تقرير: مريم سليمان
تتزايدُ الأخطارُ المحدقة بأسرانا البواسل في معتقلاتِ الاحتلال إلى حدٍّ كبير، فمصلحةُ السجون الإسرائيلية وضعت مسلسلاً عنوانهُ القتل الممنهج للأسرى من خلالِ اتّباعِ سياساتٍ عدوانية وغيرِ إنسانية بحقِّ الأسرى، فسياسةُ الإهمالِ الطبي الممنهجة والتي يمارسُها الاحتلال بحقِّ أسرانا أدت مؤخّرًا إلى استشهادِ الأسير سعدي الغرابلي داخلَ سجن إيشل، بعد صراعٍ مع مرض السرطان بالإضافةِ لداء السكري والضغط، ولا إنسانية الاحتلال التي وضعت الأسير في العزلِ الإنفرادي.
وهذا يعني أنَّ هناك إهمالاً متعمّدًا من مصلحةِ السجون للأسرى كنوعٍ من العقابِ اللا أخلاقي واللا إنساني، وهذه السياسة في القتل يمارسُها الاحتلال دائما بشكلٍ ممنهج ومع سابقِ الإصرار والترصد ضدَّ الأسرى والشهداء منفذي العملياتِ الفدائية، حيث يتركُهم ينزفون في المكان الذي نفذت فيهِ العملية دون أن يسمح لسياراتِ الإسعاف بالوصولِ إلى المكان لنقلِ المصاب إلى أحد المستشفيات، وأمامَ هذا المشهد المنافي لكلِّ المعايير يبقى صمتُ منظماتِ حقوقِ الإنسان والمؤسساتِ الدولية سيّدَ الموقف حيثُ لا عقاب ينالهُ الاحتلال على جرائمِه.
أسرانا يعيشون أوضاعًا صحية استثنائية
يعيشُ أسرانا داخلَ المعتقلات أوضاعًا صحيةً استثنائية؛ فهم يتعرضون إلى أساليبِ تعذيبٍ وحشية ممنهجة، تؤذي وتضعف أجسادَ الكثيرين منهم.
إنَّ أساليبَ إضعافِ الإرادة والجسد على السواء ثنائيةٌ مأساوية، يتّبعُها كيانُ الاحتلال الذي يدعي الديمقراطية؛ إذ يشرّعُ نظامُهُ السياسي والقضائي التعذيبَ والضغطَ النفسي بحقِّ أسرانا ما يعد مخالفةً للكثيرِ من المعاهداتِ والمواثيق الدولية.
ومن خلالِ مراقبةِ الوضع الصحي للأسرى، اتضح أنَّ مستوى العنايةِ الصحية بالأسرى شكلي وشبه معدوم بدليلِ الشهادات التي يدلي بها الأسرى، وارتقاءِ الشهداء من بينهم، وازديادِ عدد المرضى منهم وبشكلٍ متصاعد، فعلاجُ الأسرى بات موضوعًا تُخضعُه إداراتُ السجون للمساومةِ والابتزاز والضغطِ على المعتقلين؛ الأمرُ الذي يشكلُ خرقًا فاضحًا لموادِ اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، والتي أوجبت حقَّ العلاج والرعايةِ الطبية، وتوفيرِ الأدويةِ المناسبة للأسرى المرضى، وإجراءِ الفحوصاتِ الطبية الدورية لهم.
ولا يتوقف الأمرُ عندَ هذا الحد فالعياداتُ الطبية في معتقلاتِ الاحتلال، تفتقرُ إلى الحدِّ الأدنى من الخدماتِ الصحية، والمعداتِ والأدوية الطبية اللازمة والأطباءِ الاختصاصيين لمعاينةِ ومعالجةِ الحالات المرضية المتعددة، فالدواءُ السحري الوحيد المتوفر فيها هو حبةُ الأكامول التي تقدم علاجًا لكلِّ مرض وداء.
وتستمرُ إداراتُ السجون في مماطلتِها بنقلِ الحالاتِ المرضية المستعصية للمستشفيات، والأسوأ من ذلك أن عمليةَ نقلِ الأسرى المرضى والمصابين تتمُ بسيارةٍ مُغلَقة غيرِ صحية، بدلاً من نقلهِم بسياراتِ الإسعاف، وغالبًا ما يتمُّ تكبيلُ أيديهم وأرجلهم، علاوةً على المعاملةِ الفظة والقاسية التي يتعرضون لها أثناءَ عمليةِ النقل.
وهنا لا بد من استعراضِ جملةً من الانتهاكاتِ الصحية التي تمارسُها إداراتُ المعتقلات الإسرائيلية بحقِّ أسرانا ومنها:
- الامتناعُ عن إجراءِ العملياتِ الجراحية للأسرى المرضى، إلا بعدَ قيامِ زملاء الأسير المريض بأشكالٍ من الأساليبِ الاحتجاجية
- عدم وجود أطباء اختصاصيين داخلَ المعتقل وافتقار العيادات إلى وجودِ أطباء مناوبين ليلاً لعلاجِ الحالات الطارئة
- عدم توفر الأجهزة الطبية المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك أجهزة التنفس والبخاخات لمرضى الربو، والتهابات القصبة الهوائية المزمنة وتقديم أدوية منتهيةِ الصلاحية للأسرى
- عدم وجود غرف لعزلِ الأسرى المصابين بأمراضٍ معدية، ما يهدد بانتشارِ المرض بسرعة بين صفوفِ الأسرى نظرًا للازدحامِ الشديد داخلَ المعتقلات
- كذلك حرمان الأسرى ذوي الأمراضِ المزمنة من أدويتِهم، بالإضافةِ لفحصِ الأسرى المرضى بالمعاينةِ بالنظر ومداواتهم من خلفِ شبك الأبواب
هذه الممارسات تشكلُ جزءًا ممّا يعانيه الأسرى داخلَ المعتقلات، حيثُ بلغَ عدد الأسرى المرضى في سجونِ الاحتلال أكثرَ من سبعِمئة وخمسين أسيرًا، يعانون أمراضًا مختلفة بعضُها مزمن وبعضُها خطير.
خطرٌ مضاعف على الأسرى مع انتشار "كورونا"
إنَّ سياسةَ الإهمالِ الطبي الممنهج والمتعمد التي تمارسُها مصلحةُ السجون بحقِّ أسرانا ليست بالحديثة، حيث استشهد الكثير من الأسرى نتيجةً لهذه السياسة ومنذُ عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين وصل عددُ شهداءِ الحركة الأسيرة إلى مئتين وثلاثةٍ وعشرين أسيرًا تعرضوا للتعذيب والتنكيل والإهمال الطبي المتعمد.
هذا وثمة أخطارٌ جدية محدقة تواجهُ حياةَ أسرانا، بخاصةٍ أنَّ سلطاتِ الاحتلال لا تتعامل مع حياتهم بجدية في ما يخصُ أخطار "فيروس" كورونا، حيث تعاني المعتقلاتِ الإسرائيلية من الاكتظاظ، الأمرُ الذي سيؤدي إلى انتشارِ الفيروس مع عدم توفير المعقمات والإهمال الطبي المتعمد، فأقسامُ الأسرى منعدمةٌ فيها أدنى إجراءاتِ الوقاية من الإصابةِ بفيروس "كورونا"، الأمرُ الذي يتطلبُ الضغطَ من قبلِ الصليب الأحمر ومنظمةِ الصحة العالمية على الاحتلال لتوفيرِ المعقمات في السجون وداخلَ الأقسام وفي المحاكمِ الإسرائيلية لحمايةِ الأسرى وكذلك ذويهم في حالاتِ الزيارة.
إنَّ استمرارَ سلطات الاحتلال بممارسةِ سياسةِ الإهمال الطبي بحقِّ أسرانا وفي ظلِّ ارتقاءِ شهداء من الحركةِ الأسيرة نتيجةً لهذه السياسة فإنّها تتنصلُ من التزاماتِها بموجبِ المواثيق الدولية كقوة احتلال ملزمة بضمانِ سلامة المعتقلين وتقديمِ الرعايةِ الطبية لهم، لكن الكيان الإسرائيلي يعملُ دائمًا على انتهاكِ جميع المعايير الإنسانية في ظلِّ استمرارِ الصمت العالمي على جرائمِه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها