الشاعر الكبير محمود درويش، قال عنه "أن ياسر عرفات كان الفصل الأطول في حياة الشعب الفلسطيني، وكان اسمه أحد أسماء فلسطين الجديدة، الناهضة من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة، إلى فكرة الدولة".
نعم انه ياسر عرفات، الرجل الذي قاد أطول وأعظم ثورة معاصرة في تاريخ البشرية بشجاعة وحنكة وإرادة صلبة وصمود، متجاوزًا كل المحن، والانتكاسات والمؤامرات، واستطاع الخروج من نفق المؤامرات والتبعية، وأن ينسج الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني فأصبح قائدًا لشعب لا يمكن لأحد أن يحتويه أو يسيطر على قراره المستقل، قائدًا عمل بأصرار على تحقيق أماني شعبه الوطنية المشروعة في الحرية والاستقلال.
ولادة ياسر عرفات:
ولد ياسر عرفات في القدس في 4 آب/ أغسطس 1929، واسمه بالكامل "محمد ياسر عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني"، تلقى تعليمه في القاهرة، وشارك، بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري، في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر في 1956.
تخرج من كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، وشارك منذ سني صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف "اتحاد طلبة فلسطين" الذي تسلم زمام رئاسته لاحقاً.
تأسيس حركة "فتح"
أسس في الخمسينيات، مع ثلة من إخوانه الفلسطينيين، حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، والتي وأعلنت انطلاقتها في الأول من كانون الثاني ١٩٦٥ بتنفيذ عملية فدائية عرفت بـ"عملية عيلبون"، وفي العام ١٩٦٩ انتخب ياسر عرفات رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي العام ١٩٧٤ ألقى ياسر عرفات كلمة باسم الشعب الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قائلًا: "جئتكم ببندقية الثائر بيد، وبغصن زيتون باليد الأخرى فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"، وكانت هذه اللحظة، بما تحمله من دلالات بمثابة انعطافة كبرى في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية.
وقاد الشهيد الرمز ياسر عرفات معركة صمود بيروت ضد جيش الاحتلال الصهيوني أثناء إجتياح لبنان عام ١٩٨٢ جنبًا إلى جنب مع القوات المشتركة للثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، التي خاضت معارك الصمود خلال الحصار الجهنمي الغاشم الذي فرضته قوات الاحتلال الصهيوني الغازية على العاصمة اللبنانية بيروت طيلة 88 يومًا، والتي انتهت بإتفاق دولي قضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين رحمةً بأهلي بيروت الصامدين، وحينها سأل أحد الصحافيون الفرنسيون ياسر عرفات لحظة خروجه إلى أين يا أبو عمار أجابه القائد أبو عمار إلى فلسطين إن شاء الله.
وفي الأول من تشرين الأول ١٩٨٥ نجا القائد ياسر عرفات بأعجوبة من غارة إسرائيلية استهدفت منطقة حمام الشط بتونس، أدت إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى من الفلسطينيين والتونسيين.
ومع حلول 1987 أخذت الأمور تنفرج وتنشط على أكثر من صعيد، فبعد أن تحققت المصالحة بين القوى السياسية الفلسطينية المتخاصمة في جلسة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني، أخذ ياسر عرفات يقود حروب الشعب الفلسطيني على عدة جبهات بدعم الصمود الأسطوري للمخيمات الفلسطينية في لبنان، ويوجه ويدعم انتفاضة الحجارة التي اندلعت في فلسطين ضد الاحتلال، ويخوض المعارك السياسية على المستوى الدولي من أجل تعزيز الاعتراف بقضية فلسطين العادلة.
وبعد إعلان الإستقلال في ١٥ تشرين الثاني ١٩٨٨ خلال دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، أطلق في ١٣ كانون الأول ١٩٨٨ في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي انتقلت إلى جنيف بسبب رفض الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول، مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، والتي أسست لقرار الإدارة الأمريكية برئاسة رونالد ريغان في الـ 16 من الشهر ذاته، والقاضي بالشروع في إجراء حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية في تونس اعتبارا من ٣٠ آذار ١٩٨٩.
غاب أبو عمار قبل سبعة عشرة سنة بجسده؛ لكن إرثه النضالي ومنجزاته الوطنية لا زالت قائمة تنهل منها الأجيال لمواصلة الكفاح من أجل التحرر وبناء أسس الدولة الفلسطينية؛ اذ لم يكن ياسر عرفات خلال سني حياته مجرد مقاتل يحمل بندقية؛ وإنما كان الزعيم الملهم الذي وضع في ظروف هي غاية في التعقيد، أسس الدولة الفلسطينية العتيدة بدءاً بدوائر منظمة التحرير الفلسطينية التي عنيت بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والثقافية للشعب الفلسطيني؛ وانتهاءً بتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من أيار/ مايو 1994 على أرض الوطن بعد رحلة طويلة من النضال والكفاح المرير.
غاب القائد الرمز ياسر عرفات، بعد أن أرسى معالم الكيان الفلسطيني المستقل، فها هي المؤسسات الفلسطينية الرسمية والشعبية تواصل المسيرة، بقيادة السيد الرئيس محمود عباس، القائد الحكيم العنيد المتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية والذي يسير بخطى ثابتة وثقة عالية نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم، متحديًا كل من يقف في وجه فلسطين مهما عظمت قوته وجبروته.
إعلام حركة "فتح" في منطقة صور
2022/8/4
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها