بقلم الدكتور حنا عيسى - استاذ القانون الدولي
اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ أو اﻟﺒﺤﺚ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ هو ﺳﻠﻮك إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻨﻈﻢ ﻳﻬﺪف الى اﺳﺘﻘــﺼﺎء ﺻــﺤﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣــﺔ أو ﻓﺮﺿــﻴﺔ أو ﺗﻮﺿــﻴﺢ ﻟﻤﻮﻗــﻒ أو ﻇــﺎهرة وﻓﻬــﻢ أﺳــﺒﺎﺑﻬﺎ وﺁﻟﻴــﺎت ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ أو إﻳﺠﺎد ﺣﻞ ﻧﺎﺟﺢ ﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﺤﺪدة أو ﺳﻠﻮكية اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻬﻢ اﻟﻔﺮد واﻟﻤﺠﺘﻤـﻊ، أو اﺧﺘﺒﺎر ﻣﺪى ﻧﺠﺎح ﺗﻘﻨﻴﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻹﻧﺘﺎج، وعليه ينقسم هذا البحث الى محورين، المحور الأول البحث العلمي بمفهومه العام و المحور الثاني البحث العلمي في دولة فلسطين.
أوﻻً - ﻣﺎهية اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ:
اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ هو ﻧﻈﺎم ﺳﻠﻮكي ﻳﻬﺪف ﻟﻨﻤﻮ اﻹدراك اﻟﺒﺸﺮي وزﻳﺎدة ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠـﻰ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻤﺎ ﻓﻮق وﺗﺤﺖ اﻟﺜﺮى وﺑﻤﺎ ﻳﻮﻓﺮ ﺣﻴـﺎة ﺣـﻀﺎرﻳﺔ كرﻳﻤـﺔ ﻟﻠﻔـﺮد واﻟﻤﺠﺘﻤـﻊ، ﻓﻬـﻮ ﺳﻠﻮك إﺟﺮاﺋﻲ واعِ ﻳﺤﺪث ﺑﻌﻤﻠﻴـﺎت ﺗﺨﻄﻴﻄﻴـﺔ وﺗﻨﻔﻴﺬﻳـﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋـﺔ ﻟﻠﺤـﺼﻮل ﻋﻠـﻰ اﻟﻨﺘـﺎﺋﺞ المقصودة.
وهو كنظام ﺳﻠﻮكي ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
١. اﻟﻤﺪﺧﻼت :
ﺗﺘﻜــﻮن ﻣــﺪﺧﻼت ﻧﻈــﺎم اﻟﺒﺤــﺚ ﻣــﻦ ﻋــﺪد ﻣــﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻــﺮ أهمها اﻟﺒﺎﺣــﺚ وﻣﻌﺮﻓﺘــﻪ اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ، اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ واﻟﺸﻌﻮر ﺑﻬﺎ واﺧﺘﻴﺎرهـﺎ ﻟﻠﺒﺤـﺚ، ﺛـﻢ ﻏـﺮض أو هدف اﻟﺒﺤـﺚ، واﻟﺪراﺳـﺎت واﻷﺑﺤـﺎث اﻟـﺴﺎﺑﻘﺔ ﻟﺤﻠﻬـﺎ، وﻓﺮﺿـﻴﺎت واﻓﺘﺮاﺿـﺎت ﻣﻌﺎﻟﺠـﺔ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ واﻹﻣﻜﺎ ﻧﻴﺎت اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮض ﻋﻤﻠﻴـﺎت اﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ وأهمية ﺣﻠﻬﺎ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺒـﺸﺮﻳﺔ وﻓﺎﺋـﺪة ذﻟـﻚ ﻟﻠﻔـﺮد واﻟﻤﺠﺘﻤـﻊ، واﻟﻤﻔـﺎهيم واﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺘﻲ ﺳﻴﺘﻢ ﺗﻨﺎوﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ.
٢. اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت :
ﺗﺘﻜــﻮن ﻣــﻦ ﻣﻨﻬﺠﻴــﺔ ﺑﺤــﺚ اﻟﻤــﺸﻜﻠﺔ واﻟﺘــﺼﻤﻴﻢ اﻹﺣــﺼﺎﺋﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳــﺐ ﻟﻄﺒﻴﻌــﺔ اﻟﺒﺤﺚ وﻇﺮوﻓﻪ أو إﺟﺮاءات ﺣـﻞ اﻟﻤـﺸﻜﻠﺔ ﻟﻠﻮﺻـﻮل ﻟﻠﻨﺘـﺎﺋﺞ اﻟﻤﻘـﺼﻮدة أو هـﻲ ﻃـﺮق وﺗﻘﻨﻴﺎت اﺧﺘﺒﺎر اﻟﻔﺮﺿﻴﺎت اﻟﻤﻄﺮوﺣﺔ ﺣﻮل اﻟﺒﺤﺚ.
وﺗﺸﺘﻤﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺎط:
ﺗــﺸﻐﻴﻞ اﻷدوات واﻷﺟﻬــﺰة وﻃــﺮق أﺧــﺬ اﻟﻘــﺮاءات واﻟﻌﻴﻨــﺎت وماهية اﻟﻤــﻮاد اﻟﻤﻄﻠﻮﺑــﺔ وﻣﻮاﺻﻔﺎﺗﻬﺎ وكمياتها اﻟﺘﻘﺮﻳﺒﻴـﺔ وﻃـﺮق ﺟﻤـﻊ البيانات وأﺳـﺎﻟﻴﺐ اﻟﺘﺤﻠﻴـﻞ اﻹﺣـﺼﺎﺋﻲ واﻟﺘﻔﺴﻴﺮ وﻣﻨﺎﻗﺸﺔ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ.
٣. اﻟﻤﺨﺮﺟﺎت :
ﺗﺘﻜــﻮن ﻣــﻦ ﻧﺘــﺎﺋﺞ اﻟﺒﺤــﺚ اﻟﻌﻠﻤــﻲ ﺑﻤــﺎ ﻓــﻲ ذﻟــﻚ ﻧﺘــﺎﺋﺞ اﻟﻘﻴﺎﺳــﺎت واﻟﺘﺠــﺎرب واﻻﺧﺘﺒــﺎرات اﻟﺤﻘﻠﻴــﺔ واﻟﻤﺨﺒﺮﻳــﺔ اﻟﺘــﻲ ﺗﺮﺗــﺐ ﻓــﻲ ﺟــﺪاول ﺗﺘــﻀﻤﻦ ﻧﺘــﺎﺋﺞ اﻟﺘﺤﻠﻴــﻞ اﻹﺣﺼﺎﺋﻲ ﻟﻬﺎ ﺛﻢ ﺗﺨﺘﺼﺮ ﻓـﻲ ﺟـﺪاول أو أﺷـﻜﺎل أو ﺧﻄـﻮط بيانية ﺗـﺴﺎهم ﻓـﻲ إﺑـﺮاز اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻬﺎﻣﺔ وهي ﻣﻜﺘﻔﻴﺔ ﺑﻤﺘﻮﺳـﻄﺎت، كما ﺗـﺸﻤﻞ اﻟﻤﺨﺮﺟـﺎت اﻟﺤﻠـﻮل اﻟﺘـﻲ ﺗـﻢ اﻟﺘﻮﺻــﻞ إﻟﻴﻬــﺎ ﻣــﻦ اﺳــﺘﻨﺘﺎﺟﺎت وﺗﻮﺻــﻴﺎت وﺗــﻀﻤﻴﻨﺎت ﺛــﻢ اﻟﻮرﻗــﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴــﺔ أو اﻟﺒﺤــﺚ اﻟﻤﻜﺘــﻮب اﻟﻤﻨــﺸﻮر واﻟــﺬي ﻳﻨﺒﻐــﻲ أن ﻳــﺸﻤﻞ ﻋﻨﺎﺻــﺮ اﻟﻨﻈــﺎم اﻟــﺜﻼث (اﻟﻤــﺪﺧﻼت واﻟﻌﻤﻠﻴﺎت واﻟﻤﺨﺮﺟﺎت) .
٤. اﻟﻀﻮاﺑﻂ اﻟﺘﻘﻴﻴﻤﻴﺔ :
وﺗﺸﻤﻞ ﺗﻘﻴﻴﻢ اﻟﺒﺤﺚ ﻣﻦ ﻟﺠﻨﺔ ﺛﻼﺛﻴﺔ ﺗﻀﻢ ﻣﺨﺘﺼﻴﻦ ﺑﻤﻮﺿﻮع اﻟﺒﺤـﺚ وﺗﺘـﻀﻤﻦ ﻧﻘﺎط اﻟﺘﻘﻴﻴﻢ ﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺜﻼث ﻗﺒﻞ اﻋﺘﻤﺎد ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺒﺤـﺚ وﺗﻌﻤﻴﻤﻬـﺎ .إذ أن ﻣﻜﻮﻧـﺎت
اﻟﺪورة اﻟﺘﺪرﻳﺒﻴﺔ ﺣﻮل ﻣﻨﺎهﺞ وأﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ
وﻟﻀﻤﺎن ﻧﺠﺎح ﻧﻈﺎم اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﻌﻨﺎﺻﺮﻩ اﻷرﺑﻌﺔ ﻧﻌـﻮد ﻟﻠﺒﺎﺣـﺚ ﺑﺘﻜﻮﻳﻨـﻪ وﻣﺒﺎدﺋﻪ وأﺧﻼﻗﻴﺎﺗﻪ وإﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺗﻪ، ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﻤﻴﺰ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﺑﺎﻟﻜﻔﺎﻳﺎت اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
١ – آﻔﺎﻳﺎت اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ:
هي ﺑﺼﻴﺮة اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﺘـﻲ ﻳﻤﻴـﺰ ﺑﻬـﺎ ﻣـﺸاكله وﻳﺒﻨـﻲ ﻣـﻦ ﺧﻼﻟﻬـﺎ اﺳـﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ وﻳﺪرك ﻃﺒﻴﻌـﺔ اﻟﻨﺘـﺎﺋﺞ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌـﺔ ﻟﺤﻠﻬـﺎ وهـﻲ ﺗـﺸﻜﻞ ﻗﺎﻋـﺪة ﻟـﺴلوكه اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ وإﻃﺎراً ﻋﺎﻣﺎً ﻟﻬﻮﻳﺘﻪ وﻋﻤﻠﻴﺎت إدراكه كباحث.
٢ – آﻔﺎﻳﺎت اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ:
وهي ﺗﻮازي اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻤﺸﻜﻠﺔ أو ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺒﺤﺚ وﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ أﺳﺲ ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ ﻣﻘﻨﻌﺔ واﻟﺘﻲ تبدو ﻟﺪى اﻟﺒﺎﺣـﺚ ﻓـﻲ اﻟﻮاﻗـﻊ ﻋﻠـﻰ ﺷـﻜﻞ ﻗـﺪرات ﻓﺮدﻳـﺔ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ كشف ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ وﺗﺤﻠﻴﻞ ﻇﺮوﻓﻬﺎ وﻋﻮاﻣﻠﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ وﻣـﻦ ﺛﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺪى اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻟﺤﻠﻬﺎ، اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻘﺮر ﻧﺘﻴﺠﺘﻪ اﻟﻤﻀﻲ ﻗـﺪﻣﺎً ﻓـﻲ اﻟﺒﺤـﺚ و اﻟﻜﻒ ﻋﻨﻪ ﻟﻌﺪم اﻟﺤﺎﺟﺔ أو ﺗﺪﻧﻲ الأهمية.
٣- آﻔﺎﻳﺎت اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﺘﺨﻄﻴﻄﻴﺔ:
وﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻗﺪرات اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎت اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ﻟﺒﺤﺚ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ وﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﺨﻄﻂ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺤﻠﻬﺎ إﻧﻬﺎ ﻗﺪرات اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻠﻰ ﺗﺸﺮﻳﻊ أﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺪروﺳﺔ ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ وﺗﺤﺪﻳﺪ ﻧﻮﻋﻴﺔ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ آﺤﻠﻮل ﻧﺎﺟﺤﺔ ﻟﻬﺎ.
٤ - آﻔﺎﻳﺎت اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻹﺟﺮاﺋﻴﺔ:
وﺗﻌﻨﻲ ﻗﺪرة اﻟﺒﺎﺣـﺚ ﻋﻠـﻰ ﺗﻨﻔﻴـﺬ اﻟﺨ ﻄـﻂ اﻟﻤﻮﺿـﻮﻋﺔ ﻟﺒﺤـﺚ اﻟﻤـﺸﻜﻠﺔ ﺑﻤـﺎ ﻳـﺸﻤﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ إدارة اﻟﺒﺤﺚ وﺟﻤﻊ وﺗﺤﻠﻴﻞ وﺗﻔﺴﻴﺮ اﻟﻨﺘـﺎﺋﺞ ﺑﻬـﺪف اﻟﻮﺻـﻮل ﻋﻠـﻰ اﻟﺤﻠـﻮل اﻟﻤﺮﺟﻮة اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ.
٥- آﻔﺎﻳﺎت اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻟﺘﻘﻴﻴﻤﻴﺔ:
اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺴﺪ ﻣﺨﺮﺟﺎت وﺿـﻮاﺑﻂ اﻟﺒﺤـﺚ اﻟﻌﻠﻤـﻲ وﺗﺘﻤﺜـﻞ ﻓـﻲ ﻗـﺪرات اﻟﺒﺎﺣـﺚ ﻋﻠـﻰ ﻣﺴﺢ وﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻣﺎ ﻗﺎ م ﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﺤﺚ وﻏﺮﺑﻠﺔ أﻧـﺸﻄﺘﻪ وﻧﺘﺎﺋﺠـﻪ ﻟﻜـﺸﻒ ﺻـﻼﺣﻴﺘﻬﺎ ﻟﻠﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟﻤﺪروﺳﺔ وﻓﻌﺎﻟﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺳـﻠﺒﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﻼﺣﻈـﺔ، وﻣـﻦ ﺛـﻢ آﺘﺎﺑﺔ وإﺧﺮاج اﻟﺘﻘﺮﻳﺮ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻨﺸﺮ أو ﺗﻌﻤﻴﻢ اﻟﺒﺤﺚ أو ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻬـﺎت
اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ.
ﻃﺮق وﻣﻨﺎهج ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ:
ﺛﻤﺔ ﺗﺼﻨﻴﻔﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻟﻄﺮق اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ وﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﻲ ﺗﻔﺼﻴﻞ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻄﺮق:
١. ﻃﺮق اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ( Historical Methods ).
٢. ﻃﺮق اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻮﺻﻔﻲ. ( Descriptive Methods ).
٣. ﻃﺮق ﺑﺤﺚ اﻟﺘﻄﻮر او اﻟﺘﻐﻴﺮ ( Developmental Methods ).
٤. ﻃﺮق دراﺳﺔ اﻟﺤﺎﻟﺔ أو اﻟﻄﺮق اﻟﺤﻘﻠﻴﺔ. ( Case or Fild Study Methods ).
البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية
الواقع، والتحديات، والتوجهات المستقبلية
يلعب التعليم الجامعي دوراً مميزاً في تقدم المجتمعات وتنميتها وذلك من خلال وسائل ومهام متعددة لعل أبرزها إرساء قاعدة البحوث العلمية (الأساسية والتطبيقية).
ولقد أصبحت الجامعات اليوم ومن خلال أهدافها ووظائفها الأساسية المتمثلة بالتعليم الأكاديمي والبحث العلمي وخدمة المجتمع أحد أهم العناصر الداخلة في بناء وتطور حضارة العصر الذي نعيش فيه، فهي المؤسسة التعليمية الأكبر، وهي عقل الأمة وروحها، وهي قلبها النابض الذي يغذيها بالعلماء المبدعين، والقادة الأفذاذ، والساسة والمفكرين، والقوى العاملة المدربة في مختلف المجالات الذين بدورهم يشكلون أداة الرقي والتقدم والازدهار (السباخي، 1994: 227 ؛ حسن، 1990: 45).
ولا شك أن الجامعات ومراكز البحث العلمي تشكل قواعد أساسية في تنفيذ أية تنمية علمية وتكنولوجية منشودة على المستويين القطري والقومي وذلك من خلال: (1) إعداد وتأهيل الإنسان فكرياً وعلمياً وفنياً لخدمة وطنه. (2) إسهام العلماء في تخطيط التنمية الشاملة وتحمل مسئولياتهم في حل مشاكل المجتمع. (3) القدرة على إجراء التنبؤ العلمي والتعامل مع المستقبل. (4) دعم التثقيف العلمي للمجتمع بهدف توعية أفراده بمخاطر التطور العلمي والتكنولوجي، وتدريب هؤلاء الأفراد على مواجهة هذا التطور (عبد الرحمن، 1988: 413).
هذا، ويعتبر البحث العلمي أحد أبرز سمات التعليم الجامعي ومهمة أساسية من مهام الجامعة اليوم والتي من خلالها تزيد من ارتباطها بحركة المجتمع وتعطي الحلول المناسبة لكثير من المشاكل التي تواجهها مؤسساته المختلفة.
وما من شك أن البحث العلمي يمثل إحدى المهام الأساسية التي تميز الجامعات، بل ومن خلاله تحظى بالتقدير والمكانة بين مؤسسات المجتمع الأخرى، وفضلاً عن ذلك أصبح أحد الوسائل الرئيسة لتتبوأ الدولة مكاناً مرموقاً في هذا العالم وأحد المعايير التي يقاس بها مدى تقدم الأمم.
هذا، ويتضمن نشاط البحث العلمي تنمية وتطوير المعرفة الإنسانية في مختلف ميادينها التخصصية وحل المشكلات المجتمعية.
ويختلف البحث العلمي اليوم عما مضى وذلك نظراً لتعقد أساليبه وتعدد ميادينه ونظراً لخطورة النتائج التي يتوصل إليها الباحثون وأثر هذه النتائج على مجريات الحياة في المجتمعات الإنسانية.
" ونظراً لكون البحث العلمي المدخل الطبيعي لأية نهضة حضارية، وسمة من السمات اللازمة لكل مجتمع يبغي اللحاق بركب الحضارة، فلقد بدأ الاهتمام به يتزايد بشكل كبير في مختلف دول العالم التي أخذت تتسابق فيما بينها من أجل إحراز مزيداً من التقدم، ويتمثل ذلك في قيام الكثير من الدول برصد مبالغ كبيرة في ميزانيتها للإنفاق على البحث العلمي، حيث بلغ ما يخصص في هذا المجال لبعض الدول أكثر من 3% من مجموع الدخل القومي" (الصائغ وتوفيق، 1983: 195).
ولما كانت الجامعات هي المكان الأول المعوّل عليه في إجراء البحوث، فسوف ننتقل إلى دراسة واقع البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية ذاكرين له إيجابياته وسلبياته، محاولين ما أمكن أن نبين المعوقات التي تعترض مسيرته، والوسائل المقترحة للقضاء على هذه المعوقات، أو على الأقل التخفيف من وطأتها.
إن الجامعات في فلسطين هي قمة المراحل التعليمية، وأعلى درجاتها، في شعب مجاهد، وعلى أرض مباركة.. أرض الإسراء والمعراج.. أرض الرباط إلى يوم القيامة.
ولقد نشأت الجامعات الفلسطينية في ظروف استثنائية غير عادية وهي ظروف الاحتلال الإسرائيلي الذي كان ولا يزال يعمد إلى سياسة التجهيل والعزل للمجتمع الفلسطيني من خلال التضييق على الطلبة والإغلاق المستمر للمؤسسات التعليمية خاصة الجامعات، مما انعكس سلباً على التعليم ومؤسساته عامة وعلى الجامعات خاصة فأثر على إنتاجيتها في بعض الجوانب والمجالات وعلى رأسها البحث العلمي.
هذا، وتكتسب الجامعات الفلسطينية أهمية خاصة بالنسبة للمجتمع الفلسطيني لأنها حافظت ومازالت تحافظ على تراثه في خضم الصراع مع الاحتلال البغيض، فهي جامعات الصمود والتحدي.. جامعات الصراع الحضاري المحتوم.. جامعات البذل والعطاء تحت كل الظروف!!! وهي الآن تقوم بدور إضافي في التنمية وبناء الدولة.
ومن الملاحظ أن التعليم الجامعي في فلسطين قد شهد تسارعاً حاداً في التوسع الكمي بصفة خاصة نتيجة عدد من العوامل والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية بحيث ارتفع عدد الجامعات الفلسطينية إلى إحدى عشرة جامعة خلال فترة وجيزة من الزمن!!!
ومثل هذا التوسع الكمي في هذا النوع من التعليم، يتطلب اتخاذ الإجراءات اللازمة والسريعة للمحافظة على أداء نوعي ومتميز لمؤسساته في مختلف المجالات، لما لذلك من أثر حتمي على مسيرة التنمية الشاملة في المجتمع الفلسطيني.
وانطلاقاً من هذا، فإن البحث في واقع البحث العلمي وتحديد الصعوبات التي تعترض مسيرته وتعيق من دافعيته في الجامعات الفلسطينية ضرورة لازمة لتطوير إسهاماتها بمستوى حركة المجتمع الفلسطيني ومتطلبات تقدمه.
وتأسيساً على ما سبق ومن خلال إدراك الباحثان لأهمية البحث العلمي، أحسا بضرورة البحث في هذا الموضوع بهدف التعرف واقع البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية، ومن ثم محاولان الكشف عن التحديات (المشكلات والمعوقات) التي تقف في وجه، ومن ثم تقديم تصور للطموح المأمول والتوجهات المستقبلية تجاه تطويره وتحسين وضعيته.
إن مثل هذا البحث مع غيره من البحوث والدراسات في هذا المجال قد يسهم في تحسين حركة البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية ونموها، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس إيجاباً على واقع المجتمع الفلسطيني بأسره وهو يخوض معركة البناء والتحدي أمام عدو أدرك قيمة البحث العلمي وخطورته فجعله أداة أساسية في بناء دولته.
