غزة / كتبت منال خميس:

خاص/ مجلة القدس، على صفحتها على الفيس بوك كتبت الإعلامية حنان أبو دغيم "الكهربا مقطوعة طول اليوم قربنا نصلي علشان يمدوها سبع ساعات بدل ستة... المي مقطوعة بس نسمع صوتها في الحنفية بنصير نغني .... مواصلات مفيش، بتوقف بترن ساعة علشان تاخد سيارة من الشارع،  ولو طلبت تاكسي بيقولك أتحملنا ساعة ... في الشغل ممنوع التأخير .... بنطلع على الدرج بننزل على الدرج، حياتنا صارت عبارة عن ساعة "متى تيجي الكهربا متى تقطع" ليلنا نهار ونهارنا ليل .... يا أخي إذا ما بدكوا تحلوهااااا.. حلّواااااااا عنا قرفتونا، وقال النكتة شعب غزة صامد يا عزيزي شعب غزة خوّخ وسوّس والتعن أبوه".

أبو دغيم التي تعمل في تلفزيون فلسطين وإذاعة الإيمان  قالت للـقدس: "مللنا الوعود ولا أمل.

 

في هذه البلد لا مجال للتوقعات رغم الحديث المزعوم عن الحلول".

"الكهربا اجت....لا قطعت...يا عمي جاية...انت ما بتفهم باحكيلك قاطعة...يا راجل والله جاية....الله اكبر انت مش سامع صوت المواتير؟؟؟؟....والله بطلنا نميز وبطلنا نحسب افففففف الله يلعن المسؤولين عن قطعها ويحرمهم من نعمة البصر حتى يعيشوا في ظلام دائم". هذا ما كتبه أيضاً الشاب شاهين على صفحته على الفيس بوك الذي أصبح متنفساً رحباً لأهالي غزة ليعبروا به عن عجزهم وقهرهم.

 

أزمات قديمة حديثة، متجددة ومتكررة تعصف بقطاع غزة، أصبح المواطن الغزي ينوء تحت أحمالها، فمن القصف والعدوان الإسرائيلي إلى الوقود والغاز والكهرباء، التي نصيب المواطن منها 6 ساعات فقط ، وفي هذه الست ساعات عليه أن يرتب أولوياته لينجز منها ما استطاع. 

 

"أم أحمد" ربة منزل، تحدثت للـقدس عن أزماتها البيتية، فهي أم لخمسة أطفال، ولا تستطيع انجاز مهامها من غسيل وخبيز وكي الملابس في غضون 6 ساعات، مؤكدة أن الكهرباء قد تأتي ليلاً وهي نائمة، لذلك تتأجل كل أعمالها وتتراكم.

 

وتساءلت "أم عماد": "هل أم العبد هنية، زوجة رئيس الوزراء، بتصحى الساعة 12 ليلا لتطبخ وتغسل وتكوي الملابس، وتصحي أولادها يذاكروا دروسهم إذا كان عندهم امتحانات؟ بالتأكيد لا فهم لا يعرفون متى تأتي الكهرباء ومتى تنقطع علينا، لأنها جاية عندهم 24 ساعة". 

 

أزمة الكهرباء الخانقة، التي لا تزال تراوح مكانها رغم تناقض التصريحات بخصوصها والوعود المتكررة من الجهات المسؤولة بحلول، أصبح المواطن الغزي لا يعير لها بالاً، فهو في قمة المعاناة صبحاً ومساء، ناهيك عن الكوارث التي تسببها بدائل الكهرباء مثل المولدات الكهربائية التي تسببت انفجاراتها بالعديد من حالات الحرق والوفاة.

 

وكانت سلطة الطاقة في قطاع غزة قد أعلنت توقَف المحطة الوحيدة لتوليد الكهرباء في قطاع غزة في 14 شباط/ فبراير 2012،  نتيجةَ وقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي تزويد المحطة بالوقود اللازم بالإضافة إلى المشاكل الموجودة على الحدود المصرية. وقال جمال الدردساوي مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة كهرباء غزة: "إننا نحصل على الكهرباء من ثلاثة مصادر رئيسة هي الشركة الاسرائيلية حوالي 120 ميغاواط ومحطة التوليد في غزة من 60 إلى 80 ميغاواط ومن مصر حوالي 17 ميغاواط وهناك دائما عجز كبير حوالي 35 إلى 40 بالمائة ومع توقف محطة التوليد عن العمل تطور هذا العجز ووصل إلى 70 بالمائة وهذا سبب المشكلة الحالية".

 

وتنسحب المعاناة من انقطاع الكهرباء على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، فقد أبدى المواطن فراس جودة، صاحب مقهى انترنت، تذمره الشديد، إزاء انقطاع الكهرباء وتعطل عمله يومياً، وقال للـ قدس "بدلاً من أن أعمل 12 ساعة يومياً، أصبح عملي مقتصرا على ست ساعات أو أقل، مما أثّر على دخلي اليومي، عدا عن أن أجهزة كثيرة تعطلت لدي بسبب الانقطاع المفاجئ للتيار أو عدم انتظامه، مما أثقل كاهلي إثر زيادة تكاليف الصيانة الشهرية وقلل من دخلي أيضاً، إلى جانب الوقود الذي أضطر لاستخدامه لتسيير عملي بواسطة ماتور الكهرباء".

 

وحمّل جودة مسؤولية أزمة الكهرباء لحكومة غزة، قائلاً "بما أنها الوصية على الشعب، وما زالت مصرة على أن تكون كذلك، عليها أن تتحمل مسؤولياتها الكاملة تجاه المواطنين، وعليها أن توفر لهم كافة مستلزماتهم واحتياجاتهم الحياتية، وطالما أنها غير قادرة على ذلك، فلتقدم استقالتها وتترك المهمة لجهة أخرى تقدر على تلبية متطلبات المواطنين".

 

ولفت إلى أن فاتورة الكهرباء لديه أصبحت تأتي بأرقام خيالية ومضاعفة، بالرغم من انقطاعها المستمر، مستنكراً ما تقوله الشركة حول أن المواطنين يستغلون فترات الكهرباء من أجل قضاء جميع احتياجاتهم، ومتسائلاً عن كيفية هذا التعويض الذي تدعيه الشركة، بقوله "الإنارة كيف ممكن أعوضها؟ ممكن أستغل الكهرباء للغسيل، ولكن لا يمكن أن أفعل ذلك مع التلفزيون والإنارة والتدفئة وغيرها من الأشياء".

كما أشار المواطن أحمد أبو زريبة إلى أزمةٍ جديدة اختلقتها له أزمة الكهرباء، تتعلق بالمياه المنزلية، فالمياه لا تصل المواطن إلا في ظل انقطاع التيار، مما أجبر المواطنين على شراء "خزان" إضافي يضعه في مكان منخفض، يستغله لتخزين الماء بداخله ثم يضخها إلى الخزان الأساسي الذي يغذي منزله بواسطة موتور المياه، كما أن بعض المواطنين يحتاجون إلى موتورين دفع لإيصال المياه إلى منازلهم.

 

أما المصورة الصحافية منال حسن، قالت للـقدس: "أنا أمرّ في مأساة، لا أستطيع أن أكمل عملي، أخرج في التاسعة صباحاً وتكون الكهرباء منقطعة، وعندما أعود تكون كذلك، مما يجعل عملي متعطلا خصوصاً وأنني مصورة وعلي أن أرسل منتجاتي الفوتوغرافية بسرعة، كما أن الوقت طويل في ظل الانقطاع، لا أستطيع أن اقرأ ولا أمارس هوايتي أو استمع الى الراديو، حياتي جميعها معطلة، وفي النهاية من القهر لا تستطيع أن تفعل شيئاً سوى أن تنام".

 

 المهندس أحمد أبو العمرين مدير مركز المعلومات في سلطة الطاقة بقطاع غزة أكد للـقدس على أن أزمة الكهرباء التي يُعاني منها المواطنون في قطاع غزة، ما زالت تراوح مكانها، وأن العجز وصل خلال الوقت الراهن إلى حوالي سبعين في المائة.

واتهمت سلطة الطاقة الفلسطينية الجانب المصري بعرقلة حل الأزمة في قطاع غزة من خلال التراجع عما تم الاتفاق عليه حول إدخال السولار لمحطة الكهرباء عبر معبر رفح، ويطالب بإدخاله عبر معبر كرم أبو سالم.

 

وقال أبو العمرين أنه تم الاتفاق مع الجانب المصري على إدخال السولار عبر معبر رفح، موضحاً أن سلطة الطاقة في قطاع غزة قامت بتحويل مبلغ 2 مليون دولار كدفعة أولى لتنفيذ الاتفاق بالبنود التي تم التوصل إليها بين الجانبين خلال المباحثات، إلا أن الجانب المصري لم يدخل حتى اللحظة أي لتر إلى قطاع غزة . وحين  سؤاله عن البدائل المطروحة أمام سلطة الطاقة في حال إصرار الجهات المصرية المختصة على إدخال الوقود لقطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، قال: "ليس لدينا بدائل سوى أن يلتزم الطرف المصري بتنفيذ التفاهمات التي تم الاتفاق عليها، والقاضية بدخول الوقود عبر معبر رفح، فهذه تفاهمات رسمية، تمت ويجب الالتزام بها".

 

وعن سبب الإصرار على دخول الوقود عبر معبر رفح قال: "إن الأمر يتعلق بعدم وجود ضمانات لإدخال الوقود بشكل مستمر عبر معبر كرم أبو سالم، حيث سيتحكم الاحتلال من جديد في دخوله للقطاع، ونحن لا نريد تكرار التجربة المريرة السابقة، حيث أن ذلك يُهدد بتعطيل محطة توليد الكهرباء بشكلٍ متكرر، وبارتفاع سعر الوقود بحسب الرغبات والأهواء الإسرائيلية، منوهاً إلى أن سلطة الطاقة بغزة التزمت في اتفاقها مع الهيئة المصرية العامة للبترول بشراء الوقود والمحروقات بالسعر العالمي، شريطة أن يتم ذلك عبر معبر رفح.

 

وطالب أبو العمرين المواطن الغزي بتفهم حقيقة الأزمة التي هي خارجة عن إمكانيات سلطة الطاقة، لافتاً إلى أن الموضوع أكبر من قضية "فنية" ومتصل بخلفيات سياسية تتعلق بزيادة الضغط على قطاع غزة، وملمحاً إلى أن جهات أمنية مصرية معنيّة بذلك، ومناشداً الجهات الشعبية والأهلية، من أجل التكاتف والضغط على الأطراف المعيقة لتنفيذ الاتفاق.

 

ومن ناحيته وصف المهندس يحيى شامية، عضو المجلس التشريعي، و العضو المؤسس لشركة توزيع الكهرباء في محافظات غزة، أن أزمة الكهرباء الحالية، هي سياسية وأمنية بامتياز، وأشار إلى الاستثمارات المالية التي تم استثمارها في قطاع الكهرباء، وتحويل محطة توليد الكهرباء إلى شركة وطنية برأسمال وطني، من اجل تطوير قطاع الطاقة الكهربائية ليغطي كافة احتياجات قطاع غزة. وأوصى شامية أن تتولى محطة توليد الكهرباء المسؤولية الكاملة المتعلقة بتوفير الوقود اللازم لتشغيلها، سواء كان غازاً طبيعيا أو سولاراً أو وقوداً صناعياً. وجاءت تصريحات شامية خلال ندوة عقدها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في الخامس عشر من آذار/ مارس، لمناقشة أزمة الكهرباء وتداعياتها.

 

ومن جانبه تساءل د. فضل المزيني، الباحث في وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز، عن عجز السلطة الفلسطينية المسؤولة عن إدارة حياة مواطنيها عن تقديم الخدمات الأساسية لهم، وعن الأسباب التي أدت إلى تفاقم الأزمة وارتفاع عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى ما يزيد عن الضعف على الرغم من إعادة تأهيل محطة توليد الكهرباء؟

 

كما تساءل خليل شاهين، مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز، إذا ما كان المواطن ملزماً بدفع فاتورة الكهرباء التي ترتفع تكلفتها رغم حصوله على ساعات أقل من خدمة الكهرباء، وهل هو ملزم بالبحث عن بدائل تكلفه مادياً وتزيد من أعبائه وتهدد حياة أبنائه، من يتحمل مسؤولية المناكفات السياسية وزج سكان القطاع في أتون هذا الصراع دون اعتبار لكرامتهم وحقهم في حياة حرة كريمة. وأضاف شاهين أن المواطن في قطاع غزة ما زال يتساءل عن من يتحمل مسؤولية استدامة أزمة الكهرباء دون وجود آفاق حقيقية لحلها، وأضاف هناك من يتحدث عن الأزمة كونها أزمة فنية ترتبط بالمنظومة الكهربية في القطاع.

 

ودعا شاهين إلى الإقرار بعجز كافة الأطراف عن وضع حلول للأزمة على مدار العامين، إن لم نقل الخمسة أعوام الماضية، وأنه يجب ألا يتحمل المواطنون أية انعكاسات ناتجة عن هذه الأزمة، وأن تلتزم كافة الأطراف بكفالة تزويدهم بالكهرباء.

 

أما الصحفي محمد محي الدين الجرو فقد كتب تحت عنوان "من يوميات مواطن غزاوي قرفان"

"يا كهربا ارجعي تاني.... أنا لسه على عنواني.... بستنى مع حرماني.... وماتوري هلكني فيول... الليل بالوحدة يعدي... على مهلو الخطوة يهدي... يا بتيجي هلقيت لعندي.. يا بتحرقني الشموع".