أغمضنا العيون

يديعوت أحرونوت- بوعز أكون:15/12

(المضمون: المجتمع الاسرائيلي يثور ويبرق ويرعد حينما يمس المستوطنون بجنود الجيش الاسرائيلي لكنه يصمت في عدم اكتراث في الوقت الذي يجري المس بالفلسطينيين كل يوم).

"ما يزال يوجد ناس يعبرون عن أسفهم لأن المانيا طردت البرت آينشتاين، من غير ان يدركوا ان قتل مجرد يهود عاشوا قريبا منهم هي جريمة كبيرة برغم أنهم لم يكونوا عباقرة"، هذا ما كتبته حنه آرنت، محاولة ان تحل لغز سذاجة الشر في كتابها "آيخمان في القدس".

تلائم هذه الملاحظة ايضا الرد على هجمات نشطاء اليمين على جنود الجيش الاسرائيلي. عرّف متحدث الجيش الاسرائيلي اعمال الشغب هذه بأنها "تجاوز خط احمر" واهتاجت الدولة كلها. لكن جنود الجيش الاسرائيلي وقادته يعرفون كيف يدافعون عن انفسهم، فهم يملكون ألوية كاملة. وتنفذ جرائم أشد في عرب المناطق المحتلة. فأمس فقط أُبلغ عن احراق خمس سيارات فلسطينية ورمي حجارة واحراق مسجد تاريخي في القدس ورش كتابات شتم شديد. لا يوجد من يدافع عن العرب.

ان من تُزعزعه هجمات نشطاء اليمين على الجيش بهذا القدر يستطيع ان يخمن ما الذي يجري على الفلسطينيين في المناطق كل يوم.

يرى متحدث الجيش الاسرائيلي ان الخطوط الحمراء قد تم تجاوزها منذ زمن. ونحن موجودون في منطقة يرفرف فوقها علم اسود. ففي الخليل قريبا من مغارة الماكفيلا يوجد نظام فصل عنصري. فقد أحدثت اسرائيل فصلا بين العرب واليهود وشارعا كاملا كان ذات مرة شارعا رئيسا، خاليا من الناس لأنه لا حق للعرب الذين يسكنون على طوله في الدخول اليه.

ان تطبيق القانون في المناطق يتم بصورة انتقائية. فقد أصبح العنف عادة، وأصبح الآن وباءا معديا. ويخطيء من يظن ان المشكلة هي في فاعلية تطبيق القانون فقط. فالقانون نفسه فاسد وعفن. فلليهود قانون وللعرب قانون. وتحاول منظمات مثل "رابطة حقوق المواطن" و"بتسيلم" أو "يوجد حكم" ان تمنع كل يوم تجاوز الخطوط الحمراء، وتريد الحكومة ان تسد أفواهها هي خاصة.

أصبح العنف عادة. وقد أصبح عادة لأن سلطات فرض القانون أغمضت عيونها. ولا يتم وقف العنف، ويتطور ليصبح وباءا آخر الامر. وتفشل آنئذ محاولة العودة الى الكرامة الانسانية. ويصبح الندم غير ممكن تقريبا.

ان المقارنة بالمانيا التي كانت ذات مرة لا حاجة لها وتثير الغضب دائما تقريبا. ان المشاغبين اليهود خاصة هم الذين أسموا الجنود "نازيين". والفرق بين الزعزعة التي نشأت في أعقاب المس بجنود الجيش الاسرائيلي، والرد غير المكترث على المس المشابه بالعرب يدل على أننا كما كانت الحال في المانيا آنذاك قد تغلبنا على الاشمئزاز الفطري من الجريمة نفسها ونراها فقط حينما توجه على الجنود. ان المس بالجنود خطر جدا، وبرغم هذا فان المس بالسكان العرب لا يقل عنه بل هو أشد اذا تم تحت ناظر السلطة المُغمض. ان الخط الاحمر قد تم تجاوزه في جميع الحالات. لكن الفرق بين التنديد الذي يصاحب المس باليهود وبين عدم الاكتراث الذي يصاحب المس بالعرب هو تجاوز لخط احمر أهم كثيرا.

 

حفنة فقط

يديعوت أحرونوت- يديديا مئير:15/12

(المضمون: يجب على الصهيونية المتدينة نفسها ان تكافح ظاهرة التطرف اليمينية في المستوطنات لأن هذا من مصلحتها).

درس الجندي نحشون فاكسمان في المعهد الديني حوريف في القدس. وحينما اختطف حاول نير بوراز من ثانوية روتبرغ في رمات هشارون تخليصه. ولم يعد الاثنان الى البيت. وأمس تم في مدينة بوراز ادخال كتاب التوراة تذكارا له. لم يكن اللقاء أمس لقاءا فقط بين عائلة فاكسمان وعائلة بوراز بل بين قطاعين بينهما حرب إخوة بحسب النغمة الغالبة في الايام الاخيرة.لكن الامر لم يكن كذلك بل كان لقاء اخوة. فقد رقص مئات المتدينين والعلمانيين هناك معا أمس وتأثروا حول كتاب التوراة الذي كتب مدة سنة تقريبا وأُدخل الى معهد رمات هشارون. وحينما نظرت اليهم وأنا متنحية، أملت ان يكون هذا هو الواقع الاسرائيلي الحقيقي التمثيلي لا الفظاعة التي تمت في قاعدة اللواء في السامرة.لكن لا يمكن تحسين الواقع. ليت هذه كانت الصورة كلها. ان الشباب الذين يرون ان الجيش الاسرائيلي عدو والذين هم مستعدون لمهاجمة جنود هم ظاهرة موجودة وخطيرة يجب علاجها بسرعة وبصورة أساسية.وهناك ظاهرة خطيرة اخرى هي محاولة ربطهم بجملة معتمري القبعات الدينية. بعد ان أنهى اولئك الشباب الذين لا ضابط لهم شغبهم وإفسادهم، بدأ ساسة ومتحدثون بلا ضابط هياجهم. ويحاولون منذ يومين متواليين اقناعنا بأن هؤلاء الشباب هم الذراع الطويلة للمتدينين جميعا. ويختلقون الأحاديث عمن لا يحصون من رجال الدين والمربين الذين يؤيدونهم ويرسلونهم في مهام. وهناك من يحرصون ايضا على ان يفسروا كيف أصبح جميع الزعران وحدة واحدة، وكيف أمسك المحامي المتدين البرجوازي من جفعات شموئيل بحجر رُمي به نائب قائد اللواء. وهذا هذر بطبيعة الامر لكن ازاء جوقة التهييج – لا يجب على الصهيونية المتدينة ان تتطوى على نفسها بل ان تجابه.قال لي أمس صديق مستوطن "متى سيتقدمون الى الأمام". أي صحيح ان هؤلاء الرفاق قد بالغوا شيئا ما لكن كم يمكن ان نسمع عن هذا؟ ليأتِ مئير دغان أو احمدي نجاد أو الموسم التالي من الأخ الكبير، أو شيء يصرف الانتباه العام عنا كي نستطيع الانتقال الى الفضيحة التالية.قلت له انه مخطيء. فمن المصلحة الصهيونية الدينية علاج هذه الظاهرة علاجا جذريا. وحينما ينتقل الاعلام الى الأمام فانه يجب على القبعة المنسوجة خاصة ألا ترخي قبضتها: يجب عليها ان تقضي بنفسها على هذا التصور العنيف إما بوسائل تربوية وإما بمساعدة جهاز فرض القانون. فأصحاب القبعات المنسوجة يعلمون الى أي حد يسهم 99.9 في المائة منهم ويخدمون ويندمجون. انهم ليسوا ضدا للجيش الاسرائيلي بل هم الجيش الاسرائيلي. ولهذا يجب عليهم ايضا ان يقودوا علاج الحفنة القليلة التي تاهت في الطريق.

 

 

لاصقة على جرح

هآرتس - عاموس هرئيل:15/12

(المضمون: جدول الاعمال الاعلامي كفيل بان يتغير قريبا. من الصعب التصديق بان سلسلة الاجراءات الاخيرة، مهما كانت مبررة، ستنجح في تغيير الميل الحاد والمتواصل في الاتجاه المعاكس، السائد منذ سنوات عديدة).

الأثر الجماهيري فعل فعله: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اضطر أمس الى اتخاذ اجراءات سريعة، قاطعة نسبيا، بعد عربدة اليمين المتطرف في السامرة. يبدو ان نتنياهو عمل على خلفية التغطية الاعلامية الواسعة للعنف وللاهمال الذي ابداه تجاه الجنود والشرطة.

رد الفعل الجماهيري يرتبط بقدر ما بالاجواء التي نشأت في أعقاب العربدة التشريعية القاسية لممثلي اليمين في الشهرين الاخيرين. كما عمل نتنياهو ايضا على خلفية ما اعتبر كمشكلة في قدرة الحكم: عندما يهاجم الجنود ولا يردون، فان الحكومة تبدو في صورة سيئة. فلا رئيس الوزراء ولا الصحف صدموا عندما رشق رجال اليمين اولئك الحجارة على السيارات الفلسطينية وأحرقوا المنازل والمركبات.

ومع ذلك، في الجيش وفي الشرطة بقوا أمس متشككين جدا في الجدوى التي في الاجراءات التي اقرت باغلبية كبيرة. فقد اكد الضباط بانه بتقديرهم يوجد احتمال طفيف فقط في أن تؤدي الاجراءات الاخيرة الى تغيير جذري في وضع فرض القانون في المناطق. فالمنظومة التي تطورت على مدى عشرات السنين في الضفة الغربية والى جانبها التعلق المتبادل بين المستوطنين، السياسيين ورجال قوات الامن، أقوى من أن تقلب الميل رأسا على عقب دفعة واحدة.

الخطوات التي اقرت امس تتضمن عدة اجراءات في الاتجاه السليم، ولكن يخيل أنه لا يدور الحديث عن أكثر من لاصقة على جرح. صلاحية الاعتقال التي اعلن بانها ستمنح للجنود موجودة عمليا منذ زمن بعيد. أوامر الاعتقال والابعاد كانت في الماضي أيضا، وان كانت بتقنين أصغر، أما اضافة الملاكات فستفحص في لاحق الزمن.

الحقيقة هي أن حكومات اسرائيل فوتت في الماضي جملة من الفرص لمعالجة هذه المشكلة في الماضي – بعد المذبحة في الحرم الابراهيمي، بعد اغتيال اسحق رابين وكذا على خلفية افعال منظمة الارهاب اليهودي التي عملت في المناطق في بداية العقد الماضي، والتي لم يحاكم اعضاؤها حتى اليوم.

حتى لو تحققت الخطوات، فلا تزال هناك عوائق عديدة في الطريق. نتنياهو صادق مثلا على القرار بتقديم المشاغبين الى المحاكمة أمام محاكم عسكرية.

ليس واضحا على الاطلاق اذا كانت المحاكم العسكرية جاهزة لمعالجة هذه الامور، واذا كانت بالضرورة ستكون أكثر تصلبا في مواقفها من المحاكم المدنية التي بالفعل تبدي معاملة متسامحة جدا تجاه مجرمي اليمين الايديولوجي.

شرطة لواء شاي تعاني من مخصص متدنٍ على نحو خاص من القوى البشرية، وليس سرا أنها غير قادرة على التصدي لكامل المهام المكلفة بها؛ اما الدائرة اليهودية في المخابرات فتجد صعوبة في أحيان كثيرة للايفاء بمهمة توفير الادلة اللازمة للمحاكم حين يدور الحديث عن مجرمين يهود. لا يمكن الامتناع عن التوجه الى نتنياهو والوزراء بالسؤال لماذا تذكروا العمل فقط الان، بعد أن كان زعران "شارة الثمن" يعربدون في المناطق منذ قرابة السنتين.

كما سيصعب على الجيش ايضا "تغيير القرص" في كل ما يتعلق بنشاطات اليمين وذلك لان جنوده اعتادوا على ان يروا في المواطن الاسرائيلي، كل مواطن اسرائيلي حليف يحتاج الى حمايتهم. معقد جدا الشرح لهم بانه في لحظة معينة تصبح نسبة صغيرة من هؤلاء المواطنين اعداءاً.

نتائج جوهرية في مكافحة مجرمي اليمين المتطرف لم تتحقق الا اذا ما تغير النهج بشكل جارف، من فوق الى تحت. الشرطة تعزو لنفسها نجاحات من هذا النوع في الصراع ضد عائلات الجريمة المنظمة. ولكن ليس لعائلات الجريمة، خلافا لمشاغبي اليمين قاعدة داعمة في الكنيست.

يحتمل أن التشبيه الافضل لاجراءات نتنياهو أمس هو بالذات تقرير تريختنبرغ: ضغط جماهيري، كثير من النوايا الطيبة، قليل من التغييرات التجميلية – ولكن حتى هنا دون انعطافة ذات مغزى. جدول الاعمال الاعلامي كفيل بان يتغير قريبا. من الصعب التصديق بان سلسلة الاجراءات الاخيرة، مهما كانت مبررة، ستنجح في تغيير الميل

 

 

واشنطن: انتقاد خطير

اسرائيل اليوم - زلمان شوفال:15/12

(المضمون: محافل مصابة بزوغان البصر في العاصمة الامريكية لا تزال تصر على أن ترى في الربيع العربي ثورة ديمقراطية. ومن هنا، ثمة من يعتقدون بانه سيكون ممكنا المساس بنسيج العلاقات الخاصة ايضا وتقليص نفوذها وقدرتها على المناورة السياسية).

في المؤتمر السنوي لـ "منتدى سبان"، معهد البحث ذي الميول اليسارية بشكل عام، والذي انعقد قبل بضعة ايام في واشنطن حقق ممثلان كبيران للادارة "عناوين رئيسة": وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع ليئون بانيتا. يحتمل أن في نظرة الى الوراء كانا يفضلان سحب اقوالهما، وذلك لان ردود الفعل التي اثارتها لم تكن ايجابية بالذات. بانيتا ركز على موضوعين: ايران والنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. بالنسبة لايران، خرج وزير الدفاع عن طوره كي يقنع جمهور سامعيه، وبشكل غير مباشر ايضا رؤساء النظام في طهران في ان ليس فقط الخيار العسكري ضد المنشآت النووية الايرانية غير مجدٍ، بل انه متعذر. من هنا انتقل، وكأنه في تواصل منطقي، الى المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، فيما يحث اسرائيل للعودة الى "طاولة المباحثات اللعينة". (رجل مركزي في فريق البيت الابيض حاول جاهدا بعد بضعة أيام اقناعي بان نية بانيتا كانت للطرفين وليس لاسرائيل فقط، والاحرى اقواله لم تكن تندرج ضمن خطاب اعد مسبقا).

ليس في أحيان قريبة يحصل أن صحيفتي  واشنطن، "واشنطن بوست" الليبرالية و "واشنطن تايمز" المحافظة، تعبران بذات النبرة وبذات القدر من الشدة عن تصريح شخصية سياسية أمريكية كبيرة. "اقواله ليست منطقية أو فهيمة" إذ كنتيجة لها فان الزعامة الايرانية "ستصل الى الاستنتاج بان ليس لديها ما تخشاه". مقالات في الصحيفة الثانية شددت على عدم المنطق الذي في دعوة اسرائيل الى المسارعة الى العودة الى المفاوضات وذلك لان براي الدبلوماسيين الامريكيين الذين ينشغلون في الموضوع الشرق اوسطي، فان الذنب في الجمود يربض على كاهن الفلسطينيين بالذات.

كلينتون، من جهتها، قررت التركيز على المخاطر المحدقة، ظاهرا، بالديمقراطية الاسرائيلية في أعقاب مبادرات التشريع المختلفة وظواهر مثل "استبعاد النساء". لا ريب أن بعضا من ملاحظات وزيرة الخارجية الامريكية محق. كما ان معظم الجمهور الاسرائيلي يثور ضد الظواهر التي تلقي بظلال ثقيلة على الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة. ولكن ليست هذه هي المسألة، بل منذ متى كان دور وزيرة خارجية أجنبية التدخل في شؤون كهذه؟ وتجدر الاشارة بان كلينتون تلقت على أقوالها "ضربات" غير قليلة من الانتقاد (ولا سيما في "واشنطن تايمز" اليمينية).

من الصعب التحرر من الخوف من أن يكون من شأن تصريحات كلينتون وبانيتا وتوقيتها ان يدل على ميل يتبلور في محافل مختلفة في الولايات المتحدة: تشويه وجه اسرائيل من أجل المس باحد الاسس الاكثر متانة للتأييد الذي تحظى به بشكل تقليدي في الرأي العام وفي السياسة الامريكية: القيم المشتركة للشعبين والدولتين.

لدى معظم الجمهور في أمريكا تعتبر اسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، وهي بالفعل هكذا. ولكن هل يمكن التشكيك بهذه المسلمة؟ محافل مصابة بزوغان البصر في العاصمة الامريكية لا تزال تصر على أن ترى في الربيع العربي ثورة ديمقراطية. ومن هنا، ثمة من يعتقدون بانه سيكون ممكنا المساس بنسيج العلاقات الخاصة ايضا وتقليص نفوذها وقدرتها على المناورة السياسية. يحتمل ألا تكون صدفة انه في ذات الايام بالذات نشر تقرير كبير في "الفايننشال تايمز" البريطانية كانتقاد على القيم الاجتماعية والسياسية لاسرائيل. ولعل كل هذه المخاوف مبالغ فيها. ولكن دوما يكون من الافضل الوقوف بالمرصاد، ومثلما قال ذات مرة موشيه دايان رحمه الله: "حتى لمجانين الاضطهاد يوجد أعداء...".