بقلم: محمد دهمان

منذ بداية العدوان وحرب الإبادة على قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، منع الاحتلال الإسرائيلي دخول الوقود ومشتقاته للقطاع التجاري، بينما سمح بدخول كميات محدودة للغاية على شكل مساعدات إنسانية تخصص بشكل أساسي للمؤسسات الدولية والإغاثية.

ورغم دخول "اتفاق وقف إطلاق النار" حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، فإن مهمة الحصول على مشتقات المحروقات لا تزال صعبة للغاية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواصلات العامة إلى أضعاف ما كانت عليه قبل العدوان، بسبب شح مادتي البنزين والسولار اللازمتين لعمل المركبات.

ووصل سعر لتر السولار إلى أكثر من عشرة أضعاف ثمنه قبل العدوان، ليصل إلى أكثر من 50 شيقلاً، ما رفع سعر أجرة المواصلات العامة إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه في السابق، فباتت وسائل النقل التقليدية ترفًا لا يستطيع كثيرون تحمله، ما دفع البعض إلى البحث عن بدائل غير مألوفة، سواء للتنقل أو لكسب قوتهم اليومي.

المواطن بكر القاضي (30 عامًا)، خريج بكالوريوس الاجتماعيات، وجد نفسه مضطرًا إلى العمل على عربة يجرها حمار منذ بداية العدوان، بعدما تعذر عليه العثور على عمل آخر.

ويقول القاضي: "لم يكن في مخطط حياتي أن أعمل بهذه الطريقة، لكن الحرب غيرت كل شيء، فصرت أعتمد على الحمار لنقل البضائع والركاب مقابل أجرة بسيطة".

وفي ظل اعتماد المواطنين على العربات التي تجرها الدواب للتنقل، ارتفع سعر هذه الدواب بصورة جنونية.

ويضيف القاضي: "قبل الحرب، كان ثمن الحمار لا يتجاوز 3000 شيقل، لكنه الآن يصل إلى 25,000 شيقل، بسبب ندرة المواشي والطلب المتزايد عليها".

ورغم ذلك، فإن هذا العمل بالكاد يكفي القاضي لسد احتياجات أسرته، إذ يوفر ما يعادل مئة شيقل يوميًا، لكنه يواجه مصاريف تشغيلية مرتفعة كانت تصل إلى نحو 120 شيقلاً يوميًا خلال العدوان، وانخفضت إلى 50 شيقلاً بعد سريان "وقف إطلاق النار".

- "التكتك" بين غلاء الوقود ومخاطر الطريق

أما المواطن محمد حجازي، وهو سائق "تكتك"، وهي مركبة بثلاث عجلات تجر عربة حديدية لنقل الركاب والبضائع، فقد وجد نفسه مضطرًا إلى تعديل مركبته بسبب أزمة الوقود الحادة.

ويقول حجازي: "بسبب ارتفاع أسعار الوقود ونُدرته، اضطررت إلى تحويل "التكتك" إلى العمل بالغاز، رغم أن سعر الكيلوغرام منه يصل إلى 40 شيقلاً، أي حوالي 12 دولارًا".

ويضيف متحسرًا: "ارتفاع تكلفة التشغيل يجعلنا نأخذ أجرة مرتفعة من الركاب، رغم أن دخلهم محدود، فإننا لا نملك خيارًا آخر".

كما يشير إلى أزمة أخرى تواجه أصحاب هذه المركبات، وهي عدم توفر قطع الغيار بسبب الحصار، ما يجعل أي عطل في المركبة أزمة كبيرة لا حل لها.

ويتابع: "الطرقات غير صالحة، والحوادث متكررة، والكثير من الناس أصيبوا أو فقدوا حياتهم بسبب سوء البنية التحتية".

- معاناة بلا حلول وسط كارثة إنسانية

وفي ظل هذه الظروف، يبقى المواطنون في قطاع غزة عالقين بين الحاجة إلى التنقل وكسب الرزق، وبين تحديات اقتصادية وأمنية تتزايد يومًا بعد يوم، بينما تظل الحلول بعيدة المنال في ظل استمرار الحصار والأوضاع الصعبة.

وأزمة المواصلات والتنقل ليست سوى جزء من المأساة التي يعيشها القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي قبل 15 شهرًا، فما زالت جثامين الشهداء تحت الأنقاض وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والإنقاذ عن الوصول إليهم بسبب الدمار الهائل وانعدام الإمكانيات.

وفيما يواصل الاحتلال الإسرائيلي قصفه واستهدافه للمواطنين، حتى بعد "اتفاق وقف إطلاق النار"، ترتفع حصيلة الضحايا يومًا بعد يوم، إذ بلغ عدد الشهداء حتى الآن 48,291، فضلاً عن 111,722 مصابًا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

ولا تقتصر الخسائر على الأرواح، بل طالت كل جوانب الحياة، فدُمرت آلاف المنازل والبنايات، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من الأسر التي أصبحت بلا مأوى، التي تلجأ إلى المدارس أو المساجد أو حتى تفترش الأرض في العراء، وسط نقص حاد في المواد الغذائية والطبية، ما جعل الأوضاع الإنسانية أكثر مأساوية من أي وقت مضى.

وفي ظل استمرار الحصار وشح المساعدات الإنسانية، يتشبث المواطنون بما تبقّى لهم من أمل في النجاة، بينما يستمرون في البحث عن سبل للبقاء في مواجهة حرب استنزفت كل شيء، وتركت القطاع غارقًا في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث.