بقلم: بدوية السامري

اشترى المواطن عزام حنني علبة تمر من مدينة نابلس، وفي طريق عودته إلى منزله في بلدة بيت فوريك شرقًا، علق إلى جانب المئات من المواطنين على الحاجز العسكري المقام على مدخل البلدة، بسبب تشديد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعرقلتهم لمرورهم.

علا صوت آذان المغرب، وحان موعد إفطار الصائمين في شهر رمضان المبارك، فتناول حنني حبتين من التمر التي كان قد أحضرها لعائلته، وطلب من نجله تقديم ما تبقى منها إلى الصائمين العالقين معه على الحاجز.

يعمل حنني سائقًا لمركبة نقل على طريق نابلس بيت فوريك، يقول: "إن ثمانية أيام من أصل 12 يومًا مضت على بدء شهر رمضان أجبرته إجراءات الاحتلال على الإفطار على الحاجز مع مئات المواطنين العالقين".

ويضيف: "تهاتفني عائلتي كل نصف ساعة تقريبًا تستعجلني على الإفطار، ولكن إجراءات الاحتلال على الحاجز تحول دون ذلك، ما يضطرني للبقاء هنا، ففي فلسطين، يختلف الأمر عن باقي الشعوب الصائمة هنا يوجد تحديات إضافية، لأن الحواجز العسكرية الإسرائيلية تتحول إلى عوائق قاسية تبعدنا عن عائلاتنا وتحرمنا متعة الإفطار معها، ما يجعل تجربة الصيام مليئة بالصبر والمعاناة".

ويضطر الآلاف للانتظار لساعات طويلة على حواجز الاحتلال العسكرية المنتشرة على مداخل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، في طوابير ممتدة، وكل محاولاتهم الوصول إلى عائلاتهم تفشل أمام إغلاق الحواجز.

ومع اقتراب موعد الإفطار، يصبح المشهد أكثر معاناة، حيث يواجه الصائمون ضغوطا إضافية، وسط إجراءات تفتيش صارمة ووحشية من قبل جنود الاحتلال، من بينهم طلبة وموظفون.

وتعيش محافظة نابلس حالة حصار مشددة في ظل انتشار الحواجز الإسرائيلية العسكرية عند مداخلها ومحيطها، فضلا عن البوابات الحديدية التي نصبها الاحتلال عند مداخل القرى والبلدات، ما فاقم معاناة الأهالي وأعاق تحركاتهم، وجعلهم ينتظرون لساعات، وسط طوابير من المركبات، ويزداد الأمر صعوبة مع ساعات الصيام.

ويشير حنني إلى أنه في العادة يصل الحاجز في حوالي الساعة الثالثة مساء، لكن وبسبب التشديدات التي يفرضها الجنود، يعلن موعد الإفطار وهو هناك، برفقة مئات المواطنين، فرمضان في فلسطين ليس مجرد شهر صيام، بل هو اختبار يومي للصبر والتحمل، حيث يجمع الصائمون بين روحانيات الشهر ومقاومتهم للاحتلال.

وبينما يتزود المواطنون داخل مركباتهم احتياطًا، بالماء وبعض المأكولات، تحسبًا للإفطار على الحواجز تقوم بعض الجمعيات، والمطاعم، والمؤسسات، والمتطوعون على توزيع وجبات للصائمين العالقين، في محاولةٍ للتخفيف من معاناتهم.

لكن المشهد يبقى مؤلمًا، إذ يضطر بعض المواطنين للإفطار على الإسفلت البارد، وسط أصوات المحركات وصيحات الجنود، بدلًا من أن يكونوا وسط عائلاتهم على موائدهم الرمضانية.

يقول محافظ نابلس غسان دغلس: "إن المحافظة تعاني حصارًا مشددًا يعمل على تقويض مناحي الحياة، ويعيق تنقل المواطنين من المدينة وإليها، بسبب انتشار الحواجز الإسرائيلية في محيطها، وإغلاق عدد من الطرق بالسواتر الترابية والبوابات الحديدية".

وأضاف: أن قوات الاحتلال أقامت عشرة حواجز عسكرية دائمة حول المدينة، فيما نصبت 38 بوابة حديدية عند مداخل المدينة والقرى المحيطة بها، وأغلقت 47 موقعًا بالسواتر الترابية.

وكان رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، قال: إن منهجية الإغلاق الشامل للجغرافيا الفلسطينية، من خلال الحواجز والبوابات العسكرية وجدار الفصل والتوسع العنصري، لم يكن الهدف منها التحكم في حركة الفلسطينيين على الشوارع وحسب، بل أرادت من خلال ما يزيد على 912 حاجزا وبوابة عسكرية وجدار فصل يصل طوله إلى أكثر من 700 كم، أن تعيد تشكيل الجغرافيا بأهواء المحتل المريضة، وتحول الضفة بما فيها القدس إلى معازل وكانتونات ضيقة، طاردة للعيش والسكن، وخاضعة لأعتى منظومة رقابة وتحكم في حياة الواقعين تحت الاحتلال، معدمة تماماً إمكانية التواصل ليس فقط بين محافظتين متجاورتين، بل تتعداها إلى إعدام التواصل بين القرية والقرية التي تجاورها.