واقع البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية
شهد التعليم الجامعي في فلسطين تسارعاً حاداً في التوسع الكمي بصفة خاصة نتيجة عدد من العوامل والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية بحيث ارتفع عدد الجامعات الفلسطينية إلى ثماني جامعات خلال عقدين من الزمن، وهذه الجامعات هي: بيرزيت (1972)، بيت لحم (1973)، النجاح الوطنية (1977)، الإسلامية (1978)، الخليل (1979)،القدس (1984)، القدس المفتوحة (1991)، الأزهر (1991). يضاف إليها فيما بعد جامعة الأقصى، وجامعة بوليتكنيك فلسطين، والجامعة العربية الأمريكية، فيكون بذلك عدد الجامعات الفلسطينية قد وصل إلى إحدى عشر جامعة.
ولقد كان لأحكام الضرورة العملية والوطنية التي نجمت عن احتلال الأراضي الفلسطينية في حرب عام 1967م أثرها في تحديد أولويات الجامعات الفلسطينية منذ نشأتها. فلما كان استكمال تحصيل التعليم الجامعي (الذي لم يكن متوفراً داخل فلسطين) سبباً من الأسباب المساهمة في مغادرة الشباب الفلسطيني لأرضه؛ انصب اهتمام الفلسطينيين على إنشاء وتطوير جامعات محلية كي تقوم بمحاولة تغطية العجز القائم في مؤسسات التعليم العالي في الداخل، وذلك في محاولة للحد من هجرة الشباب للخارج وتدعيماً لصمودهم على أرض الوطن السليب. هذا إضافة إلى محاولة إرساء دعائم بنية تحتية يكون بمقدورها مواجهة مخططات السلطة المحتلة. ومن هذا المنطلق، كان التوجه العام للجامعات الفلسطينية منذ بداية تطورها هو استيعاب أكبر قدر من الطلبة، الأمر الذي جعل من التوسع الكمي هدفاً مركزياً لوجودها ونموها، وأصبح التدريس في ضوء ذلك عصب عمل الجامعات وأولويتها المطلقة باعتباره السبيل الكفيل بتوسيع قدرات الاستيعاب الكمي. لذلك لم يظهر البحث العلمي في البداية على قائمة أولويات الجامعات مما يدل على أنه لم يشكل هدفاً من الأهداف التي أوجبت تطويرها .
وليس من شك أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ينعكس بشكل أو بآخر سلباً أو إيجاباً، على أداء النظام التعليمي بشكل عام، والجامعات بشكل خاص.. لذا جاء تطور البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية متأخراً نظراً لاهتمام إداراتها أساساً بأمور اعتبرت أكثر إلحاحاً وأولوية، كتوفير هيئات تدريس ذات كفاءة، وتشييد المباني الضرورية، وإيجاد البنية الأساسية لإنجاح عملية التدريس التي لها الأولوية الأساسية بحكم الظروف الاستثنائية التي نشأت فيها تلك الجامعات.
لقد بدأت حركة البحث العلمي تنشط وتتطور في الجامعات الفلسطينية مع تطور مجالات الدراسات العليا فيها، إلا أن ضعف البنية التحتية المساندة للنشاط البحثي أدى إلى إعاقة تطوير حركة البحث العلمي فعلى سبيل المثال قامت جامعة بيرزيت بفتح برنامج دراسات عليا في مجال التربية يؤدي لدرجة الماجستير وذلك في عام 1978/1979 ، إلا أن هذا البرنامج تم تجميده ابتداءً من عام 1981/1982 بعد أن منح 32 شهادة ماجستير؛ وكان السبب الرئيس لذلك هو عدم توفر البنية المساندة واللازمة لدعم برنامج دراسات عليا.
ورغم قلة الإمكانات البشرية والمادية والمعنوية وصعوبة الظروف البيئية المحيطة بالبحث العلمي في فلسطين، إلا أن المتأمل لمسيرة البحث العلمي بالجامعات الفلسطينية من حيث العدد والنوع، سوف يلحظ بوضوح الكثير من الإيجابيات خاصة على المستويات الفردية، تقابلها الكثير من السلبيات على المستويات التنظيمية والجماعية.
وبشكل عام فإن ما يؤخذ على حركة البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية ما يلي:
معظم هذه الأبحاث هي من النوع الوصفي، ولذلك لا يستخدم فيها سوى الأساليب الإحصائية المبسطة مثل: النسب المئوية، والمتوسطات الحسابية..الخ. ومن ناحية أخرى فإن مستوى الجهد المبذول في حالتها يظل متواضعاً، كما أن فائدتها العملية غير محققة في أغلب الأحيان.
تفتقر في غالبها إلى الأصالة لأنها عبارة عن تكرار لأبحاث الغير مع بعض التعديلات الطفيفة عليها.
بعض هذه الأبحاث ضحلة في موضوعها ونتائجها؛ حيث ينقصها العمق والإحاطة اللازمين، إذ الكثير منها يمس قضايا هامشية، أو قضايا تم إشباعها بحثاً في بلدان أخرى، ولذلك فإنها يندر أن تأتي بشيء جديد أو هام.
هي صدى مباشر لبعض اهتمامات أعضاء هيئة التدريس وليست حلاً لمشكلة أو قضية معينة تعاني منها البيئة الفلسطينية.
الكثير من هذه الأبحاث يعجز أصحابها عن إعطاء تفسير كامل لنتائجها أو استخلاص المؤشرات الهامة منها، لذلك تظل أهميتها متدنية ومحدودة.
وخلاصة القول، فإن ما يجري في جامعات فلسطين هو انعكاس لمل يجري في جامعات الوطن العربي باعتبارها جزء من العالم العربي تعيش نفس الأجواء العامة التي تعيشها كافة الدول العربية، إضافة إلى واقع الاحتلال المرير الذي يعطيها خصوصية تجعلها تنفرد ببعض الأمور عن باقي الدول العربية الشقيقة الأخرى.
التحديات التي تقف في وجه مسيرة البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية
- غياب التقدير للجهود التي يبذلها الباحثون وتجاهل وإهمال النتائج التي يتوصلون إليها: فأصحاب القرار لا يعطون البحوث العلمية أية أهمية ولا يعتمدونها كضرورة أساسية يستندون إلى نتائجها في بناء برامج مستقبلية، الأمر الذي يحبط الباحثين ولا يشجعهم على تكرار التجربة.
ولربما ذلك راجع إلى عدم توافر قيم البحث العلمي بالشكل المطلوب وكأن البحث العلمي شيئاً لا يستحق الاهتمام، أو إلى عدم ثقة مجتمعنا بشكل عام بالبحث العلمي.
- ضعف التمويل أو عدم توفر التمويل الكافي: فالتمويل عنصر أساسي لتهيئة الباحث نفسياً للعمل، لذا فإن إجراءات الحصول على الأموال المطلوبة يجب أن تكون ميسورة. إلا أن معظم باحثينا –إن لم يكن جميعهم- يجدون صعوبة في توفير التمويل الضروري لعملهم بما يحتاجه البحث من موارد وأجهزة وجمع معلومات وتحليلها، وربما تعبئة استمارات الدراسة وإجراء تجارب، مما يحتاج إلى مصروفات ومساعدة أفراد في إجراءات البحث أو الفنيين الذين يمكن أن يعملوا على صيانة المختبرات وتجهيزها للعمل للحيلولة دون إهدار الوقت والجهد والكلفة (بدران، 1985: 276). ومن ناحية أخرى فإن قلة مكافأة الباحث على جهوده والنتائج الإيجابية التي يتوصل إليها.. كل ذلك يشكل عائقاً كبيراً في طريق إجراء البحوث وإنجازها.
- قلة مصادر المعلومات بالشكل الصحيح وصعوبة الوصول إليها: فعملية البحث تحتاج إلى توافر إمكانية خاصة بها تساعد على إجراء البحوث، ومن بين هذه الإمكانات الخاصة توفر مصادر المعلومات وسهولة وصول الباحث إليها، وبخاصة الأمور المستحدثة منها مثل الذي تنشره الدوريات والمجلات العلمية المتخصصة، حيث تحوي مثل هذه المصادر عادة عصارة الفكر الإنساني في مجال تخصص معين (عدس، 1988: 357). فالمعلومات عصب البحوث العلمية، وتأتي أهميتها في عصرنا من أهمية الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم، مما يستحيل معه الإلمام بالمعلومات جميعها بطرق فردية أو تقليدية غالباً، ومن هنا يتبين لنا ضرورة وأهمية أنظمة المعلومات العلمية والتكنولوجية التي ترفد الدارسين والباحثين بما يكفي حاجتهم من البيانات والإحصائيات المطلوبة (زاش، 1996: 19). وجامعاتنا الفلسطينية تفتقر عموماً إلى مثل هذه الأنظمة رغم تطلعها وحرصها على الإفادة من التقدم التكنولوجي في مجال توثيق المعلومات، مما يثبط من عزيمة الباحث ويدفعه للاكتفاء بأقل المعلومات المتوافرة والاعتماد على نفسه بتوفير المعلومات، مما يزيد أعباءه ويجعل مهمته صعبة في مرحلة البحث أو تفسير النتائج، مما ينعكس سلباً على مستوى البحوث. كما تفتقر مكتبات الجامعات الفلسطينية عموماً إلى المراجع العلمية الصالحة للبحث من كتب ودوريات ومجلات العربية وأجنبية. ناهيك عن أسلوب اللامبالاة الذي يواجهه الباحث أثناء جمع المعلومات. كل هذه الأمور تنعكس سلباً على سوية البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية
- عدم توفر الأجواء العلمية المناسبة والصحيحة في جامعاتنا: "فالبحث العلمي عملية ديناميكية تعتمد على التفكير المبدع الخلاق الذي لا يمكن حث القادرين عليه إلا من خلال توفير المناخ المحفز، فالمتخصص -بالرغم من كل ما يمكن أن يتوفر له من عوامل مساندة- لا يستطيع أن يكون باحثاً مقتدراً إذا لم تتوفر له الشروط النفسية والأكاديمية التي تحفز على العطاء العلمي" (الجرباوي، 1986: 42). فالباحث بحاجة إلى الإحساس بأنه يعمل في ظروف يسودها الشعور بالحرية الأكاديمية والاطمئنان النفسي.. إضافة إلى ذلك فإن اللقاءات العلمية بين أعضاء هيئة التدريس في القسم الواحد أو في الكلية الواحدة، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، فإن لها تأثيرها المباشر على تنشيط عملية البحث العلمي عند هؤلاء الأعضاء.. كما أنهم بحاجة إلى تسهيل مهمة إشراكهم في المؤتمرات العلمية في مجالات تخصصهم سواء ما يعقد منها في البلد الواحد ذاته أو في بلدان أخرى.. ولا يخفى أن في كل ذلك إثراءً كبيراً لخبرات الباحثين وحفزاً لهم على القيام بالأبحاث والدراسات في مجال تخصصهم (عدس، 1988: 358-359).
إن الأوضاع الاستثنائية في الأراضي الفلسطينية على وجه العموم، وما تتعرض له الجامعات من مضايقات مستمرة تحول دون قيامها بدورة عملها الاعتيادية على وجه الخصوص –كالإغلاقات ووضع الحواجز الأمنية والتقييدات المختلفة- تحول دون توفر المناخ الملائم لتحفيز القادرين على البحث العلمي للقيام به" (الجرباوي، 1986: 43).
فالظروف الاستثنائية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تجعل الباحث في توتر نفسي دائم يعيق تركيز جهده وتفكيره ووقته في مجال أبحاثه، فينعكس الأمر سلباً على إنتاجه البحثي.
هذا على الصعيد العام، أما على الصعيد الداخلي فالمناخ الجامعي لا يشجع كثيراً على تحفيز الباحث للإنتاج العلمي، حيث الأعباء التدريسية والمهام الإدارية تستنفذ اهتمام ووقت معظم أعضاء الهيئة التدريسية.
- عدم توفر الوقت الكافي لعضو هيئة التدريس للقيام بالأبحاث: حيث إن إثقال كاهل عضو هيئة التدريس بالعبء التدريسي أو انشغاله بالأعمال الإدارية يجعله يصرف الجزء الأكبر من وقته على عملية التدريس والتحضير لها، الأمر الذي يعيق من قيامه بعمليات البحث.
- عدم توفر معايير محددة لتقييم الأبحاث العلمية ونشرها: مسألة النشر هي من أكبر المعوقات التي يواجهها الباحثون في الجامعات الفلسطينية، وبخاصة المستجدون منهم. إن عدم وجود معايير محددة للتقييم والتحكيم، يجعل عملية الحكم على سوية البحث وأصالته مسألة نسبية تخضع لنوعية المحكم ولتوقعاته العلمية، وعلى الأغلب فإنه يتخذ من نفسه ومن إنجازاته العلمية معياراً يحكم به على الآخرين، عدا عن ذلك بطء إجراءات التقييم للبحوث المرسلة للنشر (عدس، 1988: 362) الأمر الذي يتسبب بالإحباط للباحثين.
من هنا لجأت بعض الجامعات الفلسطينية إلى إصدار مجلاتها العلمية لتسهل على العاملين فيها نشر أبحاثهم بسرعة أكثر. ورغم ذلك تبقى مسألة النشر في حال الكثيرين من أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا مسألة صعبة وشائكة.
ومن ناحية أخرى فإن التخوف من نشر الكتب والأبحاث التي تتطرق لمواضيع غير تقليدية، يشكل عائقاً أمام إجراء البحوث. إضافة إلى عدم اهتمام الطالب الجامعي والقارئ بشكل عام بالأبحاث العلمية.
- غياب السياسة البحثية الوطنية العامة للبحث العلمي: إن غياب السياسة البحثية العامة -التي تتحدد بموجبها الأولويات والضوابط التي يجب أن تحكم نشاط البحث العلمي، وفقاً لما تفرضه حاجة المجتمع واحتياجات تنميته من جهة، وما يتوفر للجامعات من موارد وطاقات من جهة أخرى- يجعل الأبحاث التي يتم إجراؤها بعيدة عن حاجات التنمية والحاجات الملحة الأخرى لمجتمعاتنا المحلية. كما يؤدي ذلك أيضاً إلى أن تعمل كل جامعة أبحاثها بمعزل عن الأخرى، فتأتي هذه الأبحاث مبعثرة ومشتتة وقد تكرر نفسها وتصبح الفائدة المرجوة منها متدنية. إضافة إلى فقدان التوازن والتكامل بين البحوث التطبيقية والبحوث الأساسية في مختلف المجالات. وتقوية النزعة الفردية في إجراء البحوث على حساب الأبحاث الجماعية.
- افتقار البحث العلمي للدعم والتأييد المجتمعي: لكي يتم تنشيط البحث العلمي يجب على المجتمع أن يعي حاجته له وأن يتخذ قراراً واعياً بدعمه، فالبحث العلمي يحتاج إلى استثمار الكثير من الجهد والموارد ولا يعقل أن يقوم المجتمع بمثل هذا الاستثمار إلا إذا كان المردود المتوقع كبيراً.. لذلك لا يتوقع أن يتم تطوير هذا المجال في داخل مجتمع ما إلا بعد ما يعي هذا المجتمع حاجته له، وهذا ما لم يحصل في مجتمعنا الفلسطيني عندما قام بدعم إنشاء جامعاته المحلية، فهو لم يعتبرها مؤسسات بحثية ولم يتطلب منها القيام بتنشيط مجال البحث العلمي، وإنما كانت بالنسبة له مؤسسات تدريس تستهدف بالأساس تقليص ترحيل الشباب الفلسطيني عن أرضه (الجرباوي، 1986: 40).
- معوقات تتعلق بالنواحي الإدارية، وتتمثل في أمور منها:
- عدم وجود إجراءات لتنشيط البحث العلمي في الجامعة والكلية.
- قيام المؤسسة بتزويد الباحث بالمعلومات على أساس العلاقة الشخصية.
- إهمال الاستجابة وعدم الرغبة في الرد لأسباب غير واضحة.
- معوقات تتعلق بشخص الباحث نفسه: من حيث عدم مقدرته على اختيار موضوع مناسب أو عدم اتباع أسلوب بحثي مثمر أو تعامله مع البحث باعتباره واجباً لنيل درجة علمية أو طمعاً في ترقية أكاديمية. أو عدم الرغبة أو عدم القناعة الذاتية بالبحث العلمي. وتفضيل التدريس الإضافي على البحث. أو قناعة الباحث أن مصير البحث هو للترقية وليس للخدمة أو التطبيق.
تطوير البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية
يلي جملة من الاقتراحات تمثل رؤية مستقبلية لواقع وتوجهات أفضل من شأنها أن تسهم في رفع مستوى البحث العلمي في جامعاتنا وتجعله هادفاً ومفيداً وعملياً.
1. توفير الأموال اللازمة لأعضاء هيئة التدريس للقيام بالأبحاث المختلفة على أن تعطى الأبحاث المتميزة سنوياً مكافآت، يمكن ذلك من خلال إنشاء صناديق مشتركة لدعم البحث العلمي والإنفاق عليه.
2. مطالبة السلطة الفلسطينية بفرض ضريبة معينة على أصحاب الشركات والمصانع خاصة لدعم وتمويل البحث العلمي في فلسطين
3. العمل على توفير قواعد المعلومات البحثية كخدمات مكتبية جامعية إضافية، وقاعدة عريضة للمعلومات في القسم الأكاديمي حتى يفيد منها المدرسون وطلبة الدراسات العليا على حد سواء.
4. التعاون في إنشاء بنوك للمعلومات واستخدام التقنيات الحديثة في الوصول إليها.
5. ينبغي أن يكون لعضو هيئة التدريس اهتمام بحثي خاص في مجال معين بحيث يتمكن من اكتساب المعرفة العلمية الضرورية لذلك المجال من ناحية، وحتى ينطلق في أبحاثه ودراساته ضمن حدود ذلك المجال.
6. نشر الأجواء العلمية المناسبة على مستوى الكليات والأقسام العلمية.
7. تشجيع البحوث الجماعية.
8. مطالبة الجامعات أن تقوم بتوفير ما يتطلبه البحث العلمي من مستلزمات ضرورية ولا سيما تحقيق الاستقرار الوظيفي والنفسي لعضو هيئة التدريس في مكان العمل. فالاستقرار الوظيفي والنفسي يهيئ لعضو هيئة التدريس المناخ المناسب لتركيز جهده وتفكيره على تطوير اهتماماته الأكاديمية.
9. إنشاء معهد مركزي يسهم في إعداد مساعدي الباحثين لكل الجامعات الفلسطينية والهيئات البحثية الأخرى. إن إعداد مساعدي الباحثين للعمل في مجال البحث العلمي لا يقل أهمية عن إعداد الباحثين، فهم من الكوادر اللازمة لنجاح البحث العلمي وتحقيق أهدافه، فالأبحاث العلمية تمر بخطوات طويلة في الوقت والجهد، تحتاج فيها إلى متابعة دائمة ورصد نتائجها أولاً بأول وعرضها على الباحثين لتحليل وتفسير هذه النتائج واستخلاص الحقائق والنظريات من خلال التحليل والتفسير وذلك يتطلب مساعدي باحثين يتوفر في إعدادهم الأمانة العلمية وتحمل المسؤولية والقدرة على الأداء (عبد الحميد، 1982: 70).
10. المطالبة بتكوين لجنة مركزية للبحث العلمي مكونة من عمداء البحث العلمي في كافة الجامعات الفلسطينية أو من ينوب عنهم، مهمتها رسم سياسة بحثية عامة وفقاً لخطة شاملة، تتحدد بموجبها الأولويات والضوابط التي يجب أن تحكم نشاط البحث العلمي، وفقاً لما تفرضه حاجة المجتمع واحتياجات تنميته من جهة، وما يتوفر للجامعات من موارد وطاقات من جهة أخرى.
11. عمل اتفاقات ثنائية بين الجامعات الفلسطينية نفسها، وبينها وبين الجامعات العربية في الدول العربية الشقيقة لتبادل الأساتذة والطلاب وإجراء البحوث المشتركة.
12. مطالبة الجامعات بإعداد برامج لتنشيط البحث العلمي كعقد الندوات وإلقاء المحاضرات المتخصصة دورياً.
13. مطالبة الجامعات بتشجيع الإيفاد لحضور المؤتمرات والندوات المختلفة وإعادة النظر في المخصصات المالية لتوفير نفقات الإقامة والسفر.
14. مطالبة كافة الجامعات الفلسطينية أن تعمل ما في وسعها لتيسير عملية نشر بحوث أعضاء هيئة التدريس العاملين فيها عن طريق إعدادها لمجلات علمية خاصة بها، مع المحافظة طبعاً على المستوى والنوعية في حالة كل منها.
15. مطالبة الجامعات الفلسطينية باحتساب العمل البحثي كجزء من نصاب عضو هيئة التدريس الجامعي. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون اهتمامها بالبحث العلمي ضمن معادلة تكفل أيضاً الاهتمام بعملية التدريس، حتى لا يؤثر الاهتمام المتزايد بتدعيم النشاط البحثي سلباً على النشاط التدريسي الذي يجب أن يحظى بالأسبقية على الفعاليات الأخرى. وعليه يجب اعتماد التدريس أساساً رئيسياً لتقييم عمل أعضاء هيئات التدريس وتحديد ارتقائهم الوظيفي والأكاديمي، مع عدم إغفال دور البحث العلمي باعتماده عاملاً مسانداً في عملية التقييم هذه. إن استمرار اعتماد البحث العلمي كأساس رئيسي لتقييم أعضاء هيئات التدريس المهني وارتقائهم الأكاديمي يحوّل اهتمام هؤلاء الأعضاء من التدريس إلى البحوث العلمية من جهة، ويضع عليهم ضغوطاً لإنتاج أبحاث قد لا تصل للمستوى المنشود من ناحية أخرى (الجرباوي، 1986: 67).
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها