مرّة أخرى فاجأت لجنة جائزة نوبل للآداب النقادَ والأدباءَ والقرّاء والمثّقفين باختيارها الأديبة الرّوائيّة الفرنسيّة آنّي إرنو الّتي تكاد تكون معروفةً للقرّاء في فرنسا، وأفشلت جميع المراهنات والتّوقعات الأدبيّة الّتي رشحت الرّوائيّ التشيكيّ ميلان كونديرا صاحب الرّوايات المشهورة الّتي قرأتها وتمتعت بها مثل: المزحة، كتاب الضحك والنّسيان، الخلود، البطء، الهويّة، كائن لا تُحتمل خفته، كما رشّحت الرّوائيّ الألبانيّ إسماعيل قادري (كادريه) الّذي قرأت له روايات رائعة مثل القلعة، الجسر، طبول المطر.

لم أسمع بالرّوائيّة آنّي إرنو ولم أقرأ رواية من أعمالها قبل فوزها بهذه الجائزة العالمية الكبيرة فهي لا تتمتع بشهرة أديبات فرنسا الكبيرات مثل: سيمون دو بوفوار صاحبة كتاب "الجنس الثّاني" و فرانسواز ساغان صاحبة "صباح الخير أيّها الحزن" إلّا أنّني قرأت لها بعد فوزها نصّين قصيرين نشرتهما مجلّة "أخبار الأدب" القاهريّة.

منحت اللّجنة السّويديّة الجائزة الكبيرة للأديبة آنّي إرنو لاعتمادها في رواياتها على الذّاتيّة المفرطة (كما جاء في قرار اللّجنة) فمنذ باكورتها الرّوائيّة "الخزائن الفارغة" اختارت أن تكتب عن نفسها وقرّرت أن تكون أديبة صريحة لا تساوم ولا تهادن، وأن تنبش ذكريات الطّفولة والشّباب حتّى اعتبر النّقاد والدّارسون الفرنسيّون رواياتها "سيرة ذاتيّة غير عاديّة" أو "اعترافات امرأة" جريئة وشجاعة. وبرزت شجاعتها وصراحتها عندما كتبت عن تجربة اغتصابها وهي طالبة جامعيّة، وعن حملها من هذا الاغتصاب ومعاناتها من الإجهاض السرِّي عندما كان الإجهاض ممنوعًا قانونيًّا في فرنسا.

كتبت آنّي إرنو بصراحة أيضًا عن علاقتها بوالدها وعن قصّة والدتها المريضة بمرض ألزهايمر كما كتبت عن النّاس البسطاء ومدمني الكحول وروّاد السوبرماركت. ومن المعلومات الّتي وصلت إلينا بعد فوزها بالجائزة يبدو أنّ مواضيع الجنس والمرض والشّيخوخة والخرف وإدمان الكحول هي الموادّ الأساس لرواياتها.

يقف في كلّ عام عدد من الأدباء العرب في طابور المنتظرين لجائزة نوبل وقد قال محمود درويش في حواره مع النّاقد اللّبنانيّ عبده وازن: "لم أفكر بجائزة نوبل ولم أحلم بها وأشعر في داخلي بأنّ على الإنسان أن يحلم بما هو ممكن وألّا يتحوّل هذا الموضوع إلى وسواس.. في كلّ سنة ترتفع أسهم وتسقط أخرى. هناك مشكلة في نظرة العرب إلى صورتهم فالأدب العربيّ لا يحتلّ مكانته في العالم كما يظنّ الأدباء العرب... ومكانة العرب الأدبيّة ترتبط بمكانتهم العالميّة والسّياسيّة وبحضورهم في العالم. ولا يمكن أن يستبعد هذا الشّرط". ويضيف درويش: "بعض الكتّاب العرب إذا تُرجم لهم كتاب يضعون أنفسهم رأسًا في قائمة المرشّحين للجائزة، وأعتقد أنّ المرشّحين لها بالآلاف وأنّ أيّ كاتب يمكن أن يرشّح لهذه الجائزة، وهذا لا يعني شيئًا. فلماذا يقف العرب كلّ سنة في طابور الانتظار؟ إذا جاءت تكون جاءت وإلّا فلا.. وعلى الّذين يفكّرون فيها أن ينسوها لعلّها تتذكّرهم!".

 

المصدر: الحياة الجديدة