بقلم: حسين نظير السنوار

فقدت المواطنة غادة السنوار التي كانت تعيش في كنف أسرة ممتدة خلال العدوان على قطاع غزة، زوجها، وأولادها وزوجاتهم، وبناتها، وأحفادها، وتركوها وحدها تصارع مصاعب الحياة من بعدهم.

خلّف العدوان مسح 2,092 عائلة من السجل المدني، واستشهاد 12316 ألف امرأة، كما أن 13901 ألف امرأة فقدت زوجها وأصبحت أرملة.

وتقول السنوار: "كنّا نعيش في بيت مستقر تحفّه الراحة والطمأنينة من كل جانب، فقد زَوجت أولادي وبناتي وكنّا نعيش في كنف أسرة ممتدة حتى جاءت الحرب وأخذت كل ما هو جميل وتركتني أصارع الأيام وحدي، فقد قصف الاحتلال الإسرائيلي بيتنا في مخيم جباليا شمال القطاع، في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2023، فقضى كل من بداخله ولم ينجُ منهم أحد".

وتضيف: "استُشهد زوجي وأولادي وزوجاتهم وبناتي وأحفادي، ذهبوا وتركوني أصارع مصاعب الحياة بعدهم، وتَرملت بناتي الثلاث وسُجن زوج الرابعة وابني وترك خلفه زوجته وأولاده الخمسة، أما أنا فنجوت لأني لم أكن موجودة لحظتها في البيت، إذ كنت في المستشفى برفقة ابنتي المصابة في قصف سابق بُترت فيه قدمها فأصبحت هي أرملة أيضًا بعدما قضى زوجها وأولادها في القصف الذي أصيبت به".

وتشير السنوار، إلى أن ابنها البكر كان متزوجًا في بيت مستقل ولم يمضِ على السكن فيه سوى أشهر قليلة قبل الحرب، فنجا هو وأطفاله الخمسة وزوجته، وعندما اشتد الحصار وأُحكم الخناق على المخيم، غادر برفقتهم إلى حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، وبعد فترة تركهم هناك وجاء يتفقد بيته فحوصر هناك ولم يتمكن من العودة، ولم يجد سبيلاً أمامه إلا التوجه إلى مستشفى الشهيد كمال عدوان وبقي فيه، ولم يعد يستطيع الخروج ولا العودة إلى غزة حتى حاصرت قوات الاحتلال المستشفى، فمنعت الدخول والخروج منه، وبعدها اعتقلته وكل من بداخل المستشفى، فأصبحت الآن أكثر حسرة وألمًا بعدما كنت أبني أملي عليه وأشد عضدي به لنربي أطفال أخواته الأرامل اللواتي تقع مسؤولية رعايتهم على عاتقي، فقد تركني الجميع وأصبحت أصارع البقاء مع من تبقّى من بناتي وأطفالهن وأصبحت عاجزة عن كل شيء، متسائلة: "من سيقف بجانبي بعدما أصبحنا جميعنا أرامل ومعنا أطفال أيتام لا تسعفهم أعمارهم في خدمتنا؟".

وتردف: لقد توقف عقلي عن التفكير ولم أجد سوى الدموع سبيلاً لأفضفض عن ما بداخلي، فينتظرني طريق طويل مليء بالتعب والمعاناة، فقد أصبحت الأب والأم والجدة والجد وأصبحت كل شيء سواءً لبناتي الأرامل أو لأحفادي من بناتي وأحفادي من ولدي الناجي الوحيد من أولادي والذي أصبح أسيرًا ولا أعلم عنه شيئًا.

وتقول السنوار: ما يزيد الأمور صعوبة أنني بعيدة عنهم ولم أرهم منذ أكثر من عام، بعدما رافقت ابنتي المصابة التي تم تحويلها للعلاج من مستشفى دار الشفاء بغزة إلى مستشفى غزة الأوروبي في خان يونس جنوب القطاع بداية الحرب، وبعدها أُغلقت الطرق ومُنعنا من العودة إلى جباليا وعشنا بخيمة في المواصي أيامًا عسيرة في النزوح كباقي النازحين الذين تجرعوا كل أنواع الألم والمرارة على مدار 470 يومًا.

وتضيف: كم هي عظيمة وصعبة لحظات الفراق وفقد الزوج والولد والبنت والصهر، ليتهم بقوا لي سندًا في حياتي وذهب بعدهم كل شيء، أو يا ليتني كنت معهم واسترحت من معاناة ما هو قادم، فأنا الآن في وضع مأساوي، عاجزة أمام التحديات التي تنتظرني، وهذا ليس حالي وحدي بل حال آلاف النساء اللواتي أُجبرن بسبب حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل ضد شعبنا على البقاء ومصارعة الأيام والظروف القادمة، فكل واحدة منهن ستكون كل شيء لمن تبقّى من أطفالها وأحفادها الأيتام لتربيهم وتعلمهم وتوفر لهم المأوى والملبس.

وتلفت السنوار إلى أنها ستحاول أولاً بعد عودتها إلى جباليا شمالاً، تنظيف ركام منزلها المقصوف بمساعدة بعض شباب عائلتها وجيرانها، وستبني خيمة تؤويها وبناتها وأحفادها، وبعدها ستعمل كل ما بوسعها على توفير حياة كريمة لهم.

بينما تقول المواطنة روان بعلوشة، الناجية من قصف للاحتلال استهدف بناية سكنية وسط غزة نزحت إليها برفقة زوجها وأطفالها وبيت حميها وأسلافها: "لقد قصفت طائرات الاحتلال البناية التي نزحنا إليها من منطقة الصفطاوي شمال غزة، ولم ينجُ منهم أحد إلا أنا وابنتي، إذ بُترت قدمي وطارت ابنتي من شدة الانفجار خارج المبنى، الأمر الذي أدى إلى نجاتها كما نجا جدها لأبيها أيضًا".

وتشير إلى أن التفكير أرهقها وأتعبها ويكاد يقتلها، بعدما فقدت الزوج والأولاد والأهل وأهل زوجها والبيت الذي كانت تعيش فيه، وأنها تقف عاجزة أمام التحديات العظيمة التي تنتظرها في تربية ابنتها وتوفير المكان الذي ستعيش فيه برفقتها وجدها المسن.

وتضيف: لقد أصبحت عاجزة أمام التحديات التي تواجهني وستواجهني في المستقبل، خاصة بعدما أصبحت أتحرك بصعوبة لبتر قدمي وعدم تمكني من تركيب طرف صناعي بسبب الحرب والحصار.

وتردف: "سأصبح بعد ذلك وحيدة بعد زواج ابنتي التي أصبحت في سن الزواج"، متمنية أن تتمكن من تركيب طرف صناعي لتستطيع ممارسة أمور حياتها بدلاً من العجز الذي تمر به والذي يزيد معاناتها مع صعوبة الأيام المقبلة.

أما نسمة الخطيب من خان يونس، فقد استُشهد زوجها وتركها مع ستة أطفال أكبرهم 13 عامًا وأصغرهم عامان، منهم أربعة بنات وولدان، كما فقدت جزءًا كبيرًا من شقتها التي تعرضت لدمار بالغ خلال الحرب، وتحاول لملمة أمورها ومحاولة العيش في شقتها رغم عسر الأوضاع.

وتقول الخطيب: رغم أنني عاملة وأستطيع أن أوفر لأطفالي الأيتام المأكل والمشرب، فإنني أقف عاجزة عن تربيتهم وحدي.

وتضيف: "ما يزيد الطين بلة أن بناتي هن الأكبر عمرًا من الأولاد، وأنا أخرج للعمل ولا يوجد من يحميهم ويوفر لهم ما يستطيعون، ونحن مقبلون على بعض الاستقرار والتزام الطلبة في المدارس، فسيذهب أطفالي الكبار إلى المدارس ويبقى في البيت الصغار، وهذا بحد ذاته مرهق فكريًا، فكيف سأتمكن من حمايتهم في حال خرجنا للعمل والمدارس خاصة أن الشقة لا يوجد فيها جدران وهي محاطة بالشوادر؟".

وتردف: "لقد وقع على عاتقي وكاهلي حمل كبير لا تستطيع أن تتحمله الجبال، فأنا أصبحت الأم والأب خاصة أنني سابقًا لم أكن أعرف أي شيء عن توفير متطلبات الحياة، فأصبحت الآن أمام تحديات كبيرة لتوفير كل شيء ورعاية الأبناء وتعليمهم والمحافظة عليهم في ظل المستقبل القاتم الذي ينتظر قطاع غزة"، وتنهدت بصوت عالٍ وقالت: "ليت كل الآباء بقوا فهم أكثر تحملاً منّا كنساء، فهم الحياة المفقودة في المستقبل، وهم السند والمستند والمتكأ".

ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بدأت قوات الاحتلال، عدوانًا على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد 47,107 الف مواطن على الأقل، بينهم 17861 ألف طفل، وحوالي 12048 ألف امرأة، وإصابة أكثر من 111,147 ألفًا، في حين لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض. ومُسحت 2,092 عائلة من السجل المدني، و214 طفلاً رضيعًا وُلدوا واستُشهدوا خلال حرب الإبادة الجماعية، و808 أطفال استُشهدوا خلال حرب الإبادة أعمارهم أقل من عام، و44 طفلاً استُشهدوا بسبب سوء التغذية وسياسة التجويع، و8 استُشهدوا نتيجة البرد الشديد في خيام النازحين بينهم 7 أطفال، و38,495 طفلاً يعيشون دون والديهم أو أحدهما.