصين شرًا بالمخيم. ومنذُ اللحظة الأولى لانتشارها باشرت القوة الأمنية أداء مهماها على مستوى عالٍ من الجدية والحزم، ففرضَت نفسها، ونالت احتضان ودعم الأهالي والجهات السياسية الفلسطينية واللبنانية على حدٍ سواء.
من الاتفاق عليها وحتى الإعلان عنها
لفت قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي ابو عرب إلى أن "القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة هي قوة مشتركة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتحالف القوى الفلسطينية، والقوى الإسلامية وأنصار الله شُكّلت لحفظ الأمن والاستقرار والطمأنينة لأهلنا في مخيم عين الحلوة، وتتمتَّع بغطاء شعبي جماهيري وسياسي من كافة القوى والفصائل الوطنية والإسلامية، وكذلك بغطاء سياسي قانوني امني لبناني، مشيرًا إلى أن انتشارها جاء تنفيذًا لبنود "المبادرة الفلسطينية" التي اتّفقت عليها وأطلقتها الفصائل والقوى الفلسطينية في 28/3/2014، وكانت أبرز بنودها تحييد المخيمات عن أية تجابات داخلية، ودعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد العدو الصهيوني من اجل التحرير والعودة، ومواجهة كل اشكال الفتنة الفلسطينية الفلسطينية او الفلسطينية اللبنانية وتعزيز العلاقة الاخوية الفلسطينية اللبنانية، وإدانة كافة عمليات التفجير التي تستهدف المدنين والأبرياء على كامل الاراضي اللبنانية، وضبط الاوضاع الامنية في المخيمات الفلسطينية وخصوصًا في مخيم عين الحلوة وتعزيز الامن والاستقرار فيها ورفع الغطاء عن كل مخل او متورط بأعمال امنية مخلة بأمن شعبنا والجوار، إلى جانب تأمين الغطاء السياسي والقضائي والأمني من الجهات اللبنانية الرسمية والحزبية لتنفيذ وإنجاح المبادرة، وحماية الجهات اللبنانية المعنية الشعبَ الفلسطيني في لبنان وقضيتَه من اي استهداف، وحماية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتخفيف الاجراءات على مداخل المخيمات والمعاملة الحسنة للمارة وخاصة النساء، وغيرها".
سلسلة من الخطوات لحفظ أمن المخيم والجوار
"لا تخلو أي منطقة أو مخيم من بعض التوتيرات الطفيفة لا سيما حين يكون الأمر متعلّقًا بالمخيم الأكثر اكتظاظاً في لبنان باحتضانه أكثر من 90 ألف نسمة في مساحة لا تتعدّى 1.5 كلم2"، وهم في الوقت نفسه حرموا من حقهم بالعودة لوطنهم، ثمَّ من الحقوق المدنية والاجتماعية"، يقول أمين سر فصائل "م.ت.ف" وحركة "فتح" في صيدا ماهر شبايطة، "معظم المشكلات الفردية ليس لها أبعاد تنظيمية أو سياسية، ولكن للأسف هناك بعض الأشخاص المرتبطين بأجندات خارجية، وهم يعملون على افتعال اشكالات لتوتير الوضع وتحويل هذا المخيم من مخيم للمناضلين إلى مخيم يكتسب صورة أرادوا لها ان تبدو "ارهابية". ودرءًا لحدوث اي من هذه المخطَّطات، حرصنا على التزام الحياد الايجابي وتكريس وحدتنا وحماية قضيتنا الفلسطينية لأنها جوهر الصراع، فارتأينا منذُ اكثر من 12 عامًا تشكيل "لجنة المتابعة" من كل القوى الوطنية والاسلامية، تلاها تشكيل لجنة أمنية لحل المشكلات الاجتماعية، ثمَّ تمكنا من تشكيل اللقاء السياسي الفلسطيني الذي يضم قادة الفصائل الفلسطينية في صيدا وكان ولا يزال يعقد اجتماعاته حتى اللحظة شهريًا وفي حالات الطوارئ. ومنذ عامين شكّلنا قوة أمنية ولكن عدد عناصرها كان محدودًا واقتصر دورها على تنظيم السير، وحل بعض المشكلات بمساعدة اللجنة الأمنية. إلا أنه في الآونة الأخيرة أصبح هناك اصرار فلسطيني ودعم سياسي وامني لبناني -في ظل الاحداث التي شهدها البلد وإشاعة معلومات عن وجود ارهابيين في المخيم- لتشكيل إطار أمني يؤدي دورًا فعّالاً في حفظ الأمن على كافة المستويات، فكان القرار بتشكيل القوة الأمنية التي دعمتها حركة "فتح" و"م.ت.ف" بـ70% من كل النواحي اللوجستية والمالية والبشرية، بعد رفعنا كتابًا للمشرف على الساحة اللبنانية عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" الأخ عزام الأحمد بالتكلفة وحيثيات المسألة، وكان للرئيس ابو مازن دورٌ مهمٌ بإعطاء تعليماته لتشكيل القوة ودعمها ماليًا".
أمَّا عن أهمية هذه القوة في ظل ما تمر به المنطقة فينوّه امين سر فصال "م.ت.ف" وحركة "فتح" في لبنان فتحي ابو العردات إلى أن "تشكيل القوة الأمنية جاء على خلفية ادراك القيادة الفلسطينية لأهمية تثبيت الأمن في المخيمات في ظل المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة، حيثُ يغدو تثبيت الأمن الحاجة الأكثر الحاحًا حتى لا يُنظَر للعنصر الفلسطيني على أنه عبء أو جزء من الفوضى، بل كعامل مكرّس للاستقرار ومحطة تلاقٍ بين كل الاطراف اللبنانية، ولئلا تتكرّر تجربة "نهر البارد". ولا شكَّ أن تعزيز الأمن سيمكننا من التفرّغ لدعم اهلنا في فلسطين عوض الانشغال بتطويق الاشكالات الامنية، ولهذا أكّدتُ في أكثر من مناسبة أن نشر القوة الأمنية بمنزلة هدية لأهلنا في غزة. فلو فرضنا ان الأمن منعدم اليوم في المخيمات فكيف لنا مثلاً ان ننظم مسيرة أو تحركًا أو حملة دعم وندعو الأشقاء اللبنانيين إليها؟ عندها كان سيُقال لنا أن الأجدر بنا قبل التضامن أن ننتهي من ضبط الامن ومعالجة الاشكالات الأمنية والاغتيالات في المخيم، ومن هنا حرِصنا على تثبيت الأمن في هذا الوقت بالذات لأننا كنا نتوقع ان يتصعّد العدوان وأردنا أن يكون جل اهتمامنا مركزًا على دعم أهلنا في الوطن".
قوامها، مهماها، وأبرز انجازاتها
يلفت مسؤول القوة الأمنية المشتركة في عين الحلوة العميد خالد الشايب إلى أن الدور الموكَل إلى القوة الأمنية يكمن في حفظ أمن واستقرار شعبنا في المخيم وجواره اللبناني وملاحقة كل من يقوم بأعمال تخل بالأمن الاجتماعي والأخلاقي أو أي أعمال تسيء للمخيم والجوار، ويضيف "أتى انتشار القوة بما يتلاءم مع مهامها وفي كافة أرجاء المخيم على الشكل التالي: قيادة القوة الأمنية في منطقة بستان القدس وكذلك قيادة القوة التنفيذية (المداهمة وحراسة السجن)، فيما اتخذت عدة مراكز انتشار أخرى في منطقة الصفصاف، ومفرق طيطبا، وعيادة الأونروا، ومفرق سوق الخضار، ومكتب الصاعقة، ومنطقة الطوارئ التعمير، بحيثُ توزّع العناصر والضباط على هذه المراكز، الى جانب دوريات سيارة تجوب أرجاء المخيم كل 3 ساعات. ولكن لتعدد المهام وتزايد ضغط العمل والمراجعات من أجل حل الاشكاليات بين أبناء المخيم، نتيجة الثقة التي تولّدت بين ابناء المخيم والقوة الامنية، فقد عملنا على زيادة عدد عناصر القوة من 150 وقت نشرها إلى 225 حاليًا.
ولعلَّ ما ساعد بإعطاء دفعة ايجابية لهذه القوة وساهم في انجاح دورها هو كون جميع ضباط وعناصر القوة الأمنية على درجة عالية من الانضباطية والتفاهم فيما بينهم لجهة طبيعة عملهم والمهام المناطة بكلٍّ منهم، حيثُ تسود روح التعاون والألفة والاحترام بينهم.
أمَّا عن أبرز انجازات القوة الأمنية فيقول العميد الشايب: "دأبت القوة الأمنية منذ اللحظة الأولى لانتشارها على التواصل مع كافة أُطر ومكونات شعبنا في المخيم، فعقدت لقاءات مع لجان الأحياء واللجان والمبادرات الشعبية والشبابية وأيضًا مع الاعلاميين الفلسطينيين والتجار وأصحاب الصيدليات في المخيم، وعرضنا خلال الاجتماعات لمهام القوة الأمنية، وطلبنا إليهم التعاون بما فيه مصلحة لأهلنا وشعبنا في المخيم وهذا كرَّس روح التعاون والمسؤولية المشتركة بين القوة الأمنية والمجتمع الحاضن لها. وقد تمكّنت القوة الأمنية من حل عشرات المشكلات التي حصلت بين الأفراد والعائلات في المخيم، كما نفّذنا حملة ًضد المخدرات بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني بالتوازي مع تنفيذنا لعمليات ملاحقة وردع لمروّجي ومتعاطي المخدرات، وقد أثمرت هذه الحملة إلى درجة أن جزءًا كبيرًا من المتعاطين سلّموا أنفسهم للقوة الأمنية التي تعمل على مساعدتهم من أجل الشفاء من الادمان
.
وكذلك ساهمت سرية تنظيم السير بتسهيل حركة التنقل في المخيم بما عاد بالفائدة على الحركة الاقتصادية لأهلنا، وكثيرٌ من المحال التي كانت قد أغلقت أبوابها عادت لممارسة عملها".
وحول تقييمه لتجربة القوة الأمنية قال أبو العردات: "بعد الانجاز الأهم الذي حققناه بتشكيلنا إطارًا فلسطينيًا موحّدًا من الفصائل الفلسطينية والقوى الإسلامية الموجودة على الارض ما خوّلنا تقديم أنفسنا بشكل راقٍ وحاز على تقدير جميع الفصائل والمرجعيات اللبنانية، جاء انجاز القوة الأمنية ليحميَ عين الحلوة الذي كان يشهد توتيرات واغتيالات وليكرس العنصر الفلسطيني كعامل من عوامل الامن والاستقرار والسلم الاهلي. واليوم هناك تعاون سياسي وعسكري وأمني بيننا وبين الدولة اللبنانية، لأن حفظ الأمن مصلحة مشتركة بيننا وبين اشقائنا اللبنانيين، ونحمد الله أنه منذ انتشار القوة الأمنية لم تُسجَّل اشكاليات كبرى باستثناء أحداث فردية نادرة، وقد نجحت في أداء دورها نظرًا لأنها مشكّلة من جميع الفصائل والقوى والوطنية والاسلامية إلى جانب الغطاء السياسي والمهمات والصلاحيات المخولة بها وقد ذلّلنا كل العقبات أمامها قبل انتشارها ووفرنا لها كل الامكانيات المطلوبة والمناخات الملائمة، وهنا لا بدَّ من شكر كل من ساهم بتحويل هذه القوة من مبادرة على الورق لقوة فاعلة على الأرض بدءًا بسيادة الرئيس أبو مازن لما قدّمه من رعاية واحتضان للقوة وتأمين الامكانيات المطلوبة، والفصائل الفلسطينية لما قدّمته بدورها من عناصر ودعم، والاهالي بالمخيمات لاحتضانههم القوة الامنية وكل الهيئات والأُطر الميدانية من لجان شعبية ومتابعة.
ولا بدَّ من ان نؤكّد أن هذه القوة الأمنية هي أداة لحفظ الأمن وليست أداة قمع، وهي تقوم بدور امني وسياسي واجتماعي، وتتخذ الاجراءات المناسبة بحق المخلين بحسب ما اقترفوه، فعلى سبيل المثال مروج المخدرات نقوم بتسليمه للدولة اللبنانية، أما المدمن فيتم توقيفه حتى التمكن من الحاقه بمراكز التأهيل علمًا اننا شكلنا هيئة لمعالجة هذه الآفة تحت مسمى الهيئة الوطنية الفلسطينية لمكافحة الادمان برئاسة الدكتور فايز البيبي للتواصل مع الدولة اللبنانية وإلحاقهم بمراكز تأهيل.
ومن موقعي كأمين سر للفصائل الفلسطينية ولـ"م.ت.ف" وحركة فتح، فأنا راضٍ تمامًا عن حجم الالتزام الفلسطيني بالبرنامج الفلسطيني سواء في القوة الأمنية أو على مستوى الاطار الموحّد والالتزام بالوحدة الوطنية التي أكسبتنا مكانة عالية، ونظرًا لنجاح هذه التجربة فسنقوم بتعميمها على باقي المخيمات بدءاً بمخيمات بيروت. كما شكّلنا لجنة امنية تمثل ارتباطًا مع الدولة اللبنانية من الفصائل الفلسطينية تعزيزًا لدور القوة الأمنية ومواكبة للعمل السياسي وعلاقتنا مع الاحزاب على كافة المستويات".
احتضان فلسطيني وترحيب لبناني
يشير العميد خالد الشايب إلى أن أهل المخيم منذُ اللحظة الأولى لانتشار القوة الامنية كانوا الحاضن والمشجع لها مؤكّدًا أن هذه القوة كانت قبل انتشارها مطلبًا شعبيًا وجماهيريًا، ما دفعهم للتعاون بشكل تام مع أفراد القوة الامنية في كل مهامها. وهو ما يؤكّده بدوره اللواء أبو عرب حيثُ يقول: "بتعاون الجميع انطلقت القوة الأمنية وأخذت دورها على جميع المستويات والمهام وشرعت بتنفيذ مهامها بكل امكانياتها من اجل تسهيل حياة الناس وتذليل العقبات وحل الاشكالات مما بعث على الارتياح لدى أهلنا في المخيم، لا سيما أن سرية الامن الاجتماعي تقوم بدورها على مدار الساعة في تلقي الشكاوى عبر خط ساخن وتتحرك لحل الاشكالات ومنعها من التفاقم.
وحقيقة الذي سهل الامور وساعد في نجاح القوة الامنية للقيام بمهامها الموكلة لها هذا الاحتضان الشعبي الجماهيري والتوافق والإجماع الفلسطيني الفصائلي والشعبي الوطني والإسلامي الذي يضع امام عينيه مصلحة شعبنا العليا وامن واستقرار المخيم والجوار، وما شكّلته الاطر والمبادرات واللجان الشعبية من عامل مساعد لتحفيز وتعزيز عمل القوة الامنية وتسهيل مهامها، وبفضل ذلك لم تواجهنا أية عراقيل تُذكَر وانتشرت القوة الامنية وفق الخطة الموضوعة لها".
وبالتوازي مع نشر القوة الأمنية، قام وفد من فلسطيني فتحاوي ضمَّ كلاً من اللواء أبو عرب واللواء منير المقدح، والعميد ماهر شبايطة، والعميد خالد الشايب بزيارة لعدد من الفعاليات السياسية والاجتماعية والمرجعيات اللبنانية الصيداوية، وفي هذا السياق قال العميد شبايطة "وضعنا على جدول أعمالنا 3 نقاط أساسية عرضنا لها مع الفعاليات، أولها النقطة السياسية المتعلّقة بالعدوان الإسرائيلي على شعبنا وأوضحنا أنه كان يهدف لزرع الانقسام وإنهاء الوحدة والمصالحة فكان الرد على المشروع بوحدتنا الوطنية، ثانيًا وجود قرارات بإعادة تشكيل قوات الامن الوطني والمهام لجديدة التي سيتمّ تسليمها، إلى جانب موضوع انتشار القوة الامنية ودورها على الأرض".
ويردف "سجَّلت جميع القوى والفعاليات الصيداوية التي زرناها ارتياحًا كبيرًا للدور الفتحاوي، والتقينا معًا على النقاط الأربع الأساسية التي كنا نسعى لنؤكّد تمسُّكنا بها وهي عدم التدخل بالشأن العربي الداخلي وقد اثبتنا ذلك، والتمسك بالوحدة الوطنية المتجسّدة بالمخيمات والتي كان لها الدور الاساسي بعدم جر المخيمات للفتنة وتحصينها ضد المؤامرات التي تُحاك ضدها لأن لنا عدوًا واحدًا هو العدو الإسرائيلي، والتمسُّك بحق العودة والعيش بكرامة وأكّدنا ان التملك لا يلغي حق العودة لأننا متمسكون بهذا الحق وطالبنا القوى السياسية بإعطائنا حقوقنا حتى العودة. ونحن نعتزم أيضا القيام بزيارات فتحاوية بنفس الوفد لكافة القوة الامنية اللبنانية ومؤسساتها وأجهزتها، وهذا نظرًا لأن العلاقة الجيدة التي تربط القيادتين السياسيتين الفلسطينية واللبنانية خاصة في صيدا كان لها دور اساسي في انهاء اي تآمر على المخيم، وهذا ما كنا نفتقده في الشمال ودفعنا ثمنه اثر الاحداث بسبب غياب العلاقة السياسية المتينة بين القيادتين الفلسطينية واللبنانية".
ويختم شبايطة بالقول: "الواقع الذي نعيشه واقع أليم ولكننا نأمل أن ننتقل من مرحلة التجاذبات الى مرحلة من التماسك خاصةً بعد ترتيب البيت الفتحاوي والفلسطيني في المخيمات".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها