أمس الاثنين الموافق 19 حزيران / يونيو شنت إسرائيل الاستعمارية حربًا وحشية على محافظة جنين ومخيمها أدى لسقوط خمسة شهداء، وواحد وتسعين جريحًا بينها 23 إصابة حرجة، وكان بين الشهداء والجرحى أطفال ونساء ومن مختلف الأعمار، ونجم عن ذلك شل مجالات الحياة عمومًا في المحافظة، وتعطيل امتحانات الثانوية العامة. لأن الطلاب لم يتمكنوا من الوصول لقاعات الامتحانات. وشارك في الحرب طائرات الاباتشي والمسيرة والدبابات وناقلات الجنود ومجموعات المستعربين ومئات الضباط والجنود من الجيش وحرس الحدود، واستمرت المعركة غير المتكافئة قرابة العشر ساعات طوال تمكن الفدائيون من إصابة سبعة ضباط وجنود، بالإضافة لإعطاب العديد من الآليات العسكرية. 


حرب مفتوحة وشاملة تخوضها حكومة الترويكا الفاشية على الشعب والقيادة ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية والمشروع والأهداف والثوابت الوطنية، والحقوق السياسية والقانونية، وعلى الرواية والهوية والشخصية الفلسطينية العربية، وعلى حق الحياة على أرض الوطن الفلسطيني، وعلى حق استنشاق الهواء، وشرب الماء وتناول الغذاء، والدفاع عن التراث والموروث الحضاري، وعن حق التعلم والمساواة ببني الإنسان، حرب لا هودة فيها تستهدف كل ملمح من حياة الشعب العربي الفلسطيني. 


حرب الأمس في جنين ومخيمها، لم تكن تستهدف محافظة جنين، انما هي جريمة حرب من مجموعة جرائم متدافعة ومتواترة ويومية وعلى مدار الساعة تستهدف الكل الفلسطيني، وأعني ما أقول بما في ذلك أولئك من جماعة الإخوان المسلمين الانقلابيين، الذين ارتضوا أن يكونوا أداة رخبصة بيد المستعمرين الصهاينة وسادتهم الأميركيين، وحتى من ارتضوا أن يكونوا عملاء ومدسوسين على المناضلين في كل المحافظات. لأن الحركة الصهيونية ودولتها اللقيطة لا تريد أن ترى فلسطينيًا ناطقًا بالعربية على الأرض العربية الفلسطينية، التي تدعي إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، إنها "وريثة أرض الميعاد"، وهي "صاحبة الأرض المشاع، الخالية من الناس" وفق شعارها الاستعماري "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، حتى تمرر أكبر عملية تزوير في التاريخ القدين والمعاصر للحقائق ووقائع الديموغرافيا بقيادة الغرب الرأسمالي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية. 


حرب الأمس وأول أمس التي فوضت فيها حكومة نتنياهو السادسة سموتيريش بقيادة ملف الاستيطان الاستعماري، وأطلقت يده بالمصادقة على بناء 4500 وحدة استعمارية جديدة، ومنحته مليار شيقل لتسريع الاستيطان والتهويد والمصادرة وتشريع البؤر الاستيطانية الستين ... إلخ، وحرب الغد وبعد الغد، تتطلب تغيرًا في نهج المواجهة الفلسطينية. كفى لم تعد الآليات المتبعة خلال العقود الثلاثة الماضية مجدية، ولا بد من تأبين أوسلو فلسطينيًا بشكل رسمي، والقطيعة الكلية مع مخرجاتها. لأن حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ حكومة إسحاق رابين في العام 1993 وحتى حكومة الائتلاف الحاكم بقيادة بيبي الفاسد والفاشي دفنتها منذ زمن بعيد، عندما أعلن رابين "لا تواريخ مقدسة" ومع رفضه الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الوطنية المستلقة على حدود الرابع من حزيران 1967 والقدس الشرقية عاصمتها، ورفض  كل رؤساء الحكومات المتعاقبة بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، ليس هذا فحسب، بل قاموا بإعلان ضمها، ويجري العمل على تهويد الحوض المقدس، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وهذا هو النائب الليكودي هليفي أعد مشروعا للتقسيم المكاني والزماني لاولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأسقط الستاتيكو التاريخي، وتجري عمليات تطهير عرقي يومية في كل بقعة من فلسطين التاريخية.  


ما تقدم، ليس ردود فعل انفعالية سطحية، ولا نتاج غضب لحظي على دماء الشهداء والجرحى الذين أصيبوا أمس وخلال العقود الثلاثة الماضية، وانما تقوم على ركائز سياسية وقانونية وكفاحية أكدتها تجربة الكفاح الوطني خلال الثلاثين عامًا الماضية، والقراءة العلمية للمخطط الاستعماري الصهيو رأسمالي، وعليه فإنه آن الآوان رسميًا للخروج من حالة المراوحة والتعلثم والتردد والرهان على بقايا تصريح هنا او تصريح هناك لمسؤول أميركي أو أوروبي  أو رسمي عربي فاقد الأهلية للتنفيذ الفوري لقرارات المجلسين الوطني والمركزي، وعقد فوري للمجلس المركزي لوضع رؤية برنامجية سياسية وكفاحية جديدة، واستعادة الوحدة الوطنية فورًا دون تردد، ومطالبة الاشقاء العرب في مصر والجزائر وقطر ان شاءت للضغط على حركة حماس للتخلي عن خيار الإمارة الطالبانية القاتل، والعودة لجادة الشراكة السياسية، وتصعيد كل أشكال المقاومة وفق خطة ورؤى وطنية وعلمية واضحة ومحددة في كل المحافظات، وكسر شوكة كل العرب المطبعين من الفهم إلى يائهم دون استثناء، ومطالبتهم بالوقف الفوري لعمليات التطبيع المجانية مع إسرائيل، وعليهم طرد السفراء الإسرائيليين من بلادهم، ووقف كل أشكال التنسيق والتعاون مع إسرائيل، والشروع بخلع العباءة الأميركية وفق مصالح الدول الشقيقة، ومستقبلها كفاعل في الخارطة الدولية الجديدة في ظل عالم متعدد الأقطاب، والكف عن تسويق ذرائع للتطبيع المجاني، ومطالبة الصين وروسيا الاتحادية والهند وجنوب إفريقيا وكل دول البريكس لتحمل مسؤولياتها للضغط على إسرائيل للالتزام بخيار حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية، وتقديم الدعم السياسي والقانوني والمالي للشعب الفلسطيني ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين حتى تتم عودتهم لديارهم. وإلا فإن دورة الحرب الإسرائيلية لن تتوقف حتى إبادة آخر فلسطيني، وإلا فإن الرد الواجب يتمثل بقلب الطاولة رأسًا على عقب على رأس إسرائيل.