بقلم: سامي أبو سالم
حمل سعيد عطا الله بطانيتين وابريق شاي ومخدة وتوجه ليعسكر على بوابة فرع لبنك محلي في حي تل السلطان بمدينة رفح جنوب قطاع غزة ليحجز دورا ليسحب راتبه الشهري.
يقول عطا الله (32 عامًا): أنه يحجز دورًا لليوم الرابع على التوالي ليتمكن من سحب راتبه الذي أودعته له الدولة، لكنه لم يستطع سحبه بسبب الزحام، فقطاع غزة يعيش في أزمة سيولة مالية بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة ومنع دخول ونقل الأموال وتدمير الغالبية الساحقة للبنوك ونقاط الصراف الآلي.
وأعلنت سلطة النقد الفلسطينية في بيان لها أنه تعذر فتح فروع البنوك لعمليات السحب والإيداع في محافظات القطاع كافة، بسبب القصف والظروف الميدانية القاهرة وانقطاع التيار الكهربائي والواقع الأمني.
وقالت: إن أزمة السيولة تفاقمت "مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة". وقال عطا الله إنه للمرة السادسة يأتي للبنك محاولاً سحب راتب شهر فبراير ويفشل.
لا يستطيع الموظفون سحب رواتبهم بسبب الطابور المستمر 24 ساعة و7 أيام في الأسبوع أمام الصراف والزحام الخانق والمشاكل التي تطرأ وينتابها فوضى وضرب واصابات أمام ماكينة الصراف.
وقال محمد عبد الجواد النازح من مدينة غزة إلى رفح إنه لم يستطع سحب راتبي فبراير ويناير بسبب الزحام والفوضى الناجمة عن شح السيولة. ولم يتسلم عبد الجواد راتبه لكنه كان يعتمد قبل شهرين على تقنية تحويل من رصيده لرصيد شخص آخر عبر تطبيق على الهاتف النقال مقابل عمولة لكنه لا يستطيع الآن تكرار التجربة لأن الشخص- الي اعتاد أن يستقبل الرصيد- ليس لديه سيولة ما أدى لرفع نسبة العمولة.
وقال عبد الجواد: "في المرة الأولى دفعت للرجل عمولة 5% الآن يطالبوا 15% وهذا مبلغ كبير". ويلجأ مواطنون لأسلوب آخر أن يتوجهوا لإحدى المحال التجارية ويسلمه البطاقة البنكية ليقتطع منها مبلغًا متفق عليه ثم يسلمه صاحب المحل مبلغًا نقديًا بعد حسم "عمولة" متفق عليها، مشيرًا إلى أن هذه الطريقة أيضًا لم تعد ناجعة بسبب شح الأموال النقدية "الكاش" من قطاع غزة. "ولا أعرف كيف سأعيش وكيف سأغطي مصروفاتي، لدى راتبي في البنك ولا أستطيع أن أستلمه ولا أستطيع الحصول على أي مبلغ نقدي".
في سوق مدينة رفح نصب محمود جمعة مائدة ونثر عليها معلبات ومواد غذائية للبيع، لأنه لم يعد يتقاضى راتبه بسبب شح السيولة النقدية، وقد عمل في بيع بعض المعونات الغذائية التي تسلمها في مركز الايواء ليشتري مواد تنظيف بسبب عدم حصوله على سيولة.
في الطابور الطويل كان وائل سعدات (23) يتثاءب عندما حل مكانه فريد الجمل (موظف حكومي متقاعد) ليسحب مبلغًا ماليًا من الماكنة، وقال وائل حينها بأنه تحمل مسؤولية حجز دور أمام الصراف الآلي لصالح فريد منذ يومين مقابل 100 شيقل.
وكشف أنه يحجز الدور منذ تناول طعام الإفطار عند آذان المغرب ثم يعود بعد تناول السحور وينتظر إلى أن يفتح البنك أبوابه زهاء الساعة 9 ص، مضيفًا إلى أنه أحيانًا يفشل ولا يكون هناك نقد كاش، وأحيانًا يأتي رعاع كقطاع طرق يسيطرون على الصراف ولا يسمحون لأي شخص سحب أموال إلا بعد تغريمة 50 شيقل.
ويلجأ مواطنون لمحال الصرافة لاستلام رواتبهم ببطاقتهم البنكية مقابل "عمولة"، ويستغل بعض التجار حاجة المواطنين فيرفعوا نسبة الفائدة لكن هذه العملية شبه متوقفة الآن لأنه لا يوجد سيولة في القطاع.
وقال مصدر في فرع لبنك فلسطيني في قطاع غزة: أن الأموال التي تخرج من قطاع غزة لا يدخل بدلاً منها والطريق منقطعة مع الفروع الرئيسة في رام الله أو الأردن أو غيرها بسبب الحرب على غزة ويصعب نقل أموال "كاش".
وأشار إلى أنه يتم تعبئة ماكينة الصراف الآلي من الأموال التي يودعها بعض التجار والصرافين الذين يجمعون الكاش من البائعين أو من موظفين تلقوا حوالات أو رواتب عبر الصرافين مقابل عمولة.
وقال محمد أبو حامدة، محلل اقتصادي: إن شح السيولة تضر بالاقتصاد الوطني لأنها تشل عجلة التداول الطبيعي إضافة لتمركز الكاش بيد فئة محددة فقط، مشيرًا إلى أنه "لا يوجد أموال بيد المواطنين هذا يؤدي لقلة الطلب ما يعني زيادة العرض بدون سيولة وربما يرجع المواطنون لعصر المقايضة".
وقالت المواطنة جمانة الأطرش، أنها تلقت حوالة مالية من أختها في دولة أوروبية ولم تستطع سحبها من البنك فتوجهت لمحل صرافة عملات واضطرت أن تقبل بعمولة نسبتها 15%، مضيفة بأنها تعلم بأن العمولة ضخمة لكن لم يكن أمامها سوى الرضوخ لهذا الاحتكار لأنها نازحة ولا يوجد لديها مصدر رزق وبحاجة للطعام.
وشددت سلطة النقد على رفضها علميات الابتزاز واستغلال المواطنين في ظروفهم القاسية، وقالت أنها تعمل على مراقبة حسابات المبتزين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها