تحت خيمة في جنوب قطاع غزة، يلعب أطفال لعبة "المدرسة"، بعد أن انقطعوا عن الدراسة في القطاع المحاصر حيث دمّرت ثماني مدارس من كل عشرة، وفق اليونيسف، منذ بدء العدوان الإسرائيلي قبل ستة أشهر.
ويقول المتحدث باسم اليونيسف في الأراضي الفلسطينية جوناثان كريكس: أن مبادرة إقامة المدرسة التي أقدمت عليها مديرة مؤسسة تعليمية، "تسمح خصوصًا للأطفال بالتعامل مع الصدمة"، واصفًا الوضع بأنه "مأسوي تمامًا".
ويضيف: "هناك 325 ألف طفل في سن الدراسة لم يحضروا ساعة صف واحدة منذ ستة أشهر".
ويروي مجد حلاوة (16 عامًا) أن القصف الإسرائيلي طال مدرسته في مدينة غزة التي نزح منها مع عائلته، مضيفًا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعطى العائلة وعددًا من الأقارب مدة ثلاث دقائق لإخلاء المبنى الذي يسكنونه في غزة والمكوّن من ستة طوابق.
ويتابع حلاوة: "تركت كل كتبي ومستلزماتي المدرسية في منزلي. كنت أعتقد بأنني سأعود الى البلاد قريبا، لكن ذلك لم يحدث"، بعد أن لجأ إلى كندا في منتصف كانون الثاني/ يناير.
وتوقفت الدراسة في قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وتحوّلت مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" في القطاع إلى مراكز إيواء لمئات آلاف النازحين، وتعرّض 67% من المدارس لضربات مباشرة، وفق تقرير صادر عن منظمات غير حكومية بالاستناد الى صور للأقمار الصناعية وتقارير ميدانية. وتضررت 82% من المدارس.
وستكون إعادة بناء المدارس خطوة أولى شاقة على طريق إعادة الأطفال إلى المدارس. لكن التحدي الحقيقي سيكون شفاء أطفال القطاع النازحين والتعامل مع الصدمات النفسية الناتجة عن الموت والدمار والجوع، حتى يتمكنوا من العودة الى التعلّم، كما يقول عاملون في مجال الصحة.
في رفح، في أقصى جنوب القطاع، يتكدّس أكثر من مليون ونصف مليون شخص، غالبيتهم من النازحين، بحسب الأمم المتحدة، وبات الوضع الإنساني في المدينة مأساويًا.
ونحو نصف سكان قطاع غزة تحت سن 18 عاماً. وكان نظام التعليم في القطاع أصلاً يعاني من صعوبات شتى، بعد خمس حروب شنتها إسرائيل خلال العشرين عاما الماضية، وبسبب الفقر والبطالة.
ويقول ديفيد سكينر من منظمة "أنقذوا الأطفالSave The Children ": إن "إعادة بناء المدارس أمر معقّد للغاية، لكنه أكثر بساطة من إعادة التأهيل على التعليم".
وقد تمّ إنشاء مدارس مؤقتة في خيم في مدينة رفح
في خيمة صغيرة، تقف المعلّمة هبة حلاوة إلى جانب لوح خشبي تعلّم تلاميذًا من الصفّين الأول والثاني الإبتدائي يتراوح عددهم ثلاثين طالبًا، وتقول: "نشعر بفرح لأننا نحاول تفادي تجهيل مئات آلاف التلاميذ"، مشيرة إلى أن التعليم يفتقر أيضًا إلى الكتب المدرسية والأقلام، ورغم ذلك الأطفال سعداء بالمدرسة.
ورغم وجود خطط أولية لوزارة التربية والتعليم العالي، لاستئناف مسيرة التعليم الأساسي والثانوي عقب وقف العدوان، إلا أن مجد حلاوة الذي كان يحلم بأن يصبح محاميًا، يشعر أن الأمر لا يتعلق فقط بوجود مدرسة يذهب إليها مرة أخرى، إذ "لا يمكن لأحد أن يتغلّب على كل ذكريات ما حدث، ولا حتى خلال مئة عام، وفق رأيه، مشيرًا إلى أن استئنافه للدراسة صعب جدًا، والقيام بسنة دراسية في شهرين أو ثلاثة، لا سيما في وقت يعجز عن الاتصال بأصدقائه الذين بقوا في غزة، والذين استشهد بعضهم.
وتقول أودري مكماهون، الطبيبة النفسية للأطفال من منظمة "أطباء بلا حدود": "التعلّم يفترض التواجد في مكان آمن، فمعظم الأطفال في غزة في الوقت الحالي أدمغتهم تعمل تحت الصدمة، مشددة على ان التحدّيات التي سيتعيّن عليهم مواجهتها هائلة وستستغرق وقتًا طويلاً للتعافي منها، فالأطفال الأصغر سنًّا يمكن أن يصابوا بإعاقات إدراكية مدى الحياة بسبب سوء التغذية، في حين من المرجح أن يشعر المراهقون بالغضب من الظلم الذي لحق بهم.
ويقول سكينر: "ننسى غالبًا عندما نفكّر بغزة، الكارثة التي تطال الأطفال، فهؤلاء قد فقدوا عائلاتهم وأقاربهم وأصدقاءهم، وهم يعانون من مشاكل جسدية بالغة ومن سوء التغذية.
وقال الجهاز المركزي للإحصاء: أن قوات الاحتلال تقتل حوالي 4 أطفال كل ساعة في قطاع غزة، ويعيش 43,349 طفلا دون والديهم أو دون أحدهما، بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة لليوم الـ182.
وأوضح "الإحصاء" في بيان صدر عنه، بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني الذي يصادف الخامس من نيسان/أبريل من كل عام، أن ما يزيد على 14,350 شهيدًا من الأطفال ويشكلون 44% من إجمالي عدد الشهداء في قطاع غزة، كما شكل كل من النساء والأطفال ما نسبته 70% من المفقودين في قطاع غزة، نتيجة العدوان الإسرائيلي، والبالغ عددهم 7,000 شخص.
وأشار "الإحصاء" إلى أنه نتيجة للقصف المستمر بالغارات العنيفة على قطاع غزة وحصيلة الشهداء من الطلبة والمعلمين وتدمير البنية التحتية لعدد لا بأس به من المدارس، تعطلت العملية التعليمية في قطاع غزة منذ بدء العدوان وحُرم حوالي 620 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم المدرسي للعام الدراسي 2023/2024.
وبلغ عدد الشهداء من الطلبة الملتحقين في المدارس في قطاع غزة 5,994 شهيدًا، فيما بلغ عدد الجرحى من الطلبة الملتحقين في المدارس في القطاع 9,890 جريحًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